دراسة حقوقية: العسكر سمحوا بحرية الصحافة “فقط ضد الإخوان” قبل وبعد الانقلاب

- ‎فيتقارير

 

نشر موقع "رواق عربي" التابع لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان دراسة حول كيفية سيطرة العسكر عقب انقلاب 2013 على الصحافة الخاصة التي يصدرها رجال الأعمال بعنوان: (الصحافة الخاصة في مصر والتحريض على العنف ضد الصحفيين خلال انقلاب 2013 العسكري) ركزت على أن الانقلاب استغل حرية التعبير خلال حكم الرئيس مرسي قبل الانقلاب عليه لتأليب هذه الصحف الخاصة ضد الإخوان، والآن عقب الانقلاب لا توجد حرية تعبير أيضا سوى للهجوم على الإخوان!

وجاء في الدراسة أنه في ظل استمرار فرض نخبة رجال الأعمال لهيمنتهم على الصحف الخاصة التي يمتلكونها، لصالح الانقلاب العسكري في عام 2013؛ فإن هذه الدراسة وجدت أن حرية التعبير كان مسموحًا بها فقط عندما يتعلق الأمر بجماعة الإخوان المسلمين. قبل الانقلاب، تم تشجيع حرية التعبير عن الرأي، في الغالب ضد جماعة الإخوان المسلمين.
أما أثناء وبعد الانقلاب، بات الشكل الوحيد المقبول لحرية التعبير عن الرأي فقط ضد الجماعة أو من أجل شيطنتها. أما الكيانات الأخرى مثل حركة تمرد والجيش، كانت في الغالب فوق النقد، على الأقل خلال الفترة التي خضعت للدراسة في هذا البحث.

الدراسة أكدت أن جهود الجيش والموالين له في إسكات المعارضة عامة والمنصات المعارضة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين خاصة؛ أدت إلى خلق بيئة إعلامية أصبحت فيها غالبية المنصات الإعلامية الخاصة والعامة داعمة بشكل صارم للانقلاب.

وتعرض العشرات من الصحفيين للاعتداء البدني خلال ذلك العام بواسطة كل من قوات الأمن والمدنيين، وفي عام 2013، بلغ عنف المدنيين ضد الصحفيين في المجال العام ذروته، وذلك كما تم توثيقه بواسطة الجهات التي ترصد حرية الإعلام وغيرها من المنصات الإعلامية.
وأوضحت الدراسة أن "شيطنة المنصات الإخبارية الناقدة، كانت ممارسة منظمة من قِبَل السلطات وصحافة نخبة رجال الأعمال، والتي كانت بدورها بمثابة الوقود لماكينة عنف المدنيين ضد الصحفيين العاملين لدى منتجي الأخبار الناقدة، سواء كانوا محليين أو إقليميين أو دوليين".

كما توصلت الدراسة إلى أن عنف المدنيين ضد الصحفيين، لا سيما أثناء وبعد الانقلاب، خرج عن نطاق السيطرة، نظرًا لعشوائية الاعتداءات وانتشار أجواء العنف، وهو ما أدى إلى وقوع صحفيين مؤيدين للجيش، دون قصد، ضحايا لذلك العنف، بالإضافة إلى الصحفيين الناقدين الذين قامت الصحافة الخاصة (والمملوكة للدولة) بالتحريض ضدهم.

الصحافة الخاصة خاضعة لهيمنة العسكر
تهدف الدراسة إلى تقديم تحليل نقدي لهيمنة نخبة رجال الأعمال المصريين، والصحف الخاصة التي يمتلكونها، إبان الانقلاب العسكري في عام 2013. هيمنة تتطلب ممارسة القوة من قبل السلطة لفرض القبول والحفاظ عليه في خضم ظروف متغيرة شهدت أحداث عنف بارزة ضد الأصوات الناقدة.

وتجيب الدراسة عن سؤالها الرئيسي حول كيف أن أسفر قيام وسائل الإعلام الخاضعة للهيمنة في مصر بشيطنة المحتوى الإخباري الناقد؛ عن عنف فوضوي في الشارع ضد الصحفيين.

