تصعيد تركي ضد روسيا وبشار وإيران لحماية اتفاق سوتشي بإدلب

- ‎فيعربي ودولي

دخل التصعيد التركي داخل سوريا منعطفًا استراتيجيًّا جديدًا، بعد الإعلان عن مقتل 33 عسكريًّا تركيًّا بإدلب السورية، وسط أنباء متضاربة عن ارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من 33 أو 56، وهو ما ردت عليه أنقرة بقصف موسع لمواقع النظام السوري في إدلب، مهددة الجانب الروسي بتغيير في قواعد اللعبة العسكرية.

وعقب الإعلان الرسمي عن سقوط قتلى أتراك، أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، اتصالًا هاتفيًّا مع أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أكد، أمس، مقتل ثلاثة جنود أتراك بقصف للنظام السوري في ريف إدلب.

بدورها، ذكرت وكالة "الأناضول" أن عمليات القوات المسلحة التركية أسفرت في منطقة "خفض التصعيد" بمحافظة إدلب، عن تحييد 1709 عناصر من قوات النظام، خلال الأيام الـ17 الأخيرة.

وبحسب مصادر للوكالة التركية، فإن العمليات أدت إلى تدمير 55 دبابة وثلاث مروحيات و18 عربة مدرعة و29 مدفعا.

كما أسفرت العمليات، بحسب المصدر، عن تدمير 21 عربة عسكرية، وأربعة رشاشات "دوشكا"، وستة مستودعات ذخيرة، وسبع قاذفات "هاون".

وأدى القصف الروسي والآخر الذي نفّذته قوات النظام، الخميس، أيضًا إلى مقتل 12 مدنيًا، بينهم خمسة في قرية شلخ، شمالي محافظة إدلب.

وكانت المواجهات في إدلب قد تفجرت بعد تعمّق الخلافات الروسية- التركية وفشلهم في ردم الخلافات خلال الجولة الجديدة من المفاوضات التي بدأت منذ الأربعاء في أنقرة، وهو ما ترجم بمعارك عنيفة على الأرض، تخللها دعم أنقرة لفصائل المعارضة لاستعادة المبادرة ميدانيا، لتنجح بالسيطرة على مدينة سراقب الاستراتيجية وبلدات محيطة بها، وذلك في وقت كان فيه التلفزيون الروسي يتحدث عن أن خبراء عسكريين أتراكا ومقاتلين في المعارضة يطلقون صواريخ محمولة على الكتف على طائرات روسية في إدلب.

هذا التصعيد العسكري ترافق مع توتر سياسي، مع حديث الكرملين عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليست لديه خطط للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان في الخامس من مارس لبحث الوضع في إدلب، فيما كانت أنقرة تؤكد أن مسار الأحداث في المنطقة بدأ ينقلب لصالحها.

سبق ذلك، تمكّن فصائل المعارضة التي تدعمها أنقرة، من استعادة زمام المبادرة في المحور الشرقي، بينما تراجعت في المحور الجنوبي، حيث تقدّمت قوات النظام جنوب الطريق الدولي "إم 4" خلال الأيام الأخيرة.

في المقابل، كانت الفصائل المدعومة من أنقرة تستعيد مدينة سراقب الاستراتيجية في ريف إدلب الشرقي، وتواصل تقدّمها في هذا المحور، مسيطرة على قرية الترنبة جنوب غرب سراقب، بالتزامن مع استرجاع بلدة كنصفرة في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي. فيما حاولت قوات النظام عبر هجوم عكسي استعادة مدينة سراقب بدعم جوي روسي، ولكنها فشلت. وذكر المرصد السوري أن ما لا يقل عن 36 من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، قُتلوا في معارك سراقب، بينما قُتل 25 مقاتلاً من فصائل المعارضة.

