يُعد انتحار المرضى النفسيين والمحتجزين بـ«أقسام الإدمان» والصحة النفسية داخل المستشفيات أمرًا في غاية الخطورة، ولذلك لا بد من تكثيف الجهود وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لأصحاب هذه الحالات، والاهتمام بشئونهم الخاصة لأعلى مستوى حتى لا تحدث مثل هذه الوقائع، وخاصة بعد انتحار حالتين في أواخر العام الماضي، فضلًا عن المحاولة الدائمة لكثير من المرضى للتخلص من حياتهم.
مؤخرا، شهد مستشفى العباسية للصحة النفسية واقعة انتحار شاب يدعى «حسين. د»، عندما كان محتجزا داخل قسم الإدمان والصحة النفسية به؛ هربًا من جلسات التعافي من إدمان الهيروين، ولعدم تحمله أعراض انسحاب المخدر من جسده.
وتلقت وحدة المباحث بقسم شرطة مدينة نصر ثانٍ إخطارا من مستشفى العباسية بانتحار شاب، أثناء احتجازه داخل قسم الإدمان والصحة النفسية بها؛ لإتمام علاجه وتم إبلاغ النيابة العامة، والتى طالبت بتحريات المباحث حول الواقعة، وصرحت بدفن جثة الشاب المتوفى.
كما شهد مستشفى الصحة النفسية بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، واقعة محاولة انتحار مريض محتجز داخل أحد أقسامها، من خلال قيامه بالقفز من أعلى سطح المستشفى، وألقى بنفسه أرضا في محاولة منه لإنهاء حياته، بعد تسلله ومغافلة أفراد أمن المستشفى والعاملين بالتمريض؛ ما أدى إلى إصابته ونقله إلى المستشفى الجامعي بالمحافظة.
تبين أن المريض يدعى «محمد. أ» في العقد الثالث من عمره، وأنه سبق له محاولات الانتحار قبل إيداعه المستشفى؛ لمروره بأزمة نفسية شديدة.
وجاءت تفاصيل قيام المريض بهذه المحاولة من خلال تسلله خلسة من قسم الرجال الذي يحتجز به، وتوجهه إلى سلم بالمستشفى مؤدٍّ إلى سطحها، ملقيا بنفسه من ناحية شارع عبدالحي مشهور بالمحافظة محاولاً الانتحار، وسقط أرضا مصابا بإصابات بالغة، وتم نقله لمستشفى طوارئ جامعة طنطا في حالة حرجة.
وأفادت شقيقة المريض في محضر المباحث وقتها، بأن أخاها حاول الانتحار أكثر من مرة؛ ما دفع الأسرة لإيداعه بالمستشفى لحين تماثله للشفاء، إلا أنه غافل العاملين بالمستشفى وقفز من السطح محاولا الانتحار.
ويذكر أن اللواء طارق حسونة، مدير أمن الغربية، كان تلقى إخطارًا بسقوط مريض نفسي من مستشفى الصحة النفسية بطنطا، وتبين من الفحص قيام المريض بالقفز محاولا الانتحار، وتم نقله في حالة حرجة للعناية المركزة بمستشفى طوارئ جامعة طنطا.
وقالت الطبيبة عُلا فراج، رئيس القسم النفسى بمستشفى العباسية، إن محاولات انتحار المرضى داخل مستشفى العباسية، أمر وارد بجميع أقسامها، إلا أنه تزداد هذه المحاولات بقسم الإدمان والصحة النفسية، مشيرة إلى أن السيطرة على مرضى هذا القسم أمر في غاية الصعوبة، لما لديهم من مستوى ذكاء قوي مقارنة بمرضى الأقسام الأخرى.
وأضافت رئيس القسم النفسي بـ«مستشفى العباسية»، في تصريحات اعلامية، أن المرضى المحتجزين بقسم «الإدمان» دائما يبتكرون طرقا جديدة وغير متوقعة فى كل محاولة انتحار يفتعلونها بالمستشفى.
أما عن الطرق الشهيرة التي يستخدمها المرضى في محاولتهم للانتحار فتتركز في قيامهم بتناول جرعات زائدة من الدواء المقرر لهم والذي قد يحصلون عليه أحيانا بطريقة ما، أو إلقاء أنفسهم من أي مكان مفتوح إذا توفرت لهم هذه الفرصة، وأنه غالبا ما يكون السبب الرئيسى وراء محاولتهم للتخلص من حياتهم هو ضعفهم وعدم قدرتهم على تحمل أعراض انسحاب المخدر من جسدهم.
وتابعت الطبيبة علا فراج، أنه بخصوص المرضى العقليين بالقسم أو المرضى المحوّلون لكشف الطب الشرعي على سلامة قواهم العقلية، فإن محاولة الانتحار لا تحدث إلا ممن يعانون من مرض “الانفصام الوجداني”، والمريض خلال هذا المرض يمر بحالتين أو تقسم لديه السنة إلى مرحلتين ما بين تناوب الهوس والاكتئاب.
وتحدثت فراج عن هذا قائلة: “المرضى النفسيون لو عندهم اكتئاب هيعلي التفكير في الانتحار، وده ممكن يأتي لهم من تأثير عضوي مثل نقص مواد تعطيهم إحساسًا بالبهجة مثل مادة السيروتنين، والمادة دى بتقل عند المصابين بالاكتئاب، فلو قلت عندهم قوى بتجيلهم أفكار انتحارية”، فضلًا عن العوامل النفسية التي تساهم فيه، أما فترة الهوس عندما يمر بها المريض فإنه يكون أكثر حبًا وتمسكًا بالحياة وتعاملًا مع الناس.
وأكملت فراج حديثها أنهم يقومون عند استقبال المرضى الجدد بالتحري عن تاريخهم ويومياتهم، لمعرفة هل كان هؤلاء المرضى يعانون من الاكتئاب أم لا ويمكن معرفة ذلك من خلال أفعالهم؛ فمرضى الاكتئاب يعانون من حدوث تخبط في أدائهم، ويتم تقديم لهم جلسات نفسية ودعم نفسي وعلاج إن لزم الأمر.
واختتمت الطبيبة علا فراج حديثها بأنه ليس من الصحيح محاولة أحد المرضى النفسيين الانتحار؛ بسبب الهروب من جلسات تنظيم إيقاع المخ، مشيرة إلى أنه يتم تخدير المريض قبلها فتتم دون أن يشعر بشيء، لكنه يجب مراعاة المريض جيدا بعدها بحوالي نصف ساعة حيث إنه يكون فاقدا للذاكرة وقد يفعل أي شيء.
وسبق أن كشفت دوائر حكومية عن مخططات لبيع مستشفى العباسية والأراضي الملحقة به؛ نظرا لقيمتها الاقتصادية، وهو ما عبر عن رأسمالية متوحشة لنظام السيسي، لا تقدر المرضى النفسيين أو المدمنين.
فيما تدفع السياسات الاقتصادية المتوحشة المصريين إلى الانتحار والتفكير جديا في الإدمان للهروب من الواقع المرير الذي بات قدرًا لغالبية المصريين.
