بعد “الصوب الزراعية”.. بيزنس العسكر يدمر القطاع الخاص ويدفع المستثمرين للهروب

- ‎فيتقارير

يبدو أن مخطط دولة العسكر وقائد عصابتها عبد الفتاح السيسى لن يفوت الفرصة على أي رجل أعمال لتنفيذ مشروع واحد له، بعدما باتت مصر مرتعا لاقتصاد العسكر المترامي في شتى مناحي الحياة المختلفة.

وأمس، افتتح السيسي عددًا من المشروعات تشمل 1300 صوبة زراعية على مساحة 10 آلاف فدان ضمن المرحلة الثانية من قطاع محمد نجيب للزراعات المحمية، بالإضافة إلى مصنع للتعبئة والتغليف للمنتجات التي يجرى إنتاجها من المشروع ومجمع لإنتاج البذور.

ويأتي المشروع الجديد ضمن المشروع القومي للصوب الزراعية، الذي تنفذه الشركة الوطنية للزراعات المحمية التابعة لـ”جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة” أحد أذرع قلاع الاقتصاد العسكري للجيش المصري.

يأتي ذلك ويستمر هروب الاستثمارات والأوضاع السيئة التي تواجه القطاع الخاص، دفعته للخروج عن مشاعره ومطالبة حكومة الانقلاب بالتوقف عن منافسة القطاع الخاص في مشاريعها الاستثمارية؛ الأمر الذي ظهر واضحًا جليًّا عندما طالب رجل الأعمال المقرب من العسكر نجيب ساويرس حكومة الانقلاب بعدم منافسة القطاع الخاص في المجالات الاستثمارية المطروحة في السوق المحلية، في وقت تسعى فيه الحكومة لزيادة رءوس الأموال الأجنبية.

صوب عسكرية

وبحسب مزاعم الانقلاب، يهدف المشروع إلى إنشاء مجتمعات زراعية تنموية متكاملة، وإنتاج منتجات زراعية ذات جودة فائقة، وتعظيم الاستفادة من وحدتي الأرض والمياه، وإتاحة فرص عمل جديدة بمناطق الاستصلاح المستهدفة، كما يعادل إنتاج المشروع نحو مليون فدان من الزراعات التقليدية، ويعتمد على ترشيد استخدام المياه تتراوح من 15 إلى 20%، كما يسهم بشكل كبير في زيادة الصادرات الزراعية المصرية، وتدريب عدد كبير من الشباب والعاملين بالمشروع على أساليب التكنولوجيا الحديثة.

ساويرس أبدى غضبه قبل نحو عدة أشهر في مؤتمر “حابي” خلال دورته الثانية – تحت عنوان “النمو المؤثر” – من أهمية تمويل المشروعات الصغيرة، وقال إنه تحدث مع محافظ البنك المركزي عن ضرورة إنشاء بنوك لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

ورأى ساويرس أن الإجراءات الحكومية لجذب الاستثمارات الأجنبية لا تتناسب مع زيادة التدفقات من الخارج، وكشف عن المنافسة الحكومية للقطاع الخاص قائلاً: “إما أن نكون سوقًا مفتوحة ونشّجع القطاع الخاص ولا ندخل لمزاحمته، وإما أن يكون رأسمال جبان ويخاف”.

وأشار إلى أنه التفت إلى الاستثمار في العقارات، وأوضح أن الطلب عليه ١٠ أضعاف العرض، وقال: “نسعى لكي يكون للتطوير العقاري والرهن العقاري دور في دعم هذه المشروعات لصالح الشباب”.

وتابع: “في مجال السياحة والاستثمار كان هناك دافع وطني أولاً قبل الأرباح، أما عن قطاع الاتصالات، فالمجال أصبح ضيقًا للغاية ولم يعد مربحا كما كان في السابق، ولذلك لا أفكر في العودة للاستثمار في الاتصالات”.

غضب رجال الأعمال

ومنذ الانقلاب العسكري في 2013، ينتاب عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين وشركات القطاع الخاص، خاصة العاملة في مجال الإنشاءات والإسكان، حالة من الضيق الشديد؛ بسبب توسع الجيش في تنفيذ المشروعات، بل وتفضيلها على نظيرتها بالقطاع الخاص.

وفي أكتوبر 2018 استنكر رجل الأعمال المقرب من العسكر نجيب ساويرس، مزاحمة الشركات التابعة للجيش، للقطاع الخاص في عدد من المشروعات الاقتصادية الرئيسية، مضيفًا أننا بحاجة إلى تقليص تدخل الحكومة في قطاع الأعمال، ولا بد كذلك من تشجيع القطاع الخاص ، قائلاً: هناك شركات قطاع خاص مخصصة لمثل هذه المشاريع، وفقًا لصحيفة جلف تايمز الألمانية.

