الثوار وروح الميدان.. حين هتف المصريون ضد “بلحة” المستبد

- ‎فيمقالات

هذه ليلة تنشق فيها أنفاس الكون وهي تتنفس هتاف ملايين المصرين لتسقط الطاغية.

ملايين أكثر في الكرة الأرضية يرقبون، يرصدون معجزة البشر في بلاد تزخر بالمعجزات القديمة، والجميع يدرك أن ثورة المصريين اليوم تفوق أهرامات أجدادهم في روعتها.

هتاف الحرية والغضب يغلب الخوف والرعب والتعذيب والبلطجة والترويع باسم الاستقرار والمسكنة والخوف من الغد، والخضوع لأبوية سلطوية قاسية فقدت صلاحيتها وتتشبث بالبقاء حول أعناق الدولة والأمة العربية لتخدم الصهاينة ومصالح أمريكا، وتشارك في قمع جميع الشعوب العربية، وتُشرف على خنق الفلسطينيين إرضاء لإسرائيل بطاقتها الائتمانية لشرعية السلطة والمؤسسة التي سقطت.

هكذا عادت الطيور المجروحة والقلوب المفطورة تهتف بأعلى صوتها في وجه الظلم والبغي الذي ملأ أرجاء البلاد، وأخفى الوجه النقي للأوطان، فأظلمت بأعماله وظلمه تبلوهات الحياة.

لقد عادت الميادين تهتف بأعلى صوتها ضد الظلم والجور، وتفاعل الشباب مع الشيوخ، وتعانقت الأرواح المكلومة تنتظر بصيص الأمل الذي تفجره القلوب.

لقد كان الميدان مشهدًا واضحًا من أخلاق تربى عليها شعب تحت سنوات القهر والظلم، ومع ذلك ظل محافظًا على بصيص الأمل من هذه الأخلاق.

لن يتوقف قطار الحرية حتى تتحقق في كل شارع، وفي كل ميدان، وفي كل حارة، ويجب أن نحافظ على أخلاق ثورتنا حتى يكتب الله لها النجاح، فلا نتصور أننا بقدرتنا أو بمساعدة غيرنا سننتصر، لكن بالركون إلى الله- سبحانه وتعالى- مع الأخذ بالأسباب، ومن هذه الأخلاق التي يجب أن نتحلى بها كثوار:

1-    حسن الثقة في الله: فلا يتصور أحد أن النصر يأتي بقوة بشر، أو قوة عتاد وسلاح، لكن الفوز والانتصار يكتبه الله لمن خرج متوكلا على الله آخذا بالأسباب، قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج40).

2-    عفة اللسان: كن عفيف اللسان نقي الجنان، وصن اللسان والجوارح، واخش الله في كل جارحة فيك، وسل الكريم من واسع فضله، هو الجليل الوهاب.

3-    كن رجلا في الميدان بأخلاقك، فلا تقدم الأنانية من أجل نفسك، ولا تترك الساحة وهى في أشد الحاجة إليك.

4-    كونوا عباد الله إخوانا: يجب أن لا يشعر أي واحد يصل للميدان منتفضًا ضد الظلم والطغيان بالغربة فيه، بل لا بد أن يشعر بأن الجميع من لحمه ودمه، بل وجب على الجميع أن يشعروا أنهم في الميدان أسرة واحدة. وصدق الله العظيم إذ يقول:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وصدق الهادي البشير ﷺ الذي قال: «مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو، تَداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى» (رواه البخاري ومسلم).

5-    التجرد: في مثل هذه الأحداث تموج الشوارع بالأعداد وكأنها أمواج بحر منهدر لتبلغ الميدان، حيث تحوم حوله سحائب التهديد من قبل رجال النظام، ولذا على الشباب وكل من حضر الميدان أن يتجردوا لله، ولا ينتظروا ثناء ولا مدحًا، وليؤمّنوا الميدان في كل ركن من أركانه، وليستشعر من خرج أنه قد كان من كان قبلكم في 25 يناير من ينامون وهم مطمئنون إلى من يحميه بنفسه وماله، فلقد برزت معاني التجرد، والتي وصفها الإمام البنا بقوله: «أريد بالتجرد: أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ لأنها أسمى الفِكَر وأجمعُها وأعلاه». وصدق الحق سبحانه الذي قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.

6-    إعلاء مصلحة البلاد: إن هذا الوطن وطننا فيجب أن نحافظ عليه بصدق، ولا يحزنكم خيانة بعض من سرقوه أو نهبوا خيراته، ولذا يجب أن نحافظ على كل شبر فيه، وعلى كل مؤسسة، وكل مبنى، وأن هدفنا هو إسقاط النظام بكل أطيافه، لا خراب الممتلكات.

7-    تعاونوا: يجب أن نعلى صفة التعاون والتلاحم فلا نصبح جزرا منعزلة عن بعضها يستطيع النظام اخترقنا من خلالها فيقضى على ثورتنا، لكن لنتعاون جميعا في إطار من الحب والتلاحم حتى يقضى الله الأمر وتنجح الثورة ويحاسب الفاسد.

فالميدان سيضم أطيافًا وجماعات وأفراد من مختلف التوجهات، سواء الإسلامية أو الليبرالية أو اليسارية أو الأقباط أو غيرهم ولذا يجب أن نتحلى بأخلاق التعاون على الحق، وصدق الله العظيم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

8-    الحفاظ على البنات والنساء: إن كثيرا من بناتنا ونسائنا ضحوا بأنفسهن من أجلنا سواء داخل السجون أو بالموت في سبيل نيل الحرية، فلا يكن جزاء من ينزل ليشاركنا الميدان الإساءة لهن، ففي اللحظة التي يتردد الهتاف هادرا «الشعب يريد إسقاط النظام»، يجب علينا أن نسقط قشور العدوانية والأنانية التي تردد صداها القبيح طويلا فى حياتنا، فلا تشهد التظاهرات حالة تحرش، بل يجب أن  يتجاور الجميع فى ألفة غير مسبوقة، بل يجب على الحشود الهائلة أن تفسح مكانا لمن يريد المرور داخل ميدان والشوارع.

إن الأخلاق الحسنة هي التي تحافظ وتنمي رصيد المسلم من الحسنات، فما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم.

الإسلام الحنيف جاء لينقل البشر إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، وأنه اعتبر المراحل الفردية إلى هذا الهدف النبوي من صميم رسالته، كما أنه عدّ الإخلال بهذه الوسائل خروجًا عليه وابتعادًا عنه، فليست الأخلاق من مواد الترف التي يمكن الاستغناء عنها، بل هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين ويحترم ذويها، ومن ثم يجب أن يهتز الميدان بأخلاق الرجال.