بعد أن أهدر حقوق مصر المائية.. «4» دلالات تقلل من جدوى لجوء السيسي لمجلس الأمن

- ‎فيتقارير

على مدار سبع سنوات، لم يفشل رئيس الانقلاب الدكتاتور عبد الفتاح السيسي في حماية حقوق مصر المائية فحسب؛ بل أدى غباؤه وانعدام خبرته إلى التوقيع على اتفاق المبادئ في العاصمة السودانية الخرطوم، في مارس 2015، إلى شرعنة بناء السد؛ وهو الأمر الذي أفضى إلى إهدار حقوق مصر المائية من جهة، وتمكين أديس أبابا من الحصول على تمويل دولي لبناء السد كانت غير قادرة عليه قبل التوقيع على الاتفاق.

وبعد عشرة أيام فقط، سوف تبدأ إثيوبيا في حجز مياه النيل الأزرق أمام بحيرة السد التي تصل إلى 75 مليار م مكعب؛ ولم يجد رئيس الانقلاب أمامه إلا اللجوء إلى مجلس الأمن لعله يستدرك به ما فشل فيه خلال السنوات السبع الماضية؛ فهل يمكن لهذه الخطوة أن تحقق المستحيل وتوقف مشروع بناء السد الذي أوشك على الاكتمال؟ وهل يمكن لهذه الشكوى أن توقف تصميم الحكومة الإثيوبية على البدء في حجز المياه دون اتفاق ودون اعتبار لكل من مصر والسودان؟ وما جدوى هذه الخطوة في هذا التوقيت؟ ألم يكن من الأولى أن يتم تدويل القضية قبل ذلك بعدة سنوات مع التأكد من فشل مسار التفاوض وعبثيته؟

اللجوء إلى مجلس الأمن

وأعلنت وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب، مساء الجمعة 19 يونيو، أنها تقدمت بطلب إلى مجلس الأمن تدعو فيه المجلس إلى التدخل من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، التفاوض بحسن نية تنفيذا لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي؛ من أجل التوصل إلى حل عادل ومتوازن لقضية السد.

وطلبت حكومة السيسي من المجلس إلزام إثيوبيا بعدم اتخاذ أية إجراءات أحادية قد يكون من شأنها التأثير على فرص التوصل إلى اتفاق. واستند خطاب خارجية السيسي لمجلس الأمن إلى المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين.

وكانت حكومة السيسي قد أرسلت، مطلع مايو الماضي، خطابا لمجلس الأمن بلهجة لا تخلو من الرجاء، لاتخاذ ما يلزم لاستئناف مفاوضات ملء وتشغيل السد، وتضمن وصف الخطر الاستراتيجي الذي قد تشهده المنطقة جراء الممارسات الإثيوبية بأنه “تطور محتمل”، وهو التحرك الذي يستحيل أن يصاحبه- بحسب مراقبين- تحضير لتحرك عسكري مصري سيكون بالتأكيد غير مرغوب من القوى العظمى ولا مرحبا به من المنظومة الأممية.

وقدمت إثيوبيا ردا على الخطاب المصري لمجلس الأمن، تضمن التشديد على أن الملء الأول لن يضر بدولتي المصب نظرا لأنه يتزامن مع الفيضان، وأنه لا ينتهك اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس 2015، وأنه يمكن فصل قواعد الملء والتشغيل في السنوات التالية عن فترة الملء الأول.

ومطلع الشهر الجاري، أرسل السودان خطابا إلى مجلس الأمن أيد فيه المخاوف المصرية من الملء الأحادي للسد من جانب إثيوبيا، وشرح بالتفصيل المبادرة التي تبناها السودان أخيرا للتقريب بين البلدين، وطالبت الخطاب مجلس الأمن بـ”تشجيع كل الأطراف على الامتناع عن القيام بأي إجراءات أحادية قد تؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي”.

في المقابل، اتهم وزير الخارجية الإثيوبي في الرابع عشر من الشهر ذاته حكومة السيسي بعرقلة المفاوضات، قائلا إن “إثيوبيا ليست ملزمة قانونا بالسعي للحصول على موافقة مصر لملء السد”، مشيرا إلى أن “أديس أبابا بذلت جهودا استثنائية لاستيعاب مطالب مصر التي لا تنتهي، وسلوكها الذي لا يمكن التنبؤ به”.

