“كارنيجي”: السيسي يقود حربا على الفقراء لصالح النخبة والجنرالات

- ‎فيتقارير

..بيزنس الجيش سيؤدي لانهيار نظامه

نشر مركز كارنيجي للأبحاث تقريرا يؤكد كاتبه أن السياسات الاقتصادية لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي تنقل الثروة من الطبقتين الدنيا والوسطى إلى طبقة رجال الأعمال، وهو ما دفع 10 ملايين شخص نحو خط الفقر على مدى السنوات الخمس الماضية، بحسب المقال.

وقال الباحث ماجد مندور إن السياسات المالية والاقتصادية التي يتبعها السيسي تعمل على تسريع نقل الثروة من الطبقات الدنيا والمتوسطة إلى نفسها ونخب رجال الأعمال والجنرالات، وحذر من احتمال حدوث عواقب وخيمة، تتمثل في اضطرابات وثورة شعبية بسبب ذلك.

تقرير مركز كارنيجي أشار لتصاعد نسب الفقر والفقراء في مصر، ففي عام 2019، أفاد الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء بارتفاع معدلات الفقر، من 27.8 في المائة في عام 2015 إلى 32.5 في المائة في عام 2018. كما أبلغ البنك الدولي عن نمط مماثل، حيث لاحظ زيادة من 22.7 مليون شخص يعيشون في فقر في 2012 إلى 32.5 مليون في 2017. بعبارة أخرى، وقع 9.8 مليون مصري في دائرة الفقر في غضون خمس سنوات، والجاني الرئيسي هو السياسة المالية والاقتصادية للسيسي المصممة لتسريع نقل الثروة من الطبقات الدنيا والمتوسطة إلى النخبة.

أيضا في مايو 2020، توقع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير تباطؤ نمو الاقتصاد المصري بشكل حاد، ليصل إلى 0.5 في المائة فقط لعام 2020، مقارنة بـ 5.6 في المائة في عام 2019/ وقال انه يسبق هذا التباطؤ الاقتصادي زيادات مستدامة في معدلات الفقر، وتصاعد الحرمان الاجتماعي للمصريين. وقد أدى هذا الارتفاع في معدلات الفقر إلى مستويات أعلى من الحرمان الاجتماعي، كما يتضح من انخفاض بنسبة 9.7 في المائة في الاستهلاك العام للسلع والخدمات، مع إنفاق أقل على عناصر مثل التعليم والرعاية الصحية والثقافة. المناطق الحضرية هي الأكثر تضررا، حيث انخفض مستوى الاستهلاك بنسبة 13.7 في المائة، مقارنة بنسبة 5.1 في المائة في المناطق الريفية.

ولتوضيح ذلك، انخفض مستوى الإنفاق على الفرد في المدن بمقدار 1400 جنيه، حيث انخفض من 10.600 جنيه إلى 9.200 جنيه، بينما كان الانخفاض في المناطق الريفية 500 جنيه فقط، وانخفض من 7100 جنيه إلى 6600 جنيه.

سياسات الفقر والافقار

بحسب كارنيجي، تقوم هذه السياسة التي تؤدي للفقر على عدة ركائز:

(أولاً): تعتمد الحكومة بشكل كبير على القروض، بدلاً من الضرائب، لتمويل العمليات الحكومية ومشاريع البنية التحتية الضخمة، وبدلاً من ذلك، تُستخدم الإيرادات الضريبية بشكل غير متناسب لسداد القروض والفوائد. ويؤدي هذا إلى نقل الثروة من الطبقات الدنيا والمتوسطة إلى دائني النظام، الأجانب والمحليين.

حيث يعتمد النظام بشكل كبير على الاقتراض، الخارجي والمحلي، لتمويل العمليات الحكومية ومشاريع البنية التحتية، ولا يقتصر الاقتراض على عزل الحكومة عن الرقابة العامة -مما يمكّنها من التصرف بشكل أكثر استبدادًا -ولكنه أيضًا ينقل الثروة من الطبقات الدنيا والمتوسطة إلى الدائنين الحكوميين. وبعبارة أخرى، فإن هذا الاعتماد الشديد على الاقتراض مع نظام ضرائب تنازلي يعني أن دافع الضرائب ملزم بسداد هذه القروض بالإضافة إلى الفائدة ويعمل دافع الضرائب العادي بشكل فعال كوسيلة لنقل الثروة إلى الطبقات العليا، التي تستطيع إقراض الحكومة والدائنين الدوليين.

