دراسة: سياسات العسكر لمواجهة “كورونا” عواء وهضمت حقوق الفقراء

- ‎فيتقارير

قالت دراسة: إن القرارات التي أصدرتها حكومة العسكر لوقف التداعيات السلبية المتوقعة لفيروس كورونا انحازت – كما القرارات السياسية – لمصالح الطبقة الغنية وهضمن حقوق الفقراء الذين يشكلون ما يزيد عن 62% من الشعب المصري منهم 33% تحت خط الفقر.

وخلصت الدراسة التي أعدها د.أحمد ذكر الله بعنوان “مصر.. القرارات الاقتصادية لمواجهة تداعيات كورونا” للمعهد المصري للدراسات إلى أن السياسات الاقتصادية لم تنظر إلى المواطن البسيط ولم تعره أي اهتمام عند وضع هذه السياسات.

وأشارت إلى أن غياب السياسات الموجهة للمواطن البسيط تعني استمرارية تناقص استهلاكه المتناقص فعليا جرّاء برنامج صندوق النقد الدولي، بما يعني المزيد من تراجع دور القطاع الخاص لا سيما قدراته الإنتاجية خلال الفترة القادمة.

وفي مضمونها أعتبر الباحث “ذكر الله” أن تعديلات بسيطة في القرارات كان يمكن أن تمثل النظرة الموضوعية للمواطن البسيط وأنها غير مكلفة من الأساس، أو أن تكاليفها أقل بكثير من عوائدها المتوقعة والتي يمكن أن تعيد الروح إلى النشاط الاقتصادي وتبتعد به عن شبح الكساد.

وأضاف أن الكثير من القرارات التي أطلقت كانت مكررة داخل مبادرات أو قرارات سابقة، والبعض منها يتصف بالدورية ولا يتعلق بالأزمة، ولا يزال تهميش القطاع الزراعي قائما، ولم توضع المشروعات الصغيرة والمتوسطة نصب أعين مبادرات البنك المركزي.

وأوضح سقوط الأطباء والأطقم المساعدة ماديا ومعنويا من خطة الدولة حتى الآن، وهم خط المواجهة الأول في مواجهة الأزمة، وسقطت التجهيزات الصحية الضرورية للتعامل السليم، وربما يلخص ذلك طريقة تعامل الدولة مع الأزمة.

قرارات حكومة الانقلاب

وأشار إلى أن قرارات “مجلس الوزراء” لمواجهة كورونا كانت على سبيل سياسات تخفيضات واعفاءات جمركية، مثل خفض سعر الغاز الطبيعي للصناعة عند 4,5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، كما تقرر خفض أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي والمتوسط بقيمة 10 قروش لكل كيلووات في الساعة، مع تثبيت وعدم زيادة أسعار الكهرباء لباقي الاستخدامات الصناعية لمدة من 3 – 5 سنوات قادمة.

وأوضح أنه رغم أن القرارين في صالح المواطن إلا أنه أشار إلى أن خفض أسعار الغاز الطبيعي كان مطلبا ملحًّا لأصحاب المصانع قبل بداية أزمة فيروس كورونا، وأن الحكومة المصرية استجابت جزئيا لذلك بخفض سعر الغاز دولارا واحدا في قرار سابق، وقال: “الحكومة كان لزاما عليها الاستجابة لمناشدة المصنعين بعدما انخفضت أسعار الغاز العالمية إلى أقل من 3 دولارات للمليون وحدة حرارية قبل الأزمة، ولا تزال الانخفاضات مستمرة في أسعاره حتى بلغ 1.580 دولار للمليون وحدة حرارية صباح 22 مارس الجاري.

وأوضح أن الحكومة تقدم الغاز الطبيعي للمصانع بثلاثة أضعاف سعره العالمي، وأن التحسن المتوقع في التكاليف لن يحدث أثره على المستوي الدولي، وأن المستهلك المحلي محروم من السعر المنخفض وأجبرته على شراء منتج مرتفع الثمن في ظل الحماية الجمركية، مضيفا أن الخفض المحدود لسعر للغاز الطبيعي لم يشمل الاستهلاك المنزلي بشكليه أسطوانة البوتاجاز، أو الغاز الموصل للمنازل، وهو ما يؤكد عوار الرؤية لصانع تلك السياسة، وتحميل المواطن لأخطاء نزقه التعاقدي (المواطن المصري الفقير يدعم المواطن الإسرائيلي!)، ومحاباته لرجال الأعمال على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لا سيما أن هذا هو الخفض الثاني للسعر الذي يتجاهل المواطن.