وتظهر نتائج الدراسة أن الصحافة الخاصة في مصر باتت أكثر خضوعًا للهيمنة منذ فترة التحضير للانقلاب وما تبعها: في مستهل الأمر، قامت بالتحريض ضد الصحفيين الناقدين، قبل أن يتحول ذلك لاحقًا إلى عنف فوضوي خارج عن السيطرة في الشارع، وقع ضحيته العديد من الصحفيين، بمن فيهم أولئك المنتمون للمعسكر المؤيد للانقلاب.

وأكدت الدراسة أن إحكام السيطرة على الصحافة المصرية حقيقة واقعة منذ عهد جمال عبد الناصر (1952-1970)، وطوال عهدي السادات (1970-1981) ومبارك (1981-2011)، وحتى وقتنا الحاضر، ودومًا ما كانت تطرأ تغييرات، وفقًا للوضع السياسي الذي كانت تمر به البلاد، وكانت أحيانا تتم استعادة الحريات، ولكن دائما بشكل مؤقت.

لذلك دعت الدراسة إلى فهم دور الصحافة الخاصة المملوكة لنخبة رجال الأعمال، باعتبارها دعامة للنخبة السياسية خلال فترة الانقلاب العسكري؛ بإمكانه لعب دورًا جوهريًا في فهم ما كان يحدث في مصر في تلك اللحظة من التاريخ، ولفهم أسباب تفضيل الشعب دعم الانقلاب.
حيث ذكرت أنه في أعقاب الانقلاب، بدأت ملكية وسائل الإعلام في التحول نحو الشركات المؤسسة حديثًا والمملوكة بشكل غير مباشر للأجهزة الأمنية التالية: المخابرات العامة، المخابرات الحربية وجهاز الأمن الوطني، وهي عملية متواصلة ازدادت وتيرتها في 2017.

وكشفت الدراسة عن أن "الدور الراديكالي المعارض لحكومة الإخوان المسلمين أكثر ملاءمة للصحفيين المصريين، وذلك بعدما استأنف غالبيتهم أدوارهم المتعاونة التقليدية لخدمة النخبة (العسكرية) الحاكمة، وكان ذلك مرتبطًا أيضًا بالافتقار إلى تقاليد الصحافة الاستقصائية وإرث الصحافة الرصينة، وضعف المهارات المهنية، وقد تفاقم الأمر نتيجة العلاقات القوية بين مالكي وسائل الإعلام الخاص آنذاك من جهة والنخب السياسية والعسكرية من جهة أخرى".
وأكدت: "ذهبت غالبية وسائل الإعلام المصرية إلى أقصى الحدود في دعمها نظام الحكم العسكري في مرحلة ما بعد مرسي، مع وجود عدد قليل من الاستثناءات الفردية للبعض ممن حاولوا الحفاظ على قدر من التوازن، وحفلت موجات الراديو والتليفزيون بالأغاني الوطنية والبرامج الحوارية التي تُمجّد الجيش".

وبعد الانقلاب على الرئيس مرسي، قام التليفزيون المملوك للدولة، وكذلك غالبية المحطات الفضائية الخاصة، بعرض لافتة مكتوب عليها "مصر تحارب الإرهاب"، في إشارة للمواجهة بين الجيش وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، وقد استمر عرض اللافتة لعدة أسابيع، ولم يخجل معظم مضيفي البرامج الحوارية من التعليقات المتحيزة والأسئلة التوجيهية، ولا من كون ضيوفهم –المختارين بعناية– يقدمون إجابات مؤيدة للجيش بشكل حصري، وبشكل روتيني، تم خلط الحقائق مع الآراء في تلك البرامج الحوارية الجماهيرية، والتي باتت المصدر الرئيسي للأخبار بالنسبة للعديد من المصريين.

اقتلوا الإخوان في الشوارع!
وأشارت الدراسة لقول أحمد موسى، بكونه صوتًا مؤيدًا للجيش، أنه تلقى "معلومات" حصرية منهم، محذرًا جمهوره: "إن ضباط الجيش الأحرار قرروا أن أي مشتبه في قتله لأحد عناصر الأمن؛ سيتعرض للإعدام فورًا في الشارع. لم تعد هناك حاجة للمحاكم بعد الآن". إن تصريح مقدم البرامج هذا، والذي يدعو بوضوح للقتل غير القانوني في الشوارع، ليس سمة فريدة من نوعها في الإعلام المصري اليوم".
وتوضح: "أصبحت النداءات المفتوحة لممارسة العنف ضد المعارضين، المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أو غيرهم، أمرًا اعتياديًا بالنسبة لآذان وعيون متلقي وسائل الإعلام في كل أشكاله، ولم تستهدف تلك الشيطنة المعارضين السياسيين فحسب؛ بل إنها استهدفت ببساطة كل الأصوات الناقدة، بما في ذلك الصحفيون".

