أزمة “الإسكندرية للملابس الجاهزة”.. كيف يمثل كورونا تهديدًا لنظام السيسي؟

- ‎فيتقارير

يعاني القطاع الصناعي المصري من أزمات حادة منذ سنوات طويلة، وجاءت قرارات التعويم في نوفمبر 2016م لتزيد هذه الأزمة اشتعالا، ومع تفشي وباء كورونا منذ فبراير ومارس الماضيين، دخلت المصانع نفقًا مظلما. ولا يزال ملايين العمال يتعرضون لأزمة خانقة وغير مسبوقة بين تخفيض الرواتب إلى النصف أو حتى التسريح كليا من العمل، في ظل هذه الظروف القاسية ودخول شهر رمضان المعظم.

ومنذ يومين، قررت إدارة شركة «الإسكندرية للملابس الجاهزة» منع العمال من دخول المصنع بعد قرار سابق بخفض أجورهم بنسبة 25%؛ وهو ما دفع دار الخدمات النقابية والعمالية، الاثنين، إلى إصدار بيان، قالت فيه إن إدارة شركة الإسكندرية للملابس الجاهزة بمدينة برج العرب منعت عمال الشركة، البالغ عددهم نحو 500، من الدخول إلى المصنع ومباشرة عملهم، يوم الخميس الماضي، مضيفة أن العمال حرروا شكوى في مكتب العمل، التابع لوزارة القوى العاملة، فيما منعت إدارة الشركة موظفي «العمل» من دخول المصنع.

وبحسب البيان، كان العمال يشتكون من تكرار تأخّر دفع رواتبهم، كما أنهم طالبوا إدارة المصنع بإجلاء حقيقة الشائعات حول صدور قرار بخفض رواتبهم، وهو ما نفته إدارة المصنع وقتها. غير أن العمال فوجئوا، الأربعاء الماضي، بحضور ضابط شرطة إلى المصنع، وإخبارهم أن الإدارة قررت خفض رواتبهم بنسبة 25%، وأنها تقدمت ببلاغ ضدهم تدعي فيه تجمهرهم ورغبتهم في تعطيل العمل، وهو ما نفاه العمال.

وأضاف البيان أن عمالا من الشركة أدلوا بأقوالهم أمام الشرطة في محضر الشركة بحقهم، كما حرروا محضرًا آخر ضد الإدارة، بعد قرارها تخفيض أجورهم، وأحالت الشرطة المحضرين إلى النيابة العامة، التي طلبت من مكتب العمل التدخل لمعرفة مدى قانونية قرارات إدارة الشركة. ولاحقًا، قررت الإدارة إغلاق المصنع ومنع العمال من الدخول، فيما طلب مكتب العمل من العمال الانتظار لحين تلقي رد من إدارة الشركة يخص أسباب الإغلاق.

كيف جامل السيسي رجال الأعمال؟

ومع تفشي وباء كورونا، اتجهت معظم الدول إلى تعليق العمل كليا وجزئيا كإجراء وقائي واحترازي لمنع انتشار الوباء، لكن الطاغية عبد الفتاح السيسي استثنى العمال الذين يعلمون في شركات القطاع الخاص من هذه الإجراءات، مضحيا بهم في سبيل استرضاء الرأسمالية المتوحشة.

وصدرت تعليمات من الحكومة بالسماح لورديات المصانع الخاصة بالعمل كاملا في 3 ورديات، واستثناء جميع العاملين فيها من قرار حظر التجوال الجزئي على الطرق العامة (من الثامنة مساءً حتى السادسة صباحا)، الذي تم فرضه في 14 مارس الماضي وتم تخفيفه لاحقا.

توجهات السيسي جاءت في إطار صفقة تعهد فيها بعدم فرض حظر شامل للتجوال، مع تخفيف قيود الحركة، خصوصا في قطاعات الصناعة والمقاولات؛ لضمان استمرار العمل في المصانع ذات الكثافة العمالية الكبرى على مدار اليوم من دون انقطاع، مقابل تبرع المالكين لها من رجال الأعمال لصندوق (تحيا مصر) الخاضع للإشراف المباشر من رئيس الانقلاب.

