ترسيم الحدود البحرية.. أنقرة تستعد لمعركة تكسير عظام بعد اتفاق اليونان مع الانقلاب بتقسيم لصالح الصهاينة

- ‎فيتقارير

لم يتأخر الرد التركي على الاتفاق بين خارجية اليونان ووزير خارجية الانقلاب سامح شكري بشأن ترسيم الحدود البحرية مع اليونان الذي أعلناه الخميس، في القاهرة، فوزارة الخارجية التركية وخلال ساعة من بيان شكري والخارجية اليونانية قالت إن المنطقة المحددة ضمن الاتفاق المصري اليوناني تقع في الجرف القاري التركي.

وأضافت أن “الاتفاقية التي وقعتها مصر واليونان حول ترسيم المساحات البحرية في المتوسط في حكم العدم بالنسبة لتركيا”. وشددت الخارجية التركية على أن اتفاقية ما يسمى “ترسيم الحدود البحرية” الموقعة بين مصر واليونان باطلة بالنسبة وأنها لن تسمح بأنشطة في منطقة الصلاحيات البحرية، و”سندافع بحزم عن حدودنا”.

ورأى مراقبون أن إعلان توقيع اتفاق بين الانقلاب في مصر واليونان بشأن ترسيم الحدود البحرية يقلص الفرص لأي تفاهم أو مصالحة بين تركيا ومصر في المدى القريب أو المتوسط، ويجعل المنافسة الإقليمية أشد ضراوة، وتزيد من معركة كسر العظم في ليبيا. واستغل نيكوس دندياس، وزير الخارجية اليوناني، الفرصة بالمؤتمر الصحفي ليكايد تركي، وأعتبر أن توقيع الاتفاقية اليوم حدث تاريخي.

المثير للدهشة هو توقيع الانقلاب رغم أن اليونان وقعت مع الصهاينة اتفاقا في يناير الماضي، ولم تضع أثينا مصالح القاهرة في الاعتبار، رغم تحليلات خبراء أن خط “إيست ميد” المتعلق باتفاقها مع الصهاينة ملف سياسي أقرب منه اقتصادي، ولن تكون اليونان رابحة فيه بشكل مجدٍ، في ظل تعقيدات شرق المتوسط.

تنازل جديد
واعتبر الحقوقي أسامة رشدي عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقا أنها واحدة من كوارث السيسي الجديدة وتنازلاته عن حقوق مصر وأمنها القومي.
وأضاف أن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع اليونان اعترض عليها خبراء الخارجية المصرية وتصر بحقوق مصر خضوعا لليونان لمكايدة تركيا.

وربط “رشدي” بين ما يسمى بـ”انتخابات الشورى” أو الشيوخ في مصر والاتفاقية، وقال “التعجيل بانتخابات مجلس الشيوخ كانت للتصديق على الاتفاقية.. مصر التي باتت بلدا مريضا يملى عليه التنازل عن جزره الاستراتيجية وحقوقه في حقول غاز شرق المتوسط وحقوقه التاريخية في مياه النيل”.

وأوضح أن ذلك لأننا قبلنا أن نكون في محور يوناني قبرصي صهيوني يوظف نظام السيسي لخدمة مصالحها، مشيرا إلى أن هذه الوثائق تؤكد رفض خبراء الخارجية المصرية لهذه الاتفاقية التي كتبتها اليونان ويهلل إعلام النظام أنها ضربة لتركيا رغم أنه لا تنازع بين مصر وتركيا في حدود أو ثروات، بل إن مصالح تركيا تضيف لمصالح مصر كما حدث في اتفاقية ترسيم الحدود الليبية التركية.
وختم قائلا إنها “سياسة كيد النسا وانتحار سياسي من نظام محكوم بعقدة الانقلاب ومستعد للتنازل عن المزيد من أجل شرعيته”.

بؤرة للصراع
وفي يونيو الماضي، وصف وزير الخارجية اليوناني الاتفاق البحري مع إيطاليا بالتاريخي، وقال إن بلاده ستوقع اتفاقية مماثلة مع مصر، وجاء إلى القاهرة بالفعل، لكن الاتفاقية لم تتم، وحتى ذلك الوقت خاض وزير الخارجية اليوناني مفاوضات وصلت إلى نحو 13 جولة ماراثونية للتوصل لاتفاق حول شرق المتوسط.