التضييق على الشركات

وتعزز بعض التشريعات قدرة الجيش على خنق الشركات الاقتصادية المدنية، ومن أمثلة ذلك قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بخفض دعم الوقود لأصحاب المصانع، ومع بقاء ميزانية الجيش، ومن ثم تكاليف الطاقة، خارج السجلات.

وفي ظل السرية التامة حول ميزانية الجيش، وبالتبعية إقطاعياته الاقتصادية، يمكن للشركات التي تسيطر عليها القوات المسلحة أن تستفيد من الإعانات التي تبقى خارج السجلات، والتمتع بمزيد من حرية المناورة في ظل انعدام الرقابة عليها.

وتقلص الهيمنة الاقتصادية للجيش من فرص نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل أن المقربين فقط هم مَن يمكنهم الفوز بعقود مربحة والتعامل مع نظام التصاريح. وهذا بدوره يؤدي إلى اقتصاد غير رسمي كبير قائم على المقربين، ويترك العديد من المصريين يعيشون في فقر مدقع.

ومنذ وصول السيسي إلى السلطة على ظهر الدبابة، زاد الجيش من نطاق انتشاره بسرعة، كما أنه بات يقاتل بكل قوته للدفاع عن هذه الإمبراطورية، في حين أن الشائع في مصر، هو أن الجيش يقوم بهذه المشاريع.

كما تحصل كل مصانع الجيش وشركاته على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما يتضمن إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت؛ الأمر الذي يسمح لها بتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أقل من نظيرتها.

هيمنة عسكرية

لم يعد سعي الجيش لبسط مزيد من السيطرة على اقتصاد البلاد خافيًا على أحد؛ بعدما امتدت يده لقطاعات الإنشاءات والمواد الغذائية والطرق والجسور وتصنيع مكيفات الهواء وتوريد الأدوية للجامعات؛ ما يعني أنه بات متوغلاً في كل القطاعات.

كانت مصادر بشركة حديد المصريين التي يمتلكها رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، قد قالت إن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة استولى بالشراء خلال الأيام الماضية على 95% من أسهم الشركة التي تسيطر على 22% من إنتاج الحديد بمصر، وأضافت المصادر أنه تم الاتفاق على استمرار أبو هشيمة في إدارة الشركة حتى تنتهي كل عمليات البيع والنقل خلال الفترة المقبلة.

يأتي هذا بعد استحواذ القوات المسلحة على مصنعي “صلب مصر” للجارحي عام 2016 و”بشاي للصلب” مايو 2018، نتيجة تعرض مالكي الشركتين لضغوط كبيرة من قبل البنوك لتسديد المديونات المستحقة عليهم.

وأكدت المصادر أن مصنع بشاي للصلب الذي افتتحه عبد الفتاح السيسي كان إعلانا بانتهاء عمليات البيع لصالح القوات المسلحة، خاصة وأن المصنع ليس منشأً حديثًا.

يشار إلى أن مصنع صلب مصر بالعين السخنة والذي كان ملكًا لشركة الجارحي بالشراكة مع المستثمر اللبناني رفيق الضو، تبلغ طاقته الإنتاجية 2 مليون طن سنويا.

السيطرة على الإسمنت

ويسيطر العسكر بموجب القانون على أكثر من 80% من أراضي الدولة، كما أن القوات المسلحة تملك حق الانتفاع المتعدد بالمجندين إجباريًا، عبر توزيعهم على مشاريع الجيش الاقتصادية، لا العسكرية فقط.

وقبل ذلك هيمن العسكر على صناعة الإسمنت تحت وطأة تغول الجيش في الحياة الاقتصادية المصرية.

وافتتح المنقلب عبد الفتاح السيسي قبل عدة أشهر كذلك، في مدينة بني سويف، أكبر مصانع الإسمنت في العالم تملكه شركة العريش للإسمنت المملوكة للجيش.

وتشعر صناعة الإسمنت بوطأة توسع أنشطة القوات المسلحة؛ إذ نفذ ثمانية آلاف عامل خلال 18 شهرا بناء المصنع الذي تبلغ استثماراته مليار دولار، وسيصل إنتاجه عند بلوغ الطاقة القصوى 12.6 مليون طن من الإسمنت سنويا.

تغول مرفوض

يؤكد هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، أنه ضد التوسع العمراني الجاري في الوقت الحالي، بصفة عامة، كما أنه ضد تغول شركات الجيش في تنفيذ المشروعات، خاصة في مجال الإسكان والإنشاءات، وأنه على الحكومة توجيه موازنتها المحدودة للقطاعات ذات الديمومة والاستمرارية والاستدامة.

وأوضح توفيق – في تصريحات صحفية – أنه من المفترض أن يكون دور الحكومة هو وضع أسس وآليات التنمية، إضافة إلى الرقابة على القطاع الخاص، الذي يقوم هو بالتنفيذ وليست هي، فالحكومة مستثمر رديء.