وحتى عصر أمس، كانت المعارك لا تزال مستمرة في محيط سراقب بغية تأمينها والتقدّم نحو بلدة جوباس جنوب شرقي المدينة، ومن ثم الامتداد أكثر جنوبا على الطريق الدولي حلب-دمشق "إم 5" للوصول إلى مدينة معرة النعمان.

وأشارت المصادر إلى أن معارك تدور على محور بلدة داديخ جنوبي شرق سراقب، مع سعي الفصائل لاستعادتها، بينما تعرضت سراقب لقصف عنيف من الطيران الروسي ومدفعية النظام.

فيما قال مسئول تركي لوكالة "رويترز"، إن قوات النظام أطلقت عملية لاستعادة سراقب بدعم روسي، وذلك بعد ساعات من سيطرة فصائل المعارضة عليها.

من جهته، قال القيادي في فصائل المعارضة، العقيد الطيار مصطفى البكور، إن الخطوة المقبلة "هي المحافظة على سراقب وتوسيع نطاق السيطرة حولها لتأمينها"، موضحا أن "المؤازرات من حزب الله ومليشيات إيرانية بدأت بالوصول إلى محيط سراقب، وتحاول الدخول في المعركة لإعادة السيطرة على سراقب وحولها". وأشار إلى أن توجّه فصائل المعارضة إلى مدينة معرة النعمان "تحصيل حاصل بعد تثبيت خطوط الدفاع في سراقب وتوسيع نطاق الأمان حولها"، وفق قوله.

وكانت فصائل المعارضة قد وضعت ثقلها العسكري لاستعادة سراقب ذات الموقع الاستراتيجي كونها عقدة الطريقين الدوليين حلب-دمشق "إم 5"، وحلب-اللاذقية "إم 4". ومع سيطرة الفصائل على المدينة ومحيطها تكون قطعت الطريقين الدوليين، ولا سيما طريق "إم 5" بعد أيام قليلة من سيطرة قوات النظام عليه.

كما أن السيطرة على سراقب أفضت إلى فك الحصار عن ثلاث نقاط تركية محيطة بالمدينة من جهات الشمال، والشرق، والغرب، أقامها الجيش التركي قبل أسبوعين، فيما تبقى نقطة تركية محاصرة جنوب المدينة. وفي حال استطاعت فصائل المعارضة الصمود في مدينة سراقب، تكون بذلك أفشلت خطط النظام والروس بالسيطرة والتحكّم بالطريقين الدوليين "إم 4" و"إم 5"، ما يعني عودة المعارضة لتكون لاعبا رئيسيا في الصراع على الشمال الغربي من سوريا، بعد أن فقدت خلال الشهر الحالي الكثير من أوراقها في المنطقة.

وفي المحور الجنوبي للقتال، استكملت قوات النظام والمليشيات المساندة لها أمس السيطرة على منطقة جبل شحشبو وأجزاء واسعة من سهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. وذكر موقع "بلدي نيوز" أن مليشيا الفرقة 25 المدعومة من قاعدة حميميم الروسية برفقة "لواء القدس" الفلسطيني والحرس الجمهوري والقوات الخاصة التابعة لجيش النظام أحكمت السيطرة على كامل جبل شحشبو الواقع بين ريفي حماة الغربي وإدلب الجنوبي، بعد تمكنها من الوصول إلى قرى: شهرناز وحورتة وأم نير وقره جرن والشركة وشورلين وراشا والعريمة وميدان غزال والبويب والديرونة وكوكبة وسفوهن وفليفل وكفرموس، وتطويق نقطة المراقبة التركية في شير مغار بشكل كامل. وأوضح أنه مع سيطرة قوات النظام والمليشيات على جبل شحشبو وصولاً إلى قرية العنكاوي، تكون أسقطت نارياً قرى: الحويجة والبدرية والحواش وطنجرة والعمقية والفطاطرة وقليدين في سهل الغاب.