تضمنت هذه الصفقة أيضا عدم التركيز على العمال الذين يصابون بالعدوى. وحتى اليوم علقت عشرات المصانع أعمالها جزئيا بسبب تفشي العدوى بين عدد من عمالها مثل لافش كيري لمنتجات الألبان و”سامسونج إليكترونيكس” لإنتاج الشاشات التلفزيونية، ومصانع “ليسيكو” للصناعات الخزفية، والجيزة للغزل والنسيج.

وفي أول أبريل الماضي، علق 21 مصنعا بالمنطقة الحرة العامة الاستثمارية ببورسعيد العمل حتى منتصف أبريل، وقال مجدى كمال، مدير جمعية مستثمرى المنطقة الحرة ببورسعيد: إن المصانع توقفت بالكامل بدءا من 1 إلى 15 أبريل وحتى إشعار آخر؛ نظرا لمنع العمالة الوافدة من المحافظات الأخرى مثل الشرقية ودمياط والدقهلية من دخول المنطقة لتفادى التكدس وتقليل الكثافة داخل المصانع بالتزامن مع تراجع طلبات التصدير للخارج. موضحا أن ستة مصانع فقط من إجمالى 27 مصنعا بالمنطقة الحرة العامة بالاستثمار لا تزال تعمل بنحو %15 من طاقتها، بعد منح العمالة الوافدة من المحافظات المجاورة إجازات مفتوحة ضمن الإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، لافتا إلى أن بعض المصانع يعمل بها ما يزيد على 4000 عامل مغترب، وبالتالي يؤثر غيابهم على مراحل الإنتاج ويؤدى إلى تأخير المصنع فى تلبية طلبات العملاء.

انهيار القطاع الخاص

وأظهرت بيانات متخصصة انهيار أداء القطاع الخاص في مصر، خلال أبريل الماضي، وهو ما لم يحدث في أوج الأزمة المالية العالمية عام 2009، متأثرا بتداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد، الذي عزز كذلك من قبضة الانكماش التي أصابت الإمارات والسعودية.

وذكرت مؤسسة “آي إتش إس” ماركت العالمية للأبحاث، في تقرير لها، الثلاثاء، أن مؤشر مديري المشتريات الخاص انهار الشهر الماضي إلى 29.7 نقطة، مقابل 44.2 نقطة في مارس/ آذار. ويعني انخفاض المؤشر عن مستوى 50 نقطة أن ثمة انكماشا، في حين أن تخطيه هذا المستوى يشير إلى النمو.

وتعد قراءة الشهر الماضي للمؤشر في مصر هي أدنى قراءة مسجلة منذ بدء الدراسة في إبريل 2011. وأرجع التقرير الهبوط الكبير إلى انخفاض النشاط والأعمال الجديدة والصادرات بمعدلات قياسية وسط التدابير الرامية إلى كبح تفشي فيروس كورونا.

وتعمق أضرار كورونا من متاعب الاقتصاد الذي يعاني القطاع الخاص فيه من انكماش بالأساس منذ 9 أشهر متتالية، وفق بيانات مؤسسة “آي إتش إس” ماركت، ما يزيد مخاطر دخول البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، لتمثل نحو ثلث السكان، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي، في حين تقدّرها جهات مستقلة بأكثر من 50 في المائة.

تهديد لنظام السيسي

ورأت صحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية في استمرار وباء كورونا تهديدا لنظام السيسي، الذي اغتصب الحكم عبر انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي في منتصف 2013م، وأن تسريح العمال مع فقدان الأمل كفيل بإشعال ثورة اجتماعية هائلة، إضافة إلى مؤشرات انهيار القطاع الخاص كشفت المؤشرات عودة احتياطي النقد الأجنبي إلى الهبوط، وفق بيانات صادرة عن البنك المركزي الشهر الماضي، لتصل إلى 40.1 مليار دولار في نهاية مارس مقابل 45.5 مليار دولار في نهاية فبراير، بهبوط بلغت قيمته 5.4 مليارات دولار.

كما توقفت السياحة تماما وسط توقعات بتراجع إيرادات قناة السويس وصادرات الغاز، وكذلك تحويلات المصريين العاملين في الخارج، ما ينذر بفقدان الدولة مليارات الدولارات خلال الأشهر المقبلة.