في حين يقول الخبير الاقتصادي فكري عبد العزيز: إن سيطرة القوات المسلحة على المشروعات القومية سواء بالإنشاء أو الإدارة يهدف في الأساس للسيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري، وهو ما يمثل خسارة للقطاع الخاص، كما أنه يمثل خسارة أكبر لموازنة الدولة، في ظل الإعفاءات التي يحصل عليها الجيش من الضرائب والجمارك، وحصوله على أراضي الدولة بالمجان، ولديه عمالة بدون مقابل ممثلة في المجندين الذين يؤدون الخدمة العسكرية وهم متخصصون في مختلف المجالات، الهندسية والتجارية والإنشائية، كما أن أعمال الجيش، سواء المدنية أو العسكرية لا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات أو وزارة المالية.

بلا منازع

وأوضح عبد العزيز أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية المعني بإدارة المشروعات المدنية التي يشارك فيها الجيش أنشأ 21 شركة خلال الأعوام الثلاثة الماضية في مجالات البناء والنظافة والزراعة والأمن والطرق والأنفاق والكباري، ويمتلك هذا الجهاز وحده 97% من الإنتاج الزراعي والحيواني بمشروع شرق العوينات، كما أن الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات والشركة الوطنية للطرق والكباري، تحتكران سوق الإنشاءات بمصر الآن.

وأضاف: “مشروعات الجيش تتمتع بأكثر من 20 امتيازًا تجعلها خارج نطاق المنافسة وتمنحها فرص كثيرة للاحتكار وخاصة في مجال العقارات، أبرزها الإعفاء الكامل من الضرائب والجمارك، بما فيه إعفاء المنشآت المدنية التي ينشئها الجيش من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت، كما يتمتع الجيش بأحقية الحصول علي مناقصات الدولة بالأمر المباشر دون الدخول في مزايدات أو عطاءات، مع حظر الطعن على العقود التي يكون الجيش طرفا فيها، وهو ما يمنح الشرعية لعقود الإسناد المباشر التي تمنحها الحكومة لشركات جهاز الخدمة الوطنية”.

إحكام القبضة

في أواخر مارس الماضي، حذر تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني من “مخاطر توسع الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية ر”. وقال التقرير: إن “الاقتصاد العسكري المصري تطور إلى ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات”.

وأكد أن العسكر “يهيمنون على نسبة تتراوح بين الـ50-60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر، ويسخرون الجنود للعمل مجانًا في مشاريعهم فينافسون بذلك أصحاب المشاريع الأخرى الخاصة المدنية”.

وتسيطر الشركات التابعة للجيش على العديد من المشروعات من بينها ،جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والذي يتبعه عدد كبير من الشركات “21 شركة” تغطي مجموعة واسعة من القطاعات من البناء والنظافة إلى الزراعة والمنتجات الغذائية؛ ومنها:

*الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي، وهي تعمل في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني في شرق العوينات، بالإضافة إلى “جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة”.

*شركة مصر للتصنيع الزراعي التي تمتلك 7 مصانع لإنتاج “صلصة طماطم، منتجات ألبان، أعلاف الماشية والأسماك، البصل المجفف”، وشركة “الملكة” لإنتاج المعكرونة، و”سينا كولا” للمياه الغازية، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائي الذي يمتلك عدداً كبيراً من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن، إضافة إلى وحدات إنتاج الألبان ومجمعات إنتاج البيض وغيرها.

*في مجالات الصناعة الكيماوية والتعدين، يمتلك الجيش معظم المناجم التعدينية في البلاد مثل مناجم الجبس والمنغنيز والرمل الزجاجي والطَفل والزلط، إضافة إلى الشركة الوطنية للمياه “صافي” التي تعد إحدى كبريات شركات إنتاج المياه في مصر.

كماشة العسكر

* في مجال البتروكيماويات والكيماويات الوسيطة هناك شركة النصر للكيماويات الوسيطة “المنظفات الأسمدة – مكافحات الحشرات”، وشركة العريش للأسمنت وشركة إنتاج المشمعات البلاستيك.

كما يمتلك الجيش شركة النصر للخدمات والصيانة “كوين سيرفيس”، التي تقدم خدمات الأمن والحراسة وإدارة الفنادق، إضافة إلى خدمات أخرى، إضافة إلى الشركة الوطنية للبترول التى تدير محطات بنزين “وطنية”، وتنتج العديد من المنتجات النفطية.

وفي قطاع المقاولات تتنافس شركتان كبريان تابعتان للجيش؛ هما الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات، والشركة الوطنية للطرق والكباري، حيث تحتكر الشركتان حصة الأسد من سوق الإنشاءات في مصر.

أما الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، فهي متخصصة في مجالات البنية التحتية والإنشاءات العسكرية والمدنية، وتحتوي الهيئة على عدة إدارات تابعة لها هي إدارة الأشغال العسكرية وإدارة المهندسين العسكريين وإدارة المساحة العسكرية وإدارة المياه وإدارة المشروعات الكبرى.