وقد أجرت الدراسة تحليلا نوعيا نقديا لقضايا حرية الصحافة بشكل عام، والعنف ضد الصحفيين بشكل خاص، وناقش التحليل الأدبيات المتاحة التي تغطي التحريض ضد جماعة الإخوان المسلمين، والعنف ضد الصحفيين من قِبَل قوات الدولة (الشرطة والجيش) والمدنيين، خصوصا من قبل أكبر صحيفتين مملوكتين للقطاع الخاص في البلاد، المصري اليوم والوطن، واللتان قامتا بإنتاج أطر إخبارية ممنهجة تنشر "الخوف" من الإخوان المسلمين بين المجتمع و"تروج" للجيش كقوة حامية له في نفس الوقت".

حرية التعبير: فقط ضد الإخوان
تقول الدراسة إن النخبة المصرية تبنّت النهج ذاته الذي حدث في أمريكا ضد المكارثية، إلى حد ما، وأعلنت حربًا إعلامية ضد جماعة الإخوان المسلمين، وضد أي شخص قد يتعاطف معها أو ينتقد الانقلاب العسكري ولو بشكل طفيف.
وقد ظهرت محاولات متعددة لأداء الوظيفة الإعلامية بشكل غير متحيّز، من خلال رواية القصص الخبرية من زوايا مختلفة، بالإضافة إلى تقديم معارضين سياسيين في البرامج الحوارية نفسها. ولكن لم تصمد تلك المحاولات لوقت طويل. فنتيجة لتزايد الاستقطاب في المشهد السياسي؛ تزايد تصوير المعارضين الأيديولوجيين لأجندة الجيش السياسية، المدعومة إعلاميًا، باعتبارهم العدو المطلق، و"إرهابيون" تعد إبادتهم أمرًا مشروعًا".

وأنه على نحو مباغت تحوّل بعض "الراديكاليين" السابقين، بشكل أساسي من جماعة الإخوان المسلمين، وتم تصنيفهم كـ "خبراء" وتحولوا إلى نجوم في كافة وسائل الإعلام مثل ثروت الخرباوي، الذي أصبح أيضًا أحد كُتاب الرأي الذين يكتبون بانتظام في صحيفة الوطن وله عمود ثابت لأن وظيفته كانت توفير الأساس الصُلب لتصوير جماعة الإخوان المسلمين كطائفة خطيرة، أكثر من كونها جماعة دينية سياسية محافظة.

غلق القنوات الاسلامية
توضح الدراسة أنه في الليلة التي شهدت الانقلاب العسكري، تم إغلاق قنوات التليفزيون الإسلامية مثل: مصر 25 والحافظ والناس والرحمة، كما أُغلقت قنوات أخرى أقل شهرة في وقت لاحق.
وقد تم ذلك حرفيًا خلال بث التليفزيون لبيان الانقلاب العسكري الذي قرأه السيسي من وثيقة مكتوبة، وكان ذلك خطوة من الجيش أظهرت نوع النظام القمعي الذي يوشك على فرضه بعد سقوط الإخوان.

وبعد ذلك بنحو ثلاثة أشهر، في الخامس والعشرين من سبتمبر 2013، تم إغلاق صحيفة الحرية والعدالة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين (وتحمل الصحيفة اسم الحزب السياسي للجماعة)، كما تعرض مكتبها للمداهمة ومصادرة كل الأجهزة.
وتزعم الدراسة أنه "تم تقدير إنفاق جماعة الإخوان المسلمين على وسائل الإعلام بنحو 417 مليون يورو (سعر الصرف لعام 2013: اليورو الواحد = 9.6 جنيه مصري)"، بحسب نهى ميللر، في كتابها (صوت جماعة الإخوان المسلمين: الدعوة والخطاب والاتصال السياسي).

