زي انهارده.. “مرسي” يفوز بالرئاسة ويعطل انقلاب الجيش

- ‎فيأخبار

كتب: سيد توكل

في مثل هذا اليوم 24 يونيو 2012 توافد عشرات الآلاف من المصريين على ميدان التحرير بوسط القاهرة للمشاركة في اعتصام مفتوح دعت إليه جماعة الإخوان المسلمين والقوى الثورية إلى حين إعلان محمد مرسي رئيساً للبلاد، في حين نشر الجيش آليات عسكرية على مداخل العاصمة وكأنه يتحسس مزاج الشارع الثوري ويتحين فرصة الانقضاض على الثورة، إلا أنه أجل الانقلاب وقتها إلى حين، وعبَّر المعتصمون – وقتها- عن خشيتهم من احتمال حدوث تلاعب في نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية لمصلحة من اعتبروه مرشح المجلس العسكري ونظام حسني مبارك الفريق أحمد شفيق.

 

وفي غضون ذلك نشر الجيش آليات مدرعة على مداخل القاهرة، وكثَّفت دورياته المدعمة بآليات خفيفة من خلال مرورها ببعض المناطق بأطراف العاصمة المصرية وتمركز بعضها أمام عدد من الوزارات ومباني الحكومة ومجلسي الشعب والشورى والتلفزيون والبنك المركزي.


تلاعب بالرئيس

 

وكانت اللجنة القضائية العُليا المشرفة على انتخابات رئاسة الجمهورية في مصر، أعلنت إرجاء إعلان نتيجة الانتخابات بإيعاز من المجلس العسكري، مشيرة إلى أن إعلان النتيجة يتطلَّب مزيداً من الوقت للبت في طعون المرشَّحين.

 

وحاول المجلس العسكري جرّ الشارع إلى اضطرابات عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، بعد أن سادت حالة من اللغط الساحة السياسية المصرية، في ضوء إعلان حملة مرشح حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين "محمد مرسي"، أن مرشحها هو الفائز بمنصب الرئاسة بنسبة 52% مقابل 48% ،  حصل عليها منافسه المرشح المستقل الفريق أحمد شفيق الذي تقول حملته إنه الفائز بنسبة تتجاوز 51%.

 

واستعد العسكر للرئيس محمد مرسي، حيث إنه لم يكن مطلق السلطات كما كان مبارك لمدة ثلاثة عقود، حيث قلص إعلان دستوري مكمل أصدره المجلس العسكري بشكل كبير من صلاحيات مرسي ومنح سلطات واسعة للمجلس العسكري.

 

قصقصة ريش

 

ورغم أن المجلس العسكري سلم السلطة لمرسي، فإنه -وفق الإعلان الدستوري المكمل- أراد

الاحتفاظ بالسلطة التشريعية بعد حل مجلس الشعب الذي كان يهيمن عليه الإسلاميون، إثر حكم من المحكمة الدستورية قضى بعدم دستورية القانون الانتخابي الذي انتخب وفقه.

 

كما احتفظ الجيش بالحق في التدخل في صياغة الدستور الجديد -حجر الزاوية في رسم التوازنات الجديدة بين السلطات- وأيضا في تقرير الميزانية فضلا عن سلطات واسعة في مجالي القضاء والأمن بمنح أفراد الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية سلطة الضبطية القضائية، وهو ما ندد به معارضو المجلس باعتباره التفافا على إلغاء حالة الطوارئ التي كانت سارية طوال عهد مبارك.

 

يتذكر المصريون بعد 4 سنوات من انقلاب كان يعطله الرئيس مرسي، أن رئيس اللجنة المستقلة للإنتخابات المستشار "  فاروق سلطان" بعد مقدمة طويلة مملة  مليئة بالأخطاء  النحوية ، حرق فيها دم المصريين ،  أصدر حكمه النهائي الذي لا راد له  بفوز المرشح "الإسلامي" مرسي علي " الفلولي"  شفيق ،  واهتز ميدان التحرير فرحا ، وتنفس المصريون والعالم العربي الصعداء ،  وخيمت  موجة من الهم والغم والإحباط  علي  دوائر صنع  القرار الإسرائيلية  التي كانت تنتظر معجزة من السماء أو تدخلا  من  المجلس العسكري  تفسح الطريق أمام  مرشحه ومرشحهما معا ،  ومرشح  آمريكا ومن لف لفها  من دول الإعتدال العربي،      لدخول قصر عابدين .

