“الدفاع الجوي”.. هل نجح الانقلاب في تركيع من يقولون “لا”؟

- ‎فيتقارير

كتب سيد توكل:

"إما أن تكون مع الانقلاب أو تكون ضده" تحت هذا الشعار ارتكبت سلطات العسكر مجزرة "ملعب الدفاع الجوي"، التي تعد حلقة من سلسلة طويلة من العنف المتعمد منذ 30 يونيو 2013، وكان الغرض من المجزرة الإجهاز على كل القوى المنظمة التي تقف شوكة في حلق الانقلاب المشئوم.

واختار نظام السيسي سياسة القمع والإقصاء تجاه كل من يعارضه، وقام بتحويل معركة ثورة يناير من النضال من أجل الكرامة والحرية والعدل إلى معركة ضد الإرهاب وضد كل من يعارض الانقلاب، وهذا أسلوب قديم وفاشل، عرفته الكثير من دول أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا.

وأعادت المجزرة التي أودت بحياة العشرات من مشجعي نادي الزمالك إلى الأذهان مجزرة بورسعيد التي قتل فيها 72 من مشجعي نادي الأهلي في فبراير 2012.

وعقب المجزرة شدد مراقبون على أن معركة الخلاص التي تستكملها ثورة يناير في مصر ليست محصورة بين جماعة الإخوان وسلطات الانقلاب فحسب، وإنما بين العسكر وكل القوى المنظمة التي حركت ثورة يناير وشاركت فيها.

أما الهدف النهائي من المجزرة التي ارتكبتها مليشيات داخلية الانقلاب والجيش، هو إخلاء الساحة تماما لأجل ترسيخ دولة العسكر والفساد من جديد، وبات السؤال مطروحًا في ذكرى المجزرة.. هل نجح رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في بث سياسة الرعب في الشعب؟

للتغطية على التسريبات
يؤكد مراقبون أن العنف الذي تستخدمه النظم التسلطية والعسكرية والشمولية يحوّل -في نظر فئات واسعة من الشعب- السلطة إلي عصابة عنيفة ترى في كل من يعارضها خصما يجب القضاء عليه، لكن العنف الذي تعيش به هذه الأنظمة تسقط به أيضا عن طريق الثورة ومقاومة الانقلاب.

من جهته، أكد الكاتب والناقد الرياضي علاء صادق أن المذبحة مدبرة، وأنه من العادي أن يذهب عدد من الجماهير دون تذاكر لحضور المباراة، مشددا على أن شرطة الانقلاب اشتبكت عن عمد مع الجماهير.

وأضاف أن كل تلك الأمور تكشف المؤامرة ومن دبر لها، خاصة أنها حدثت سريعا للتغطية على تسريبات اليوم السابق، في إشارة إلى ما تم الكشف عنه وقتها من تسريبات رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي ومدير مكتبه أثناء توليه منصب وزير الدفاع.

وأكد صادق أنه كان يمكن تفادي هذا الأمر بسهولة جدا من خلال إحاطة الأمن بالملاعب، وإقامة حواجز وتوزيع التذاكر، وكل هذا لم يحدث، لذلك لا يمكن اعتباره فشلا أمنيا إنما تربص حدث بتدبير مسبق، وفق رأيه.

انكسار حاجز الخوف
ظلت ظاهرة الألتراس منذ ظهورها في مصر عام 2007 غير مُسيسة، لكنها ناصبت الأمن والإعلام العداء على خلفية رياضية بحتة، رافضة تحويل الكرة إلى صناعة يستفيد منها الكبار على حساب الجمهور ورافضة الممارسات القمعية للشرطة في المدرجات.

ومع اندلاع ثورة 25 يناير، وانكسار حاجز الخوف، شاركت مجموعات الألتراس في الأيام الأولى للثورة، واشتركت في حماية الميدان وأسر الشهداء والمصابين، وفي الضغط أثناء محاكمات مبارك، كما شاركت في مليونية 9 سبتمبر 2011 التي انتهت باقتحام سفارة العدو الصهيوني بالجيزة.

وفي أعقاب مجزرة ملعب بورسعيد في فبراير 2012 والتي راح ضحيتها 74 شخصا، تصاعد النشاط السياسي لجماعات الألتراس، وصار القصاص القضية الأولي لها، ثم مع اشتداد السياسة القمعية للدولة بعد 30 يونيو وتصاعد الحملات الإعلامية التي تشوه جماعات الألتراس تصاعدت المصادمات مع أجهزة الشرطة.

وقبل مجزرة ملعب الدفاع الجوي، وقعت في 23 ديسمبر مصادمات بين ألتراس أهلاوي والشرطة في أعقاب قرار منع حضور الجماهير لمباريات الكرة، وفي اليوم التالي وقعت مصادمات بين رابطة مشجعي الزمالك (وايتس نايتس) والشرطة بعد إعلان رؤساء عشرة أندية مصرية اعتبار مجموعات الألتراس جماعات إرهابية وتكليف رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك برفع دعاوى قضائية لحلها واعتبارها جماعات إرهابية.

ويرى مراقبون أن النزعة التصادمية الإقصائية للانقلاب العسكري هي السبب الأول لكل مشكلات مصر الحالية، وتمتد جذور الأزمة لحالة الاغتراب التي يعيشها الشباب منذ عقود طويلة من جهة، وحالة الإحباط المستمر الناتج عن غياب العدالة واستمرار القبضة الأمنية الباطشة بعد الانقلاب.

خطأ أمني!
8 فبراير 2015 كان يوما كارثيا على الرياضة المصرية بشكل خاص والأسر المصرية بشكل عام، بعدما تسبب التدافع الكبير من قبل الجماهير في سقوط ضحايا ومصابين خاصة بعد أن دبرت داخلية الانقلاب للمجزرة وابتكرت ممرًا للموت بحجة دخول الجماهير إلا أن الممر والرصاص وقنابل الغاز حصدت أرواحهم.

وقد أظهر نظام السيسي بعد المجزرة الصورة الأسوأ لأي جهاز قمعي بالعالم، إذ اتسم العنف بكل الصور السيئة من الاستعلاء على الشعب، والانتقام منه، وقتل المتظاهرين العزل، واعتقال عشرات الآلاف وتلفيق التهم لهم، ثم توجيه الملايين من الجماهير عبر الإعلام الموجه.

وقد بدأ نظام السيسي بالبطش المفرط تجاه جماعة الإخوان المسلمين وكل القوى المعارضة للانقلاب، ثم قام بتهميش بعض الأحزاب من كافة التيارات الأخرى، والسيطرة الأمنية على بعضها الآخر، هذا بجانب سيطرته علي الإعلام.

من جهته دعا الدكتور محمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط ووزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية السابق، للنظر إلى أبعد من مجرد الخطأ الأمني، مؤكدا أن القضية تتعلق بمفهوم الدولة التي يفترض أن تحفظ وتصون حق الحياة الذي أصبح مهدورا في مصر منذ الانقلاب.

وأضاف أن منظومة الحكم في مصر حاليا لا ترى قيمة لحياة المواطنين وترى أنه يمكن إسكاتهم فقط بإطلاق الرصاص على صدورهم ورؤوسهم.

وقال "نحن أمام خطأ فادح يتشعب داخل هذه المنظومة للحكم وبالتالي الحاجة ماسة إلى تغييرها"، موضحا أن هدف الحكم الحالي هو تركيع من يقولون لا، وأن سياسة السلطة هي تكسير إرادة الشعب المصري في أي اتجاه سواء كان سياسة أو كرة قدم.