سياسات التصدير

ومن القرارات التي انحازت فيها حكومة العسكر للطبقة الغنية “توفير مليار جنيه للمصدرين خلال شهري مارس وأبريل 2020؛ لسداد جزء من مستحقاتهم وفقاً للآليات المتفق عليها (مبادرة الاستثمار والسداد النقدي المعلن عنها للمصدرين)، مع سداد دفعة إضافية بقيمة 10% نقداً للمُصَدّرين فى يونيو 2020”.

وأشار الباحث إلى أنه توجد العديد من الدراسات التي انتقدت برامج دعم الصادرات، ومن أبرز تلك الانتقادات عدم وجود أسس ومعايير لاختيار القطاعات التي تحصل على دعم الصادرات، وقيام العديد من الشركات بالتلاعب وتقديم مستندات غير حقيقية لصرف المساندة التصديرية، وأن الصناعات الكبيرة هي التي تحصل على النسبة الأكبر من الدعم، فضلاً عن عدم وجود رقابة على صرف الدعم، وعدم وجود دعم بالأساس للصناعات ذات التكنولوجيا العالية (ذات القيمة المضافة المرتفعة)، إضافة إلى عدم الاهتمام بدعم الصناعات الصغيرة.

المنشآت السياحية

وعلى غرار القرارين الأوليين تم “تأجيل سداد الضريبة العقارية المستحقة على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، والسماح بتقسيط الضريبة العقارية المستحقة على المصانع والمنشآت السياحية عن الفترات السابقة، من خلال أقساط شهرية لمدة 6 أشهر، ورفع الحجوزات الإدارية على كافة الممولين الذين لديهم ضريبة واجبة السداد مقابل سداد 10% من الضريبة المستحقة عليهم وإعادة تسوية ملفات هؤلاء الممولين من خلال لجان فض المنازعات”.

واعتبر “ذكر الله” أن القرار متحيز إلى رجال الأعمال، متعجبا من عدم إضافة المواطن العادي إلى هذا القرار حيث تأثير هذه الإضافة السلبي على نقص الإيرادات العامة شديد الضعف.

وأشار إلى أن مالكو الوحدات السكنية من الطبقة المتوسطة والمقرر على وحداتهم ضريبة عقارية بعد ارتفاع قيمة وحداتهم فوق حدود الإعفاء الحكومي بعد موجة التضخم الناتجة عن برنامج صندوق النقد مع الحكومة وقعت غالبيتهم الآن تحت خط الفقر.

ضريبة الأرباح

وأشار إلى قرار رابع بخفض سعر ضريبة توزيع الأرباح الرأسمالية للشركات المقيدة بالبورصة بنسبة 50% لتصبح 5%، والإعفاء الكامل للعمليات الفورية على الأسهم من ضريبة الدمغة لتنشيط حجم التعامل. إعفاء غير المقيمين من ضريبة الأرباح الرأسمالية نهائياً وتأجيل هذه الضريبة على المقيمين حتى 1/1/2022. وخفض ضريبة الدمغة على غير المقيمين لتصبح 1,25 في الألف وخفض ضريبة الدمغة على المقيمين لتصبح 0,5 في الألف بدلاً من 1,5 في الألف.

وأوضح أن القرار استهدف تخليص البورصة المصرية من بعض معوقات الأداء والذي تسببت فيه الحكومة من خلال قراراتها غير المدروسة خلال فترة ما بعد التعويم.

منحة 500 جنيه

وأشار إلى أن قرار “المنحة الاستثنائية للعمالة غير المنتظمة بقيمة 500 جنيه”، ليس ضمن حزمة سياسات الحكومة؛ لأنه جاء على لسان وزير القوي العاملة وليس رئيس الوزراء، موضحا أنها تدخل في إطار العمل الروتيني لوزارة القوي العاملة والتي تقدم منح مماثلة ربع سنوية لحوالي 300 ألف عامل غير منتظم، علما بان هذه المنحة هي منحة استثنائية بخلاف المنح الروتينية.

