تحولات المشهد الدولي والإقليمي.. 3 هزائم مدوية لتحالف الثورات المضادة

- ‎فيتقارير

يشهد العالم حاليا تطورات كبيرة وواسعة وممتدة كنتيجة طبيعة لتفشي جائحة كورونا عالميا، والتي ضربت الاقتصاد العالمي في مقتل وأدخلت كثيرا من اقتصادات العالم إلى غرف الإنعاش والرعاية المركزة؛ وهو ما ينعكس تلقائيا على المشهد السياسي الإقليمي والدولي.

حيث تلقى تحالف الثورات المضادة (أمريكا ــ  إسرائيل ـ السعودية ــ الإمارات ــ مصر) 3 هزائم مدوية، سوف تلقي بظلالها على الوضع الإقليمي في إطارات التحولات الجارية.

الهزيمة الأولى كانت في تونس وفشل الحملة على رئيس البرلمان الشيخ راشد الغنوشي. والثانية الهزائم المدوية التي تلقاها صبيهم خليفة حفتر في ليبيا على يد الجيش الوطني الليبي. والثالثة هي الأزمة التي تواجه الراعي الرسمي لتحالف الثورات المضادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من زاوتين: الأولى تداعيات تفشي كورونا الصحية والاقتصادية والسياسية وفقدان نحو 40 مليون أمريكي وظائفهم. والثانية موجات التظاهر العاتية ضد عنصرية الشرطة الأمريكية في أعقاب مقتل الأمريكي من أصل إفريقي جورج فلويد على يد عناصر الشرطة الأمريكية في 25 مايو الماضي.

حقيقة الصراع الإقليمي

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي فراس أبو هلال، فإنه حتى ندرك أهمية هذه التطورات في ليبيا بعد تونس، لا بد أن نثبت أولا حقيقة الصراع في المنطقة من زاويتين: الأولى أنه صراع شامل لا يقتصر على بلد عربي دون آخر، فجوهر الثورات الشعبية ينطلق من وحدة آلام وآمال الشعوب العربية التي تتشابه تماما، ولهذا فقد كان انطلاق الثورة في تونس مقدمة لثورات عمت العالم العربي ككل.

والثانية: أن هذا الصراع هو ليس بين تيارات سياسية معينة كما يحاول البعض تسطيح المسألة، بل هو بين الشعوب العربية وتطلعاتها للحرية والكرامة وبين أنظمة وقوى تريد الإبقاء على الأمر الواقع منذ تأسيس دولة ما بعد الاستعمار، وتشعر أن نجاح الشعب في تحقيق أهدافه في أي دولة عربية قد يشكل إلهاما لشعوبها، ولذلك تسعى لمنع حدوث مثل هذا النجاح بأي ثمن!.

وفي مقاله “من أمريكا إلى ليبيا.. “الثورة المضادة” تنزف!”، يقول أبو هلال: بالنظر لهاتين الزاويتين في فهم الصراع، نستطيع أن ندرك حجم الخسارة التي تلقتها دول “الثورة المضادة” والقوى التابعة لها، لأن ما يبشر به حفتر وداعموه هو حكم عسكري انقلابي جربه العرب طويلا وذاقوا مرارته وأدركوا فشله، وهو يتناقض تماما مع تطلعات الشعوب ومع فكرة الثورات الشعبية التي بدأت في تونس، ولم تنته بعد.

تداعيات هزائم حفتر

خسارة هذا المحور في ليبيا لا تقتصر فقط على الجانب المعنوي، بل إنها أيضا تمثل خسارة مادية واستراتيجية كبيرة في عدة اتجاهات:

فمن جهة، تمثل خسارة حفتر نهاية لآمال هذا المحور بالسيطرة على مصادر الطاقة الليبية، حيث إن حكم ليبيا من قبل حكومة منتخبة سيجعلها تنفذ سياسات وطنية في إدارة موارد البترول، كما أنها ستكون خاضعة لرقابة البرلمان، بينما سيكون أي حاكم عسكري سواء حفتر أو غيره مستعدا لتوقيع اتفاقات مجحفة بحق الشعب الليبي، كرد لجميل الدول الداعمة له، ولضمان استمرار دعمها، ولأنه لا يخضع لرقابة من قبل البرلمان أو الصحافة أو القضاء.

ومن جهة أخرى، فإن وجود دول “الثورة المضادة” في الصف الداعم للانقلاب والمناهض للحكومة الشرعية سيفقدها أي نفوذ في ليبيا المستقبل، لأن الشعب الليبي سيذكر القوى والدول التي وقفت ضد استقراره، وتلك التي دعمت حكومته المعترف بها دوليا.

ومن جهة ثالثة، فإن خسارة هذا المحور كبيرة بتصاعد الدور التركي في ليبيا، التي أصبحت الآن لاعبا رئيسا ليس فقط في الصراع المسلح، بل في البحر المتوسط ومعادلة الطاقة بالغة الأهمية في مياهه. كان يمكن لهذه الدول أن تفتح الطريق لدور عربي مطلوب في ليبيا الجديدة، ولكنها تركت هذا الطريق لتركيا، لأن هذه الدول آثرت أن تنحاز لطرف الانقلابات العسكرية، وأن تقف إلى جانب الماضي، فيما يريد الليبيون أن يتجهوا للمستقبل بعيدا عن ماضي دولة القذافي الذي ذاقوا منه الويلات.

إذا عطس ترامب.. أصيبوا بالزكام!

وبحسب الكاتب، فإن نزيف “الثورة المضادة” لم يقتصر على تونس وليبيا، ولكنه ازداد عمقا مع دخول أزمة راعي هذا المحور ترامب على الخط. وفي الوقت الذي يعاني فيه ترامب من أزمة غير مسبوقة لا في عهده ولا في عهد غيره من رؤساء أمريكا خلال خمسة عقود بسبب الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت البلاد بعد مقتل الشاب الأسود جورج فلويد، فإن هذه الأزمة تمثل خبرا سيئا للدول التي حاولت مقاومة التغيير والانتقال الديمقراطي في المنطقة، لأن هذه الدول ازدادت “توحشا” في عهد ترامب، وازدادت سياساتها “التدخلية” أيضا بعد إقناعها لترامب أنها يمكن أن تمثل وكيلا إقليميا لواشنطن، ولذلك فإن أزمة ترامب وارتفاع حظوظ منافسه بايدن في الانتخابات الرئاسية نهاية العام الجاري، تمثل ضربة كبيرة لهذا المحور.

ولكن يجب التنويه إلى أن هزيمة ترامب لا تعني أن بايدن سيكون خيارا جيدا للعرب، فسياسة الولايات المتحدة في المنطقة تقوم على مصالحها، وعلى دعم الاحتلال بدون شروط، وعلى تأمين سيطرتها على سياسات النفط، وهذا سيستمر سواء مع ترامب أو غيره، ولكن السنوات الأربع الماضية شهدت “بلطجة” أمريكية غير مسبوقة، ودعما لانهائيا لحكومات قمعية، ما جعلها تبالغ في القمع كما لم يحدث من قبل. والأهم من ذلك، أن ترامب كان ولا يزال حليفا للثورة المضادة، لأنه يدرك أن مصالح بلاده هي مع حكومات عسكرية أمنية غير منتخبة.