شيطان العرب شريكهم الاستراتيجي.. لهذا السبب “الإمارات” بعيدة عن مسرحية الرد الإيراني

- ‎فيعربي ودولي

يبدو أن إيران أحبطت بردها العابر وضرباتها الباليستية المعروفة مسبقًا لبغداد، كثيرًا من تطلعات المتابعين الذين كانوا يتمنّون أن يُهلك الله السفاح والشيطان في طهران وواشنطن على التوالي، ويُخرج الإنسانية منهم سالمين، إلا أن هذا الإحباط يبدو أنه كشف ما هو معلوم من الضرورة بالسياسة في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي، من أن الإمارات ستكون بمنأى عن هذه الردود الإيرانية الباهتة.

وهو ما أكده المتحدث باسم السفارة الأمريكية في أبو ظبي، الذي قال إن “التمركز الأمريكي في الإمارات لم يتغير بعد الهجوم الإيراني”. وترجمه أيضا لاحقًا سرعة الرد الإماراتي من خلال تصريحات المكتب الإعلامي لحكومة دبي، التي أشارت إلى أن “ما تم تداوله من شائعات حول مزاعم بتهديدات موجهة لإمارة دبي لا يستند لأي مصدر رسمي من أي مؤسسة في الحكومة الإيرانية”.

وأضاف المكتب، عبر تغريدة على حسابه في “تويتر”، الأربعاء: “كما لم يصدر مثل هذا التهديد عن أي مسئول إيراني”، مطالبا “بتوخي الحذر والدّقة لدى نشر مثل هذه الشائعات”.
وتبعه رد من وزير الشئون الخارجية، أنور قرقاش، حيث دعا إلى تغليب الدبلوماسية، وقال “من الضروري أن تنسحب المنطقة من التوترات الحالية والمثيرة للقلق، وإنهاء التصعيد شيء ضروري وحكيم”. وأضاف أنه “يجب اتباع المسار السياسي نحو الاستقرار”.

وتبعه تعليق موازٍ لمستشار محمد بن زايد، وصف فيه إيران بالأسد الجريح، وأن الإمارات لن تنجر لأي “مهاترات مع إيران”، وأنه رغم احتلال إيران لجزرها إلا أن “الإمارات ستظل عاقلة”!.

غير أن التهديد صدر بالفعل عن الحرس الثوري الإيراني، في الساعات الأولى من أمس الأربعاء، والذي حذر فيه بشن هجمات على الإمارات، قائلا في بيان: إن المقاتلات الأمريكية “إذا تحركت من الظفرة نحونا فعلى الإمارات أن تودع الانتعاش الاقتصادي”، وهو ما تناقلته أيضا وسائل إعلام إيرانية.

الحرس الثوري قال: “هناك طائرات أمريكية تحلق فوق قاعدة الظفرة بالإمارات ومستعدون لقصف القاعدة إذا استهدفتنا”.

كما هددوا بـ”موجة ثالثة من الصواريخ تدمر دبي وحيفا إذا ردت واشنطن على الهجوم”، الذي شنته طهران على قاعدة عسكرية في العراق في وقت مبكر من صباح الأربعاء.

الشريك الاستراتيجي

فاليمنون الذين يقاتلون إيران في اليمن (الحوثيون)، والسوريون الذين يقاتلون إيران في سوريا (العلويون)، يدركون جيدا أن أبو ظبي لن يطولها أي تصعيد؛ لأنها الشريك الأول لإيران تجاريًّا ثم سياسيًّا، حيث ما تحيكه من سياسات تخريبية تخدم مصالح إيران.

وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد يقول: إن “إيران شريك استراتيجي لدولة الإمارات، ولا يقتصر الأمر معها على التجارة والعلاقات الاقتصادية فحسب، رغم أهميتها، بل يعود إلى روابط ثقافية وحضارية مشتركة”.

وخلال 2018، بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات  16.83 مليار دولار، بزيادة نحو 35% عن العام الذي سبقه، وقالت دائرة الأحوال الإيرانية، إن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة، كما أن هناك 4 جامعات إيرانية في الإمارات، وما يزيد على 30 ألف طالب إيراني يتلقون تعليمهم فيها.