يشمل هؤلاء الدائنون المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والحلفاء الإقليميين، وكذلك السوق الدولية. وبحلول نهاية عام 2019، بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 90 في المائة، والتي رغم أنها أقل من 108 في المائة التي تم الوصول إليها في عام 2017، فإنها تظل مرتفعة بالمعايير الإقليمية. وقد جعلت فورة الاقتراض الحكومية مصر أكبر متلق أفريقي للسندات الأجنبية، حيث اقترضت 22 مليار دولار من خلال سندات اليوروبوند بين عامي 2017 و2019 في السوق الدولية.

وأدى الاعتماد الكبير على الاقتراض إلى إجهاد ميزانية الدولة بشكل كبير، فعلى سبيل المثال، خصصت ميزانية 2020-2021 مبلغ 555 مليار جنيه لفوائد وتسديد القرض. وبلغ إجمالي الميزانية المصدق عليها 1.7 تريليون جنيه، وشكل الإنفاق على الديون 32٪ من إجمالي النفقات وبوضع هذا في السياق، فإن نفس الميزانية تخصص 335 مليار جنيه فقط لتغطية أجور القطاع العام.

خفض الدعم ورفع الأسعار

(ثانيًا): تواصل الحكومة خفض الدعم والإنفاق الاجتماعي والإعانات العامة، وهذا على الرغم من الآثار المستمرة لـ COVID-19 على الأسر المصرية، حتى ان عام 2020 شهد تخفيضات كبيرة في هذه الاعانات الاجتماعية. ففي 17 أغسطس قلصت الحكومة حجم رغيف الخبز المدعوم بمقدار عشرين جرامًا، وهو الغذاء الأساسي لنحو 60 مليون مصري، وفي 16 أغسطس 2020، أعلنت الحكومة رفع أسعار تذاكر مترو القاهرة للعام الثاني على التوالي. وفي 15 أغسطس، أصدر السيسي القانون رقم 170، الذي يجبر الموظفين على خصم 1٪ من رواتب جميع العمال، و0.5٪ من المعاشات الشهرية لمدة عام.

وسيتم استخدام هذه الأموال لمواجهة التأثير الاقتصادي للأوبئة والكوارث الطبيعية، وهو إجراء آخر ينقل عبء الوباء إلى أكتاف الطبقات الدنيا والمتوسطة. وقبل هذا في 10 يونيو 2020، قررت الحكومة رفع سعر الكهرباء بنسبة 19 في المائة، وهي الزيادة السابعة منذ تولي السيسي السلطة في عام 2014. وأدى ذلك إلى ارتفاع مستوى التضخم الذي أثر بشكل كبير على الفقراء، فمثلاً بلغ تضخم أسعار المستهلكين في المدن 14.1 في المائة في مايو 2019، وبلغ معدل التضخم الأساسي للغذاء 15.1 في المائة.

(ثالثًا): هناك استخدام مستمر للهيكل الضريبي التنازلي الذي ينقل العبء الضريبي إلى أكتاف الطبقات المتوسطة والدنيا، وفي الوقت نفسه، تواصل الحكومة متابعة مشاريع البنية التحتية الضخمة التي يقودها الجيش، حيث تعمل كأداة لتخصيص الأموال العامة، بدلاً من الإنفاق الاجتماعي وبرامج الحد من الفقر، ويفيد هذا النظام الضريبي التنازلي الأثرياء في مصر.

هيمنة بيزنس الجيش

ويشير تقرير معهد كارنيجي لأن سياسة دعم التوسع في مؤسسات الأعمال العسكرية باستخدام الأموال العامة تشكل ضغوطًا إضافية على الطبقات الدنيا والمتوسطة، التي تتحمل الجزء الأكبر من العبء الضريبي. حيث تخضع إمبراطورية الأعمال العسكرية المتوسعة إلى عدد كبير من الإعفاءات الضريبية، كما أنها محمية من الرسوم واللوائح المتعلقة بالمشتريات المفروضة على الشركات المدنية.