دلالات القرار

أولا: يمثل قرار حكومة السيسي اللجوء إلى مجلس الأمن اعترافا صريحا بفشل مسار التفاوض الذي عول عليه السيسي خلال السنوات الماضية، رغم التحذيرات الكثيرة التي لم يكترث بها كعادته، لكنه إقرار متأخر بالفشل بعد أن أوشك السد على الاكتمال، وإثيوبيا على وشك حجز المياه خلال الأيام المقبلة.

ثانيا: بعد الإقرار بفشل مسار التفاوض الثلاثي؛ فإن اللجوء إلى مجلس الأمن يمثل خطوة دبلوماسية في محاولة لتحريك الأزمة بعد رفض إثيوبيا التوقيع على تفاهمات واشنطن، ثم توقفها، ثم دعوتها مجددا لاستئنافها، ثم تعثرها”، ما يؤكد أن جميع الاتفاقيات والوسائل التي راهن عليها نظام السيسي انتهت إلى صفر كبير.

واللجوء إلى مجلس الأمن وتدويل القضية يؤكد أن نظام السيسي لا يزال يعول على الخيار الدبلوماسي رغم اليقين بالتعنت الإثيوبي، ورغم اليقين بأن إثيوبيا استخدمت المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت وتكريس السد كأمر واقع لا يقبل التفاوض بشأن وجوده من عدمه. 

وأقصى ما يحلم به نظام السيسي أن يستخدم مجلس الأمن سلطاته من أجل إلزام أديس أبابا بقرار يوقف الإضرار بحصة مصر المائية وتحقيق اتفاق متوازن يحقق المصالح المشتركة للجميع.

ثالثا: اللجوء إلى مجلس الأمن يعد تصعيدا سياسيا؛ ردا على مسار التفاوض في شقيها الفني والسياسي، وإقرارا من جميع الأطراف بأنها عاجزة عن إيجاد حل سياسي للأزمة، ما يرفع من احتمالات التصعيد في مسارات أخرى، ويمكن أن يفضي إلى نشوب حرب مياه إقليمية في ظل تهديد السد ليس للأمن القومي المصري فقط بل للوجود المصري من الأساس.

رابعا: أمام الشكوى المصرية والسودانية، واتهام إثيوبيا بتهديد السلم والأمن الدوليين سوف ترد إثيوبيا على هذه الاتهامات، وبعدها سيعقد المجلس جلسة لتحديد مسار الدعوى، ما يستلزم استدعاء جميع الأطراف واستكمال المفاوضات من حيث توقفت، فإما تستجيب أديس أبابا وهو ما يستغرق وقتا ليس قصيرا، وعلى الأرجح فإن أديس أبابا سوف تماطل من جديد، خصوصا وأن قرارات مجلس الأمن تقوم في أغلبها على أساس التوازنات السياسية والمصالح الاقتصادية وليس على أساس القانون الدولي الذي يتوارى خلف البيزنس والصفقات والمصالح.

فماذا إذا ماطلت إثيوبيا وهو المتوقع؟ ألا يعد ذلك كافيا ومبررا للقاهرة لاتخاذ كافة التدابير لحماية أمنها القومي باعتبارها الدولة الأكثر تضررا؟ فهل يمكن أن يشن السيسي حربا على إثيوبيا؟ وما احتمالات هذا السيناريو. وما النتائج المترتبة عليه والعقبات التي تحول دون تنفيذه؟ وهل أعد السيسي سيناريوهات لمثل هذا الموقف؟ أم أن صفقات السلاح التي أبرمها بالمليارات لم تضع في الحسبان احتمال نشوب حرب مع إثيوبيا وما حصل عليه من سلاح ــ عبر صفقات مليارية ــ  قاصر عن حماية الأمن القومي وتحقيق الأهداف من اقتنائه، وطائرات الرافال ليس لها سوى رسم القلوب في سماء الاحتفالات الضخمة من أجل التغطية على الفشل المتواصل على كافة الأصعدة والمسارات؟.