أردوغان يقود تركيا إلى الدولة الإنسانية

- ‎فيعربي ودولي

خاص- بوابة الحرية والعدالة:

 

حصدت الأزمة الإنسانية المتفاقمة، والتي تعاني منها أقلية الروهينجا  في ميانمار، إدانات دولية واسعة، قليل منها الذي تُرجم إلى أفعال ملموسة.

 

ففي الوقت الذي حاولت فيه الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل ماليزيا، وإندونيسيا، وبنجلاديش، وباكستان توجيه أكبر قدر من الضغط الدولي على الحكومة الميانمارية، كانت الاستجابة الأقوى والأكثر وتيرة قادمة من تركيا.

في الواقع أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يظهر وكأنه قطع وعدًا على نفسه بأن يكون الصوت الدولي لمسلمي الروهينجا.

 

ووفقًا للحكومة التركية، يعد أردوغان أول من أدار عملية إيصال المساعدت الإنسانية إلى ميانمار، بالحصول على أُذونات خاصة بذلك، في الوقت الذي منعت فيه الحكومة مساعدات الأمم المتحدة من الوصول إلى الروهينجا على خلفية أعمال العنف.

 

وفي 7 سبتمبر الجاري، أصبحت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) التابعة لرئاسة الوزراء، أول مؤسسة إغاثة أجنبية تدخل إلى منظقة النزاع بميانمار، لإيصال نحو ألف طن من المساعدات الغذائية والأدوية إلى أقلية الروهينجا في أقليم أراكان (راخين).

 

كما كانت زيارة زوجة رئيس الجمهورية، أمينة أردوغان، لمخيمات لاجئي الروهينجا على الحدود البنغالية ـ الميانمارية، إعلانًا عن

الخطة التركية لتوزيع المساعدات الإنسانية للروهينجا في بنجلاديش أيضًا.

 

استنكار عام

 

وفي هذه الأثناء، استثمر أردوغان منصبه الحالي كرئيس دوري لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، وأدان بشكل رسمي، خلال اجتماع للمنظمة بالعاصمة الكازاخية أستانة، الموقف الميانماري تجاه الروهينجا .

 

وقال نيابًة عن أعضاء “التعاون الإسلامي” إن ” أعمال العنف التي تمارس ضد الروهينجا ما هي إلا مجزرة”.

ومنذ 20 أغسطس المنصرم، اتخذ الرئيس التركي عدة تحركات لحشد زعماء العالم الإسلامي، بهدف ممارسة الضغوطات على حكومة ميانمار.

 

وفي 31 أغسطس، تحدث أردوغان مع زعماء موريتانيا، وباكستان، وإيران، وقطر، لحثهم على الانضمام لقوة مشتركة، يكون من شأنها

إيجاد سبيل لوقف أعمال العنف ضد الروهينجا.

 

وبجانب أردوغان، اهتم سياسيون أتراك بقضية الروهينجا ، بينهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ونائب رئيس الوزراء، محمد شيمشك.

 

وبناء عليه، كيف يمكننا تفسير الطموح التركي لتولي دور القيادة في أزمة الروهينجا؟

 

طموحات عالمية

 

تحت قيادة الرئيس أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية الحالية، تحولت السياسة الخارجية لتركيا باتجاه الجنوب العالمي.

هذا التوجه جاء بالتزامن مع بروز فراغ سياسي جراء تراجع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن القيادة العالمية.

 

ويرى الأكاديميان في جامعة ” بيلكنت” ( أول جامعة خاصة في تركيا ومقرها أنقرة)، بينار بيلجن، وعلي بيلجيتش، أن عقيدة السياسة الخارجية التركية أصبحت قائمة على ما يسمى بالـ” جغرافيا السياسة الحضارية”، و”فهم الثقافة والحضارة كمحددات للسلوك الدولي”.

 

ويعتبر الأكاديميان أن المذهب السياسي الجديد في تركيا يهدف إلى جعلها في صميم القضايا الجيوسياسية بين الغرب وبقية آسيا، بربط هذه المشاركة العالمية بتراثها السياسي، القائم أساسًا على تاريخ آسيا الوسطى والموروث العثماني.

 

وبرز هذا التحول، بشكل دقيق عام 2000، من خلال رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ( 2009 -2014)، والذي تم وصفه عام 2010 بأنه “العقل المدبر لصحوة عالمية في تركيا”.