لم تكن فرحة   ميدان  التحرير كاملة ، فلقد عكر صفوها  "  الإنقلاب الإستباقي "  الذي قاده المجلس العسكري-  ممتطيا صهوة المحكمة الدستورية-  علي  المرشح  " مرسي  "   في وقت مريب وذلك  حتى    قبل أن يتم إنتخابه ،  فكبله  بقيود  تشريعية وتنفيذية  لا قبل  للملكيات الدستورية بها،  أحري بالجمهورية   ،    مما جعله رئيسا  شرفيا   فاقد  الصلاحية  أو " منزوع الدسم "  حسب  وصف الصحفي  باري عطوان  في  صحيفة "  القدس العربي ".

 

 ما كان  للمجلس العسكري أن يتخذ  قرارا  بهذه الخطورة  الكبيرة  دون أن يستشير حليفه   و" مشغله "  الأمريكي  الغارق حتى أخمص قدميه في ملفات المنطقة  ، و الذي تربطه به علاقة استراتيجية  قديمة ،  تعود  لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن  ،  ويمده  بأكثر من  مليار ونصف مليار دولار سنويا   لملء خزائنه  وإدارة  اقتصاده الموازي  الذي يمثل أكثر من ثلث اقتصاد الدولة المصرية  ويعطيه  الضوء الأخضر  ،  كما أنه ليس من المتصور أيضا  أن يقدم  المجلس العسكري علي  إجراء  استفزازي   يحمل كل   صفات   العمل الإنقلابي المكشوف  وإن تزيا باللباس الدستوري،     دون أن يأخذ بعين الإعتبار  مزاج الساحة السياسية المصرية المتغير ، ويعقد صفقات  وتفاهمات مع القوة السياسية الوازنة علي الأرض .

 

أما عن التشاور بين أمريكا والمجلس العسكري ، والتنسيق بينهما  في الإنقلاب  الدستوري فهذا ما نفترضه افتراضا ، دون أن نجد له ذكرا في وسائل الإعلام ، إلا أن عدم ذكره لا يعني عدم وجوده ، فكم من قرارات  تنسج سرا  في مطبخ السياسية  الدولية ، وتظل طي الكتمان  لمدة ثلاثة عقود أو أكثر قبل أن ينكشف أمرها  ويفتضح ،  خصوصا إذا كانت  تظهر زيف  سياسة الدول الكبري التي تتناقض مبادؤها المعلنة في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ، مع ممارساتها  في دعم  الأنظمة الدكتاتورية  التي  تعمل لمصلحتها.

 

وما يهم آمريكا في مصر- بطبيعة الحال –  ليس بسط الديمقراطية  في الأرض ولا إقامة العدل بين الناس ، ولا النهوض بالإقتصاد المصري ، ولا تقليص نسبة الفقر  ولا القضاء علي الأمية  ، ما يهم أمريكا  أولا وأخيرا  هو المحافظة علي  أمن إسرائيل  بواسطة اتفاقية كامب ديفيد ، التي آخرجت مصر من معادلة الصراع العربي ، ورفعت إسرائيل إلي مقام الدولة  العظمي في الشرق الأوسط.

 

  ولا شك  أن تقليص أظافر" الإخوان"  والإنقلاب عليهم –  وهم العدو  التاريخي الأول لإتفاقية كامب ديفيد ،  وربما يتغير ذلك في المستقبل بعد أن وصلوا إلي السلطة –   بواسطة  " الإعلان الدستوري المكمل"  ، وبحل مجلس الشعب  قبله  يمثل أفضل  رسالة تطمين من المجلس العسكري  لكل من آمريكا وإسرائيل والدول الغربية الخائفة والمرعوبة من الصعود الإسلامي ،  ومنطوق الرسالة ومضمونها  هو " ألا تخافوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون في المنطقة ، ونحن – الجنرالات – خدمكم وحشمكم  وسنحافظ علي مصالحكم  وندافع عن معاهداتكم واتفاقياتكم ، حتى آخر دولار آمريكي.