زي امبارح.. أعطى من لا يملك سلَّم المصريين لمن لا يستحق

- ‎فيتقارير

رحل طاغية من الجيش ليحل محله الجيش الطاغية، ولولا التضحيات التي قدمها شعب مصر في ثورة 25 يناير 2011، ما كان خلع مبارك الذي تمر علينا اليوم ذكراه التاسعة، والذي مثّل انتصارًا حقيقيًّا حقّقه الشعب المصري ونجح به في الإطاحة بمشروع التوريث، وإن كان خلع مبارك من عرشه هو انتصارًا نتغنى به، فعودة العسكر وحاشيتهم للساحة مثل طعنة للثورة وشهدائها.

ولم يكن انقلاب جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، هي الطعنة الوحيدة التي وجهت للثورة، فقد كانت الإطاحة بالاستحقاقات الديمقراطية التي حققها الشعب المصري، من انتخاب مجلس نواب ودستور ورئيس أصبح في تعداد الشهداء، هي الطعنة الأولى التي مهدت للثورة المضادة والعودة للحكم المطلق الذي قدم ويقدم كل يوم التنازل تلو الآخر، والتفريط في حقوق مصر وتبديد ثروات البلاد المادية والبشرية، وإهدار دماء آلاف الشهداء وحقوق عشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين قسريا.

خدعة التنحي

كان اليوم هو الجمعة في 11 فبراير 2011، عندما أعلن عمر سليمان تنحي المخلوع مبارك بعد حكم دام 30 عاما لمصر، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، وضج ميدان التحرير وسط القاهرة بمظاهر فرح الثوار الذين اعتصموا فيه لنحو أسبوعين، وخرج مئات الألوف في مسيرات احتفالية.

وإن كانت تلك الضربات المتتالية للثورة قد مثّلت انتكاسة حقيقية، إلا أنها لم تمثل نقطة الانكسار الكبرى ولا اللكمة القاضية للثورة، وقد كانت حركة 30 يونيو المفتعلة التي سماها البعض ثورة؛ نقطة البداية لتحطيم وحدة الشعب، فقسمت الشعب على عدة محاور، ما بين تقسيم طائفي وتقسيم أيديولوجي، وتقسيم على خطوط الإرهاب المفتعل، وتقسيم على خط الدم الذي جعل في كل عائلة ثأرا، وفي كل حي قاتلا ومقتولا، وفي كل بيت خوفا من الآخر.

وجاء قرار مبارك بالتنحي عن السلطة بعد 18 يوما من الاحتجاجات المليونية شهدتها القاهرة وعدد من المدن المصرية، تطالبه بالرحيل والتنحي عن الحكم، وكان مبارك قام بتفويض سلطاته إلى نائبه عمر سليمان، وكان خطاب سليمان هو اللحظة الختامية في مغادرة مبارك وعائلته قصر العروبة لكن الساعات التي سبقت هذا الخطاب حملت أسرارًا كثيرة، لم يُكشف عنها بشكل كامل حتى الآن.

وكما مثّل تقسيم الشعب المصري انتكاسة كبيرة، فإعادة بناء حاجز الخوف الذي حطمته ثورة 25 يناير مثّل لطمة أخرى وجهّتها الثورة المضادة للشعب، وذلك لأن تحطيم حاجز الخوف كان هو أكبر مكاسب الثورة، وكان الدليل العملي على أن الشعب مستعد وقادر على تقديم التضحيات في سبيل إنقاذ بلاده واسترداد كرامته.

وكما مثلت هذه الضربات انتكاسة للثورة، كانت فاجعة الشعب في جيشه هي أحد أكبر اللطمات التي سعت بها الدولة الفاسدة العميقة لأن تمحو آثار ثورة 25 يناير وتحطم الروح المعنوية للشعب.

خدعة العسكر

تسارع ضربات الثورة المضادة يشير إلى أن ما حدث في 11 فبراير ما كان إلا خدعة لجأت لها دولة الفساد العميقة، مستخدمة الجيش الذي يمثل أقوى أدواتها؛ خدعة لجأت لها دولة الفساد بعد أن أدركت أن وحدة الشعب وقدرته على كسر حاجز الخوف تهدد بقاءها، ولا تمكن السيطرة على الشعب في هذا الحال، فكانت هذه الخدعة التي أسست بعد ذلك لخدعة 30 يونيو التي اختتمت بانقلاب 3 يوليو البغيض، الذي مكّن الدولة العميقة من السيطرة على الشعب وزرع الخوف مرة أخرى.

ويرى مراقبون أن تمسك الشعب بعودة الديمقراطية المختطفة وكسر الانقلاب ليس من باب المثالية البلهاء، ولا من باب المراهقة السياسية، ولكن ضرورة كسر الانقلاب تأتي من ضرورة ضرب الفساد وإسقاط الدولة العميقة الفاسدة وتجريدها من أدوات حماية الفساد التي تتمتع به، وضرورة تمسك الشعب بأن استخدام الجيش لتوجيه الحكم أمر مرفوض، ولذا يصر المصريون على ألا يتعايشوا مع أي انقلاب.

ولا توجد ثورة عبر التاريخ انتصرت من الجولة الأولى؛ لأن التصور بأن قوى الفساد والشر لن تدافع عن بقائها ليس إلا سذاجة؛ لأنه لا يتفق مع طبائع الأمور، وأن العمل على استرداد الثورة واسترداد مستحقاتها مشوار طويل لا مجال فيه للملل ولا لتبادل الاتهامات والإقصاء.

لأن الإقصاء هو ما يسعى اليه العدو من تقسيم المجتمع وتعميق جرح التقسيم، وعدم الإقصاء لا يعني التعاون مع أعداء الثورة، ولكنه يعني عدم مصادرة حقوق الآخرين في مواجهة أعداء الثورة بوسائل قد لا نتفق عليها.

عوامل الانتصار

تبدأ بالإيمان بأن الثورة هي عمل تراكمي، وأن تحديد العدو وتحديد أدوات مواجهته وعدم التعامل معه وعدم قبول الاستسلام له هي أول خطوات الانتصار في هذه المعركة.

والعدو هنا هو الفساد ودولته، وليس أفراد هذه الدولة، فليس كل الجيش المصري عدوًّا، وليست كل الدولة المصرية عدوًّا للثورة، فأفرادهم هم شعب مصر الذي ستحقق لهم الثورة حلمهم، ولكن جهازهم وإداراتهم وقياداتهم التي تنعم بالفساد هي العدو، وهي ما يجب القضاء عليه حتى تنتصر الثورة.

إن انتصار الثورة مرهون بقدرة المصريين على الاتحاد حول هذا المفهوم والعيش به، حينها فقط تنطلق شرارة الانتفاض لاسترداد مكاسب 11 فبراير من إعادة بناء الوحدة وإعادة كسر حاجز الخوف، وعندها فقط تسترد مكاسب 25 يناير، وتحقيق حلم الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وإسقاط دولة الفساد، وتأسيس دولة الشعب لبناء مصر الحديثة.