ومن الأمثلة البارزة إعفاء 2016 للأعمال المملوكة للجيش من ضريبة القيمة المضافة حيث يتمتع الجيش بإعفاءات ضريبية على الأرباح الناتجة عن الفنادق المملوكة للجيش، ومبيعات المواد الغذائية الأساسية، والرسوم الجمركية. ويؤكد التقرير أن "اعطاء النظام الأولوية للإنفاق على مشاريع البنية التحتية الضخمة التي يقودها ويسيطر عليها الجيش، والتي تعمل بشكل فعال كأداة لتخصيص الأموال العامة، تؤدي (مع الإعفاءات الضريبية التي حصلت عليها الشركات المملوكة للجيش) لازدهار بيزنس الجيش على حساب الطبقات الدنيا والمتوسطة، وكذلك على حساب القطاع الخاص المدني، الذي يكافح من أجل المنافسة.

فعلى سبيل المثال، في نوفمبر 2019، ذكر السيسي أن مشاريع قيمتها 200 مليار دولار نفذها الجيش ضمن المشاريع الوطنية خلال السنوات الخمس الماضية، علما أن حجم الناتج المحلي الإجمالي المصري كان 303 مليارات دولار في 2019. ومن أمثلة هذه المشاريع الضخمة العاصمة الإدارية الجديدة، بميزانية تعادل 58 مليار دولار، يتم تنفيذها من قبل شركة مملوكة بنسبة 51 بالمائة للجيش و49 بالمائة مملوكة لوزارة الإسكان.

ويلعب الجيش أيضًا دورًا بارزًا في بناء البنية التحتية وصيانتها، فعلى سبيل المثال، في ديسمبر 2016، ذكر كامل الوزيري وزير النقل ورئيس الهيئة الهندسية للجيش سابقا، أن الجيش كان مسؤولا عن بناء الطرق وتطوير المشاريع التي توفر فرص عمل لأكثر من مليوني مدني وفرص عمل لأكثر من 1100 شركة. والفوائد من هذه المشاريع تذهب للجيش وليس المصري العادي، ويتم استخدام هذه المشاريع من قبل الجيش لمزيد من اختراق الاقتصاد وتخصيص الأموال العامة.

ويختم التقرير بتأكيد إن السياسات الاقتصادية والمالية التي يستخدمها النظام تعمل على زيادة الفقر وتحويل الثروة من الطبقات الدنيا والمتوسطة إلى النخب، بالإضافة إلى الطبيعة الاستبدادية للنظام، إذ أن الدعم الدولي الذي يتلقاه على شكل تدفقات رأسمالية وقروض يمكّن جهود النظام من إثراء النخبة التجارية والمؤسسات العسكرية، وكل ذلك على حساب المواطنين.

ويشير لتلقي السيسي 92 مليار دولار بين عامي 2011 و2019 كدعم مالي من الحلفاء الإقليميين ويستمر في اقتراض مبالغ كبيرة من المؤسسات الدولية، وتسمح هذه الأموال للحكومة بمتابعة المشاريع الضخمة والحفاظ على نظام ضريبي تنازلي، يسمح للأعمال المملوكة للجيش بالازدهار، وبالتالي زيادة قوة الجيش وشبكة المحسوبية، كما يحمي هذا الدعم الخارجي الجيش من الرقابة العامة التي تأتي مع زيادة الاعتماد على الضرائب كمصدر للدخل الحكومي.

ويحذر التقرير من "الآثار الخطيرة طويلة المدى لهذا النهج" إلى جانب الفقر المتزايد والحرمان الاجتماعي للمواطن العادي، ما يزيد من تحول النظام الي أكثر قمعية واستبدادية لفرض هذه السياسات القاسية. ويؤكد أن هذا "سيؤجج تصاعد المقاومة العنيفة للسلطة، حتى ولو لم تتبلور المقاومة في حركة سياسية متماسكة، ومن المحتم أن يرتفع مستوى العنف الاجتماعي، مما يؤدي إلى آثار مزعزعة للاستقرار على المدى الطويل. أيضا سيؤدي توسع الشركات المملوكة للجيش لزيادة الضغط على القطاع الخاص المدني حيث يكافح من أجل التنافس مع العملاق العسكري، وسيكون لهذا آثار هيكلية طويلة المدى على الاقتصاد والنظام السياسي سيكون من الصعب عكس اتجاهها، مما يؤدي في النهاية إلى انهيار السيسي ونظامه.

اضغط لقراءة التقرير