وفي 18 يونيو الماضي، قال بيان لخارجية الانقلاب عقب ساعات من توقعات إعلامية بإمكانية توقيع اتفاق بين القاهرة وأثينا؛ لتقليل فرص تركيا في الحصول على حقوقها بمنطقة شرق البحر المتوسط. وعلى هذا النحو سار بيان يوناني تحدث أيضًا عن استئناف المفاوضات فقط، وبعد أن عاد من القاهرة بخفي حنين، زاد دندياس بقوله عبر تويتر: “المحادثات لم تنتهِ بعد”. ولكن المفاوضات انتهت وقتئذ دون اتفاق، حيث فشلت المفاوضات الفنية.

وأشعل الاتفاق التركي – الليبي بشأن مناطق النفوذ البحرية، الموقع في نوفمبر 2019، حقد اليونان التي نكست أعلامها باحتفال الأتراك المسلمين بتحول آيا صوفيا لمسجد. ولكن خارجية الانقلاب قالت عقب وقت قصير من توقيع الاتفاق، إنه “لا يمسّ مصالحها”، بحسب تقرير للأناضول.

مخطط قديم
وتسعى اليونان منذ عهد مبارك لترسيم حدودها البحرية مع مصر وفقًا للرؤية اليونانية، ولكن مصر لم ترسم حدودها البحرية مع اليونان مطلقًا، وظل الأمر معلقًا بسبب إدراك مصر أن طريقة ترسيم الحدود اليونانية سيكون نتيجتها خسارة مصر مساحة كبيرة من المناطق الخالصة، ورغم أن أثينا تحاول استغلال توتر العلاقات بين القاهرة وأنقرة لتوقيع الاتفاقية، يبدو حتى الآن أن مصر تضع مصلحتها أولًا وهو ما أخّر توقيع الاتفاقية حتى الآن. وتحاول اليونان فرض جدول لها في منطقة تتزايد فيها اكتشافات الغاز الطبيعي.

ووقعت اليونان في 2 يناير 2020 مع قبرص الرومية والكيان الصهيوني اتفاقًا لمد خط أنابيب “شرق المتوسط” (إيست ميد) تحت البحر بطول 1900 كلم، لنقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوروبا، مع غياب مصر ذات العلاقات المتميزة مع تلك البلدان.

وتدرك اليونان أن “إيست ميد”، وفق تقارير، يمسّ مساعي وخطط ومشاريع القاهرة لتحويل مصر إلى منصة إقليمية لتصدير الغاز في شرق المتوسط في المدى البعيد، بجانب حديث مراقبين عن أنه سيواجه عوائق وتحفظات من تركيا وروسيا وإيطاليا، فضلًا عن جدواه الاقتصادية الضعيفة ومخاطره الكبيرة.

وثيقة الجزيرة
وفي ديسمبر الماضي، كشفت قناة “الجزيرة مباشر” بشكل حصري عن وثيقتين، تتحدثان عن توصية مصرية برفض الطرح اليوناني لترسيم الحدود، لتمسّكه بمواقف قد تؤدي لخسارة مصر مساحات من مياهها الاقتصادية، مع استمرار المفاوضات للتوافق والاستفادة من الموارد.
وتشير وثيقة إلى تقرير للخارجية المصرية، في 2017، يتحدث عن عن لجوء أثينا إلى “مغالطات وادعاءات وأساليب ملتوية” في المفاوضات عن تعمد “استغلال التوافق السياسي بين البلدين لإحراج فريق التفاوض المصري”.

ووقّعت مصر رغم أن موقع مصر الجيو-استراتيجي يجعلها، مع اعتبار أن الوقت في صالحها، من أبرز المستفيدين من حقوقها بشرق المتوسط، ولن تقدم على اتفاق ترسيم حدود بحرية أو مناطق بحرية على نحو ما حدث مع قبرص الرومية، في 2014، وذلك لاعتبار أهم.
وتعتبر تركيا هي المركز الإقليمي للطاقة في أوروبا، بفضل موقعها الجغرافي بين الدول المصدرة للغاز في آسيا والسوق الأوروبي، وامتلاكها شبكة واسعة من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، وفي مطلع ديسمبر 2019، بعد 4 أيام من توقيع الاتفاق بين أنقرة وطرابلس، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأكيده على أن الاتفاق حول تحديد النفوذ البحري في البحر المتوسط مع ليبيا هو “حق سيادي” للبلدين.