 

بقيادة داود اوغلو، اتسعت خطى الدبلوماسية التركية العالمية بشكل ملحوظ، لاسيما في قارتي آسيا وإفريقيا. وافتتحت تركيا عام 2012 أول سفارة لها في ميانمار، للاستفادة من فرص التجارة المحتملة، فضلًا عن الاهتمام بقضية الروهينجا.

 

وفي العام التالي 2013، وجدنا داود أوغلو يتجول في مخيمات اللاجئين ويطالب الحكومة في ميانمار بتوسيع نطاق منح الجنسية لشعب الروهينجا.

 

تلك الزيارة كانت بالتزامن مع ظهور السياسة الخارجية الجديدة في تركيا، والتي تتوافق مع الطموح الذي يسعى، منذ زمن بعيد، لجعل تركيا قوة إنسانية عالمية، أو “الدولة الإنسانية”، كما أطلق عليها الأكاديميان التركيان فؤاد كيمان، وأونور زاكزاك.

 

من جهتها، دعمت تركيا طموحها بتعزيز التمويل المخصص للمساعدات الإنسانية على مدار السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى تطوير المبادرات المرتبطة بالمجتمع المدني.

 

وتشير تقارير حديثة إلى أن تركيا ثاني أكثر دولة إنفاقًا على المساعدات الإنسانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، إذ خصصت عام 2016 نحو 6 مليارات دولار أمريكي لدعم العمل الإغاثي.

 

وبدورها أنفقت واشنطن عام 2016، 6.3 مليار دولار على المجال ذاته.

 

حامي حقوق المسلمين

 

أحد العوامل الأخرى، التي تفسر التوجه التركي للقيادة في قضية الروهينجا، السياسة المحلية التي تبرز موقف أردوغان تجاه القضية على أنها ”خدمة ذاتية”.

 

فخلال فترة ولاية أردوغان (بين رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية)، التي استمرت 15 عاما، أصبحت صورة تركيا القوية هي السائدة بين المسلمين في العالم، حتى داخل منازلهم.

 

كما أصبح المتدينون من الأتراك أكثر بروزًا في مجالات السياسة، والإعلام، والأعمال، بعد سنوات من التهميش؛ ما جعل مؤيديه يصفونه بأنه “حامي حقوق المسلمين”.

 

وليست قضية الروهينجا وحدها التي دعمها أردوغان، بل أيضًا برز اسمه في عدد آخر من الأزمات مثل الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في 2013، ومواجهاته العلنية مع الإسرائيليين وقادة غربيين.

 

منافسة واضحة

 

وبينما تحاول تركيا تولي دور القيادة في أزمة الروهينجا، برزت منذ أيام، عودة الرياض. وفي هذا الشأن، أصدر سفير السعودية لدى تركيا بيانًا أكد فيه على دعم المملكة القوي، الذي دام لعقود من الزمن، للروهينجا ، تبعته إيران التي وعدت أيضًا بتقديم شحنات من المساعدات إلى ميانمار في أقرب وقت.

 

وبدوره أثار قضية الروهنجيا ، أمس الثلاثاء 19 سبتمبر، خلال الاجتماع السنوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تجنبت حضوره زعيمة ميانمار أونج سان سوتشي.

 

وألغت سوتشي، الأربعاء الماضي، زيارتها إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسط تصاعد الانتقادات ضدها على خلفية أزمة مسلمي الروهينجا.

 

في النهاية، تظل دعوات أردوغان لحماية المسلمين في أنحاء العالم لحظة حاسمة في مسار القيادة الدبلوماسية التركية، وحال لحقت بها الدول الإسلامية أو ابتعدت عنها، فحدود تركيا هي “السياسة الإنسانية”.

 

ومنذ 25 أغسطس الماضي، يرتكب جيش ميانمار إبادة جماعية بحق المسلمين الروهينجا في إقليم أراكان (راخين)، أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، بحسب ناشطين أراكانيين.

 

وفي تصريح أدلى به المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، كريستوف بوليراك للأناضول، قال إن “عدد مسلمي أراكان الذين لجأوا إلى بنجلاديش هربًا من أعمال العنف التي اندلعت بميانمار منذ 25 الشهر الماضي، قارب الـ400 ألف شخص بينهم 220 ألف طفل دون 18 سنة ( حتى 14 سبتمبر الجاري).