وقال: “المنحة هي التوجه الوحيد من الدولة إلى العمال والبسطاء، ولكن تجدر الإشارة إلى أن العمالة غير المنتظمة في مصر بالملايين، ويجب أن تجد الدولة حلاً لإدراجهم رسميًّا في السجلات، وربما الأزمة الحالية تدفع الحكومة والمستفيدين إلى ذلك، كما أن مبلغ المنحة هزلي إلى حد كبير (16 دولارًا تقريبًا) ولا يتناسب مع مستوى الأسعار السائد، ولا مع توفير سلة غذاء لأسرة واحدة في أسبوع، كما أنه لا يتناسب مع حجم الوفورات الضخمة التي حققتها الموازنة العامة للدولة جرّاء انخفاض أسعار البترول المقدرة في الموازنة الحالية بحوالي 67 دولارًا للبرميل بينما سعر حاليا اقل من 27 دولارًا، ولا تزال الأسعار مرشحة للانخفاض؛ ومن المعروف أن خفض سعر البرميل دولارًا واحدًا يخفض عجز الموازنة أربعة مليارات جنيه، بما يعني أن الحكومة خفضت العجز بما يقارب 160 مليار جنيه، ولا يوجد ما هو أدعى من الظرف الحالي لانفاق جزء من هذه الوفورات على البسطاء.

قرارات البنك المركزي

وأشار أحمد ذكر الله إلى حزمة قرارات البنك المركزي في مواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا:
1- خفض أسعار الفائدة الأساسية لدى البنك المركزي المصري بواقع 3%.
2- إصدار مبادرة جديدة للعملاء غير المنتظمين في السداد من الأفراد الطبيعيين.

وقال لا شك أن مواد المبادرة السابقة جيدة للغاية لصغار رجال الأعمال الذين ولا شك سيرحبون بإسقاط نصف مديونياتهم، وكذلك القضايا المرفوعة ضدهم، خاصة أن أغلبهم يسهل عليه تدبير نصف المبلغ المشروط سداده لذلك، ولو راعت المبادرة المتعثر منهم بتقسيط المبلغ عليه لكانت أكثر فاعلية، وقال: “عموما المبادرة جيدة ولكنها ككل السياسات لم ترَ البسطاء من المواطنين بسياسات أكثر مناسبة لظروفهم الحالية”.

قرارات السيسي

وأشار إلى قرار السيسي بضم العلاوات الخمس المستحقة لأصحاب المعاشات بنسبة 80% من الأجر الأساسي، ومنح العلاوة الدورية السنوية للمعاشات بنسبة 14% من العام المالي القادم كأحد القرارات التي فندتها الدراسة المنشورة على موقع المعهد.

وقال الباحث “لا أعرف على وجه التحديد من أشار على السيسي بإدخال هذا البند ضمن سياق احتفالي، خاصة ان العلاوة المقررة للعام المالي القادم أقل من نظيرتها في العام المالي الحالي والبالغة 15% بحد أدنى 150 جنيها، والتي بدأ تطبيقها من أول يوليو الماضي فعلياً”.

وأوضح أن هذه الزيادة توضف بالدورية للمعاشات مع وضع الخطوط العريضة لموازنة العام المالي القادم، وقد تواكب معها إعلان لجنة الخطة والموازنة يوم 14/3 /2020 عن علاوة دورية استثنائية لموظفي الدولة.

وأضاف “أما العاملون في الدولة من غير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية سيحصلون على علاوة بنسبة 12% من المرتب الأساسي، بدلاً من 10% كما هو معتاد كل عام، وذلك بحد أدنى 75 جنيها شهريا”.

وأشار إلى أن تصريح وزير المالية السابق يفند أية مزاعم بأن تلك العلاوات سواء للمعاشات أو للموظفين مخصصة لمواجهة أزمة الفيروس، لا سيما وأن بداية استحقاقها ستكون مع بداية الموازنة العامة الجديدة، كما يؤكد أنها الزيادات الدورية الطبيعية المستحقة لموظفي الدولة وأرباب المعاشات كل عام.

وخلص البحث إل أن النظام لم يتجمل حتى في حال الأزمة الحالية -رغم أن حديث السيسي كان في ذروة الأزمة- بزيادة ولو طفيفة في العلاوات الدورية، وهي الزيادة الواجبة ليس فقط بسبب الأزمة ولكن أيضاً بعد زيادة معدلات التضخم على صورتها الحقيقية، وليست تلك المعدلات المعلنة حالياً بعد تغيير سنة الأساس إلى عام 2018 بدلاً من سنة أساس عام 2010.