وتنقل الباحثة "فاطمة العيسوي" عن مجدي الجلاد، رئيس تحرير صحيفة الوطن، وثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية، حينئذ قوله (لتبرير مشاركته في شيطنة الاخوان إعلاميا): "تلك معركة لم نقم باختيارها. لقد تم تصويرنا كأشرار: أطلق علينا مرشد جماعة الإخوان المسلمين لقب إعلام العار، وتم إضرام النيران في مكاتب الصحيفة"!.

شيطنة الصحفيين
وتوضح الدراسة أن أحد أسباب عنف المدنيين ضد الصحفيين هو شيطنة أي شكل من وسائل الإعلام ذات الصوت الناقد ضد الانقلاب، وذلك على الرغم من أن الإعلام الناقد كان يحاول تغطية الجانب الآخر من القصة –عنف الدولة الذي يستهدف جماعة الإخوان المسلمين– إلا أن القراء أو مشاهدي التليفزيون، لا سيما إبان تلك الفترة، فهموا الأمر باعتباره تعاطفًا إزاء جماعة الإخوان المسلمين.
حيث اتهم الإعلام الخاص والمملوك للدولة وسائل الإعلام الناقدة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، بأنها مؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين؛ الأمر الذي أدى إلى إذكاء غضب الجمهور ضدها.

ومن ثم، فعند حدوث اشتباك أو احتجاج؛ يهرع "المواطنون الشرفاء" وغيرهم من المواطنين الغاضبين، وبتحريض من الإعلام الخاص والمملوك للدولة، للاعتداء على الصحفيين بشكل عشوائي، مما أدى لتعريض صحفيين يمثلون كل أشكال الإعلام للخطر، سواء كانوا مع أو ضد الانقلاب العسكري.
وبدأت ظاهرة العنف المتطرف ضد الصحفيين مع تصاعد شيطنة قناة الجزيرة، التي تتخذ من الدوحة مقرًا لها، بالإضافة إلى قناتها التي تتخذ من القاهرة مقرًا لها: الجزيرة مباشر مصر.

وكانت قناة الجزيرة تعرض جانبًا آخر لحركة تمرد والجيش وجماعة الإخوان المسلمين، بما لا يتماشى مع الصورة التي روّج لها الجيش. كما عرضت صورًا لعنف يمارس ضد المتظاهرين المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين، واستضافت شخصيات مناهضة للانقلاب في برامجها.

تأميم الإعلام
وتختم الدراسة بالقول: "أسفرت جهود الجيش والموالين له في إسكات المعارضة عامة والمنصات المعارضة المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين خاصة؛ عن خلق بيئة إعلامية أصبحت فيها غالبية المنصات الإعلامية الخاصة والعامة داعمة بشكل صارم للانقلاب، وتعرض العشرات من الصحفيين للاعتداء البدني خلال ذلك العام بواسطة كلا من قوات الأمن والمدنيين.

وفي عام 2013، بلغ عنف المدنيين ضد الصحفيين في المجال العام ذروته، وذلك كما تم توثيقه بواسطة الجهات التي ترصد حرية الإعلام وغيرها من المنصات الإعلامية.
أما دور من يُطلق عليهم "المواطنون الشرفاء" فهو تصنيف غير منضبط تم إضفائه على الأفعال العنيفة التي ارتكبها مدنيون غير منتمين لأي من أشكال السلطة الرسمية.
وكانت شيطنة المنصات الإخبارية الناقدة، ممارسة منظمة من قِبَل السلطات وصحافة نخبة رجال الأعمال، والتي كانت بدورها بمثابة الوقود لماكينة عنف المدنيين ضد الصحفيين العاملين لدى منتجي الأخبار الناقدة، سواء كانوا محليين أو إقليميين أو دوليين.

كما توصلت الدراسة إلى أن عنف المدنيين ضد الصحفيين، لاسيما أثناء وبعد الانقلاب، خرج عن نطاق السيطرة –نظرًا لعشوائية الاعتداءات وانتشار أجواء العنف– وهو ما أدى إلى وقوع صحفيين مؤيدين للجيش، دون قصد، ضحايا لذلك العنف، بالإضافة إلى الصحفيين الناقدين الذين قامت الصحافة الخاصة (والمملوكة للدولة) بالتحريض ضدهم.