رغم العيشة الضنك.. لماذا عاد التضخم للارتفاع مكذبًا وعود السيسي؟

- ‎فيتقارير

خلافًا للوعود التي تطلقها عصابة الانقلاب مثل الغازات التي تصاحب الانتفاخ، عادت معدلات التضخم للارتفاع مجددًا في مصر المنكوبة بالعسكر، بالتزامن مع قرب نهاية برنامج التشليح والتعري الاقتصادي الذي يفرضه صندوق النقد الدولي، وتتراوح مدته بين ثلاثة أعوام كشرط لاستلام قرض قيمته 12 مليار دولار، وضعه جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي في كرشه بالكامل.

وقال البنك المركزي، وهو هيئة حكومية، إن معدل التضخم الأساسي ارتفع قليلا إلى 2.7 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر من 2.6 بالمئة في سبتمبر، لكنه يظل أقل من المستويات التي سجلها في الأشهر السابقة.

ومساء الجمعة 20 سبتمبر الماضي، انفتحت لأول مرة ثغرة في الطريق المسدود، ولاح ضوء في النفق الطويل للأزمة العميقة، التي دخلتها مصر منذ انقلاب يوليو 2013 بقيادة السفيه السيسي.

وعود في المشمش

وتحوّلت وعود الرفاهية التي أطلقها السفيه السيسي غداة انقلابه العسكري على الرئيس الشهيد محمد مرسي إلى سراب بقيعة، وعادت المنظومة الحاكمة للبطش بصناعها، وانقلاب 30 يونيو لأكل أبنائه بعد الخلاص من خصومه وأعدائه، وتراجع دور مصر إقليميًّا ودوليًّا، واشتدت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وترحم الناس على “أيام الحجاج” و”الشدة المستنصرية”.

وارتفع هذا الأسبوع معدل التضخم الكلي على أساس شهري إلى 1 بالمئة من -0.03 بالمئة في أكتوبر لأسباب، من بينها ارتفاع تكلفة التعليم وتجديد المنازل، وتأتي البيانات بعد يومين من إعلان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم الكلي انخفض إلى 3.1 بالمئة في أكتوبر من 4.8 بالمئة في سبتمبر، وهو المعدل الأقل منذ ديسمبر 2005، بحسب بيانات رفينيتيف.

وأدى الانخفاض إلى تزايد التوقعات بأن البنك المركزي سيخفض سعر الفائدة في اجتماعه الخميس، وقالت “نعيم للسمسرة” في مذكرة بحثية، إن انخفاض معدل التضخم الكلي السنوي هو انعكاس إلى حد بعيد لمستويات التضخم المرتفعة نسبيا في عام 2018.

وأضافت المذكرة أن معدل التضخم الكلي الجديد أدى لاتساع سعر الفائدة الرئيسي في مصر إلى نحو عشرة بالمئة، وهو الأعلى بين معظم الاقتصادات الناشئة ويضيف مساحة أكبر للتيسير النقدي.

وفي سبتمبر الماضي، خفض البنك المركزي سعر الفائدة للشهر الثاني على التوالي، وتقترب مصر من نهاية برنامج إصلاح اقتصادي يدعمه صندوق النقد الدولي مدته ثلاثة أعوام وشهد صعود التضخم لأكثر من 33 بالمئة في منتصف 2017.

ويتوقع محللون ارتفاع التضخم من جديد قبل نهاية العام بسبب تأثير سنة الأساس، وتضمن البرنامج تحرير سعر الجنيه المصري، وخفض دعم الوقود، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.

وضغطت الإجراءات الصعبة على الظروف المعيشية لملايين المصريين، ويعيش نحو ثلث المصريين تحت خط الفقر الذي حددته الحكومة عند 8827 جنيها مصريا (548.6 دولار) شهريا.

أوضاع سوداء

وإذا كان الوضع السياسي والحقوقي بعد خمس سنوات من حكم السفيه السيسي مظلما، فإن الوضع الاقتصادي تدهور هو الآخر بشكل غير مسبوق، حيث ذهبت وعوده في الأعوام السابقة بخفض الأسعار أدراج الرياح.

ورغم ارتفاع الجنيه المصري أمام الدولار خلال الأشهر القليلة الماضية، وتغنّي الانقلاب وإعلامه بهذا باعتباره انتصارا اقتصاديا، فإن ذلك لم ينعكس إيجابا على الأسعار التي تتزايد يوما بعد يوم، وكانت آخر سلسلة من رفع الأسعار قبل فترة وجيزة، عندما رفعت حكومة الانقلاب أسعار المحروقات.

وعلى مستوى الأرقام، نشر البنك الدولي في أبريل الماضي تقريرا أورد معطيات، مفادها بأن 60% من المصريين إما فقراء أو عرضة للفقر، كما انخفضت قيمة الناتج المحلي من 335 مليار دولار قبل تعويم الجنيه إلى 230 مليارا في العام الماضي.

وقال اقتصاديون إن السياسات الاقتصادية في عهد السفيه السيسي أدت إلى ارتفاع معدل التضخم لمستويات غير مسبوقة، وإن البلاد غرقت في عهده بالديون، ووفق تقرير لوزارة المالية في حكومة الانقلاب لشهر مارس الماضي، فقد ارتفع الدين العام إلى ما يعادل 107% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبحسب أحدث بيانات للبنك المركزي المصري، ارتفع متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي إلى 906.3 دولار نهاية عام 2018، مقابل 387.7 دولار في يونيو 2012.

وينتقد اقتصاديون ما يعتبرونها فناكيش عملاقة بدأها السفيه السيسي لم تدرس جيدا، على رأسها توسعة قناة السويس التي تم الانتهاء منها على عجل تحت إشراف الجيش.

لماذا لا يفعلون؟

ويقول الباحث بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط تيموثي قلدس: إن “الركائز الثلاث الرئيسية التي وعد بها هي: الاستقرار والنمو الاقتصادي والأمن، وقد فشل فيها كلها”، ويضيف “وبالتالي فإنهم يخاطرون أكثر.. إذا كان بوسعهم المضي بتوسيع قمعهم لأهداف عليا والإبقاء على الناس تحت السيطرة، فلماذا لا يفعلون؟”.

وكشف المقاول والفنان محمد علي في فيديوهاته الأخيرة، ما قال إنها وقائع فساد وإهدار للأموال العامة، تورط فيها السفيه السيسي وكبار جنرالات الجيش المصري.

وكان هشام جنينة، ضابط الشرطة والقاضي السابق الذي عين في عام 2012 رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات المنوط به مكافحة الفساد في مصر، قد كشف عن أرقام مهولة لانتشار الفساد في بلاده.

وقال هشام جنينة للصحفيين في عام 2015: إن الفساد كلف الدولة ستمئة مليار جنيه في أربع سنوات، وهي تقديرات يقول إنها تستند إلى تقارير رسمية، إلا أن جنينة تم التنكيل به عبر سحله وضربه في الشارع، ثم قُدم للمحاكمة لاحقًا وتم اعتقاله.