“الشيوخ”.. لماذا يهدر السيسي مليار ونصف المليار على مجلس بلا صلاحيات؟

- ‎فيتقارير

تصل تكلفة مسرحية انتخابات مجلس الشيوخ المرتقبة بنهاية العام الجاري "2020" إلى نحو مليار ونصف المليار جنيه، الأمر الذي يثير كثيرا من الدهشة، خصوصا وأن المجلس "صوري" بلا صلاحيات بخلاف الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد على المستوى الاقتصادي وتضخم حجم الديون بصورة غير مسبوقة؛ فلماذا يصر زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي على إهدار هذا المبلغ الضخم في ظل هذه الظروف القاسية والتدهور الاقتصادي جراء تفشي جائحة كورونا؟

الأمر الآخر الذي يثير الدهشة أن النظام يصر على إجراء هذه المسرحية في ظل تفشي جائحة كورونا، رغم تزايد عدد الإصابات، وكانت الهيئة الوطنية للانتخابات أعلنت عن فتح باب الترشح لانتخابات هذا المجلس الصوري بدءاً من 11 يوليو ولمدة أسبوع، ، على أن يُجرى التصويت خلال النصف الأول من أغسطس المقبل، متجاهلة بذلك الأوضاع الصحية المتردية التي تمر بها البلاد، والزيادة المستمرة في عدد ضحايا كورونا.

واستنكر كثير من الخبراء والمحللين إصرار نظام الانقلاب على عودة الغرفة الثانية للبرلمان تحت مسمى "مجلس الشيوخ" وانتهوا إلى أن الهدف من المجلس هو مكافأة ومجاملة أكبر قدر من الأشخاص الموالين للنظام، في ظل تهميش صلاحيات المجلس الجديد، وعدم وجود نص دستوري مُلزم بعرض القوانين عليه، بخلاف مجلس الشورى في عهد المخلوع حسني مبارك، والذي ألزم دستور عام 1971 بعرض التشريعات عليه.

وكان السيسي قد أصدر قانون المجلس في 2 يوليو الجاري، بعد موافقة مجلس نوابه عليه، على أن يكون مؤلفاً من 300 عضو، يُنتخب ثلثا أعضائه، ويُعيّن رئيس الجمهورية ثلثه الباقي، مع تخصيص ما لا يقل عن 10 في المائة من مقاعده للمرأة، ويؤخذ برأيه في مشاريع القوانين المكملة للدستور المُحالة إليه من مجلس النواب، أو رئيس الجمهورية، من دون أن يكون هذا الرأي ملزماً.

الغريب في الأمر أن النظام حريص كل الحرص ليس على حماية المال العام بل البحث عن أي وسيلة لإهداره ببذخ شديد بلا حسيب أو رقيب؛ فلو كان النظام يتسم بشيء من الرشد لأجرى مسرحيتي الشيوخ والشعب في توقيت واحد خلال نوفمبر المقبل توفيرا للنفقات وابتعادا عن ذروة تفشي كورونا التي تضرب البلاد حاليا. لا سيما أن النظام الانتخابي واحد لكليهما، بواقع 50 في المائة للمقاعد الفردية، و50 في المائة للقوائم المغلقة، بدلاً من إجراء انتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس المقبل، وانتخابات مجلس النواب بعدها بنحو شهرين، في وقت تعاني فيه موازنة الدولة من تراجع شديد في إيراداتها بسبب أزمة كورونا".