وما يدل على تحسن العلاقات أنه خلال 2017، تصدرت الإمارات قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع إيران، وبلغت التجارة معها 11.114 مليار دولار، شكلت صادرات الجمهورية الإسلامية 4.458 مليار دولار، أما صادرات الإمارات إلى إيران فقد وصلت إلى 6.656 مليار دولار.

وتقول البيانات إن مكثفات الغاز احتلت حصة الأسد من حجم الصادرات وبلغت 5.098 مليار دولار، يليها البروبان السائل، والذي صدّر بقيمة 1.068 مليار دولار.

تجار إيران

وينشط ثمانية آلاف رجل أعمال إيراني على الساحة الإماراتية، عبر نحو ستة آلاف شركة تم تسجيلها هناك.

وكانت بعض التقارير في إيران تحدثت عن تعليق نحو 80% من التجار الإيرانيين نشاطهم في الإمارات، والتوجه خلال السنوات الأخيرة إلى دول أخرى، على خلفية إغلاق السلطات حساباتهم البنكية، قبل أن يجري لاحقا الحديث عن عودة جديدة لهؤلاء التجار.

وفي ٢١ أكتوبر ٢٠١٩، كان هناك مؤشر واضح على تحسن العلاقات، حيث قال نائب إيراني إن أبو ظبي أفرجت عن 700 مليون دولار من أموال إيران المجمدة، لافتا أنها تعمل على إعادة علاقاتها مع طهران، رغم ما يشاع عن عقوبات أمريكية على إيران!.

ونقلت الصحافة الإيرانية ووكالة الأنباء الرسمية، أن بعض مكاتب الصرافة الإيرانية (المغلقة) في دبي استأنفت عملها، وأن “الإمارات راجعت علاقاتها مع إيران”.

وقال رئيس مكتب الرئاسة الإيرانية، محمود واعظي، إن “الإماراتيين تقدموا بمبادرة لتسوية القضايا السياسية مع إيران”.

وفي ١١ نوفمبر الماضي، قال قائد قوات حرس الحدود الإيراني، قاسم رضائي، وهو يصف علاقات بلاده مع الإمارات، بأنها “جيدة جدا”، داعيا إلى سحب الأسطول الأمريكي من الخليج العربي.

تعليق بلومبرج

وقبل نحو شعر تقريبا من قتل قاسم سليماني، وفي 4 ديسمبر الماضي، نشرت بلومبرج تقريرا قالت إن دول الخليج العربي بدأت تراجع مواقفها تجاه إيران، بعد أن دفعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى شفير المواجهة معها في وقت سابق.

ومن مؤشرات بلومبرج بطولة كأس الخليج التي استضافتها قطر، وإفراج التحالف بقيادة السعودية الذي يخوض حربا في اليمن منذ عام 2015 ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران، عن الحوثيين المعتقلين لديه، ثم إقدام الإمارات على سحب معظم قواتها من اليمن أواخر الصيف الماضي.

وأرجعت ذلك لعدة أسباب، ضمّنت فيها الكارثة الإنسانية التي نجمت عن الحرب في اليمن،  ثم الهجوم “الجريء” على منشآت النفط في شرق السعودية “منشآت أرامكو”.

وقالت الوكالة الأمريكية، إن دول الخليج بمستويات سرعة مختلفة في بحثها عن سبل للمضي قدما في تحسين علاقاتها مع طهران، وقادت الإمارات ذلك بعد هجمات مايو ويونيو الماضيين، على ناقلات النفط أثناء إبحارها صوب مضيق هرمز.

السعودية هدف

ووفق العديد من الأسباب تظل السعودية الهدف الإيراني المرتقب، حيث يرى مراقبون أن المملكة هي الحلقة الأضعف، لكنها لن تقترب من قطر وعمان لوجود صلات وتنسيقات إقليمية.

محمد بن زايد يعتبر أن السعودية هي الخطر الثاني لبلاده بعد إيران، ورغم ذلك قالت السعودية د. نهلة الشمري، باحثة في الشئون السياسية: إن “الأمير محمد بن سلمان قال إنه إذا فُرضت علينا الحرب فنحن لها وسندافع بكل قوة عن مصالح بلادنا”.

موقف “بن سلمان” يأتي بعد موقف الإمارات في اليمن، حيث يرى مراقبون أن أبو ظبي أدارت ظهرها على ما يبدو للسعودية وإدارة الرئيس ترامب، وبدأت تتخذ موقفا جديدا بشأن علاقتها مع إيران.