من جهتها، نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن مصدر في قوات الأخير قوله إن الخيارات والسبل باتت مفتوحة السيناريوهات أمام هذه القوات لمواصلة التقدّم إلى عمق بلدات جبل الزاوية، سواء إلى كنصفرة وأرنبة ومعراتة وجوزف، لمحاصرة أهم نقطة مراقبة تركية في قمة النبي أيوب، المشرفة على الطريق الدولي.

كما أشار إلى أن قوات النظام يمكن أن تواصل التقدم إلى بسامس وكفر شلايا ومحبل الاستراتيجية، على الطريق ذاته في منتصف المسافة بين مدينتي أريحا وجسر الشغور، أو إلى البارة فأحسم ومرعيان والرامي فأورم الجوز، للسيطرة على أهم مقاطع أوتوستراد "إم 4" عند مشارف جبل الأربعين وأريحا من الغرب.

ومن الواضح أن قوات النظام تسعى للتقدّم أكثر في ريفي إدلب الجنوبي ومن ثم الغربي للسيطرة على أهم مدينتين، وهما أريحا جنوبا وجسر الشغور غربا. ولكن هذه القوات ستجد أن ما حققته من مكاسب في ريف إدلب الجنوبي، سيفقد أهميته في حال استمرار فصائل المعارضة بتحقيق مكاسب على محور مدينة معرة النعمان التي تعد محطة مهمة على الطريق الدولي "إم 5."

هذه المعارك العنيفة على نطاق واسع في محافظة إدلب، أكدت فشل الطرفين الروسي والتركي في التوصل لاتفاقات حول هذا الملف، على الرغم من مفاوضات بينهما استمرت أمس في أنقرة. وقالت مصادر تركية مطلعة، مساء أمس، إن الوفد الروسي الذي أجرى مفاوضات على مدار يومين في أنقرة ضمن رابع جولات المفاوضات مع تركيا، غادر عائدا إلى موسكو بعدما فشلت اللقاءات عقب التطورات الميدانية في إدلب.

وكان مصدر عسكري من المعارضة، قد قال لوسائل إعلام، إن الجلسة الأولى من الجولة الثالثة من المفاوضات بين الروس والأتراك حول إدلب التي عُقدت الأربعاء، فشلت كسابقاتها بالتوصل إلى تفاهم جديد، بعد التصعيد الأخير بين تركيا والنظام السوري منذ مطلع الشهر الحالي.

وأشار المصدر إلى أن الروس طلبوا تثبيت الوضع الميداني الراهن، ليقف كل طرف عند الأراضي التي استحوذ عليها في المعارك الأخيرة. وتابع أن الأتراك رفضوا هذا الطرح بشكل كامل، مصرّين على مطلبهم الرئيسي منذ بدء الجولة الأخيرة من المفاوضات، بانسحاب قوات النظام والمليشيات المساندة لها، إلى ما وراء النقاط التركية في "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها) تطبيقاً لاتفاق سوتشي وحدوده الجغرافية، وهو ما عبّر عنه أردوغان في الخامس من الشهر الحالي، مهدداً النظام في حال عدم الانسحاب مع نهاية الشهر الحالي، بشن عملية عسكرية ضد قواته لإبعادها عن إدلب.

من جهته، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن محادثات بلاده مع الوفد الروسي حول إدلب وصلت إلى نقطة معينة، مبيناً أن أنقرة ستحدد موقفها على أساس نتائج المحادثات التي ستتضح في غضون يومين.

من جهته، قال المتحدث باسم "العدالة والتنمية" عمر جليك، إن الجيش التركي استكمل استعداداته ليقوم بمهامه عند انتهاء المهلة المحددة لقوات النظام السوري من أجل الانسحاب إلى خلف نقاط المراقبة التركية وفقاً لاتفاق سوتشي.

وأضاف جليك: "تركيا لن تقبل فرض النظام السوري أمرا واقعا في إدلب برفضه الانسحاب من المناطق التي سيطر عليها، ويجب ألا تقبله روسيا أيضا لأنه يتنافى مع اتفاق سوتشي".