أسباب ارتفاع التكلفة
وترتفع تكلفة مسرحية انتخابات مجلس الشيوخ إلى هذا الرقم الضخم للأسباب الآتية:
أولا، بدلات القضاة التي قررت الهيئة الوطنية للانتخابات زيادتها إلى 20 ألف جنيه لكل قاض عن أيام الانتخابات والإعادة الأربعة.
ثانيا، بدلات ضباط الجيش والشرطة المسئولين عن حراسة اللجان من الخارج والتي تستحوذ على حصة غالبة من هذه المخصصات والتي تعتبر رقما سريا.
ثالثا، بدلات الموظفين المعاونين للقضاة داخل اللجان للإشراف على عملية التصويت.
رابعا، زيادة عدد اللجان، بخلاف الإجراءات الاحترازية الخاصة بمنع انتشار عدوى فيروس "كورونا" والتي تشمل توزيع كمامات ومعقمات على جميع المشاركين في المسرحية المرتقبة وهي الإجراءات التي تصل تكلفتها إلى نحو 500 مليون جنيه.
خامسا، ارتفاع مخصصات ما تسمى بالهيئة الوطنية للانتخابات إلى 72 مليون جنيه، وكان مجلس النواب الذي أشرفت الأجهزة الأمنية على تشكيله من الألف إلى الياء قد وافق على مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2020-2021، والتي تضمنت زيادة مخصصات الهيئة الوطنية للانتخابات من 60 مليون جنيه إلى 72 مليون جنيه، لصالح تمويل أجور ومكافآت رئيس وأعضاء الهيئة، والأمانة الفنية لها في العام المالي الحالي، والتي كانت لا تتعدى نحو 7 ملايين جنيه (438 ألف دولار) فقط في العام المالي 2018-2019.
سادسا، تصل مخصصات المجلس في الموازنة نحو 500 مليون جنيه، وكان البرلمان قد اعتمد 500 مليون جنيه إضافية في موازنته الجديدة لصالح موازنة مجلس الشيوخ، بدعوى أن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية الجديدة لم يتضمن موازنة خاصة بالمجلس، مع العلم أن كل المخصصات المالية للعاملين في مجلس الشورى السابق (الشيوخ حالياً) مدرَجة في الأصل في موازنة مجلس النواب، والتي تضاعفت ثلاث مرات تقريباً خلال السنوات الخمس الماضية.

نتائج معلومة مسبقا
ويبدو أن النظام تجرأ على إجراء هذه المسرحية في ظل تفشي كورونا إيمانا منه أن مثل هذه المسرحيات لا يشارك الجمهور فيها من الأساس، وبالتالي سيبقى القضاة والضباط والمشرفون عليها يهشون الذباب طوال الأيام الأربعة في ظل اليقين الذين يهمين على الجميع أن تشكيلة المجلس معدة سلفا دون الحاجة لمثل هذه المسرحية والانتخابات الصورية.

وقد تواصل حزب "مستقبل وطن" الذي يديره فعليا جهاز الأمن الوطني، مع مجموعة من الأحزاب الموالية للنظام، للتوافق على قائمة موحدة لانتخابات، لمحاولة استحواذ الحزب على 40 في المائة من المقاعد، مع توزيع النسبة المتبقية على 15 حزباً تقريباً، من بينها: "الشعب الجمهوري" و"حُماة الوطن" و"الوفد الجديد" و"الغد" و"المؤتمر" و"الحركة الوطنية".

وسمحت الهيئة الوطنية لأربع منظمات أجنبية فقط بالإشراف على انتخابات مجلس الشيوخ، وهي منتدى "جالس" من أوغندا، ومنظمة "إيكو" من اليونان، ومنظمة "متطوعون بلا حدود"، والبرلمان العربي، فيما قبلت الهيئة إشراف 37 منظمة محلية، ليس منها أي منظمة حقوقية مستقلة، مستبعدة كل المنظمات التي توجه انتقادات للنظام المصري، في ما يخص ملف انتهاكات حقوق الإنسان.

وقسّم القانون مصر إلى 27 دائرة تخصص للانتخاب بالنظام الفردي (كل محافظة دائرة واحدة)، و4 دوائر تخصص للانتخاب بنظام القوائم، يُخصص لدائرتين منها عدد 15 مقعداً لكل منهما، ويُخصص للدائرتين الأخريين عدد 35 مقعداً لكل منهما، على أن يُنتخب عن كل دائرة منها عدد الأعضاء الذي يتناسب وعدد السكان والناخبين بها، بما يراعي التمثيل العادل للسكان والمحافظات.