لماذا يلجأ “الورد اللي فتح في جناين مصر” للانتحار بزمن السيسي؟!

- ‎فيتقارير

“التخلص من الحياة” قرار صعب على كل إنسان، إلا أنه بات الحل الذي يلجأ إليه بعض المصريين وخاصة الشباب في الآونة الأخيرة، للهروب من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في ظل حكم عصابة العسكر، وسط مخاوف من تفشي تلك الظاهره داخل المجتمع المصري، في ظل استمرار تردي الأوضاع في مصر.

أرقام مرتفعة

وكان آخر ضحايا تردي الظروف المعيشية في ظل حكم العسكر إقدام تاجر أقمشة يُدعى “محمود”، يبلغ من العمر 38 عامًا، على الانتحار بمركز أبوكبير بالشرقية، بتناول حبوب حفظ الغلة السامة؛ لمروره بأزمة مالية، فيما أقدم شاب في العشرينيات من عمره بمركز المحمودية بالبحيرة على الانتحار، بعد مروره بأزمة نفسية بسبب خلافات أسرية، مستخدمًا حبوب حفظ الغلال السامة؛ حيث جرى نقله إلى مركز السموم بمستشفى كفر الدوار، إلا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة عقب وصوله إلى المستشفى.

وشهد مركز المحمودية بالبحيرة حالة انتحار طفل في المرحلة الإعدادية؛ بسبب خلافات أسرية، وجرى تشييع جنازته صباح اليوم، فيما شهد السبت الماضي قيام شاب يبلغ من العمر 17 عامًا، بالانتحار عبر إلقاء نفسه من أعلى سطح منزله بإمبابة؛ ما أسفر عن مصرعه، وذلك جراء إصابته بأزمة نفسية بسبب تردي الأحوال المعيشية، وشهد الأربعاء الماضي إقدام 4 مواطنين على الانتحار؛ حيث لقي فلاح مصرعه بإحدى قرى محافظة المنوفية، جراء إصابته بحالة تسمم نتيجة تناوله حبة حفظ الغلال؛ بسبب خلافات عائلية.

كما لقيت طالبة بالصف الثاني الثانوي بإحدى قرى مركز تلا بمحافظة المنوفية مصرعها نتيجة تناولها حبة حفظ الغلال؛ بسبب مرورها بضائقة نفسية، وهي حالة يعاني منها آلاف الشباب خوفًا من ضياع مستقبلهم وأحلامهم تحت بيادة العسكر، وفي كفر الشيخ، لقيت طالبة بالصف الثاني الإعدادي مصرعها، إثر تناولها حبة حفظ الغلال المعروفة بـ”الحبة القاتلة”، داخل منزل أسرتها بقرية شباس الشهداء، التابعة لمركز دسوق، جراء مشادة كلامية بينها وبين والدها بسبب المذاكرة.

كما أقدمت طالبة، تدعى “مروة”، بقرية “البيضا البلد بكفر الدوار” بمحافظة البحيرة، على الانتحار بتناول الحبة السامة من حبوب حفظ الغلال؛ لمرورها بحالة نفسية سيئة بسبب مشاكل أسرية، تسببت في موتها على الفور، وفي مطلع الشهر الجاري، أقدم طالب بكلية الهندسة جامعة حلوان، يدعى “نادر محمد جميل”، على إلقاء نفسه من فوق برج القاهرة، والذي يبلغ ارتفاعه 187 مترا، وذلك بسبب معاناته من الظروف المعيشية والدراسية، وسط حالة من الاستياء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ويرى مراقبون أن الأسباب التي تدفع بعض الشباب للانتحار كثيرة، منها تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتفشي البطالة وعجز الشباب عن إيجاد فرص عمل أو تكوين نفسه للزواج في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار، فضلاً عن انعدام الحريات في ظل حكم العسكر وعدم إتاحة الفرصة للشباب للتعبير عن رأيه في الشارع أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتفشي الواسطة والمحسوبية، وقصر الوظائف العليا على أبناء العاملين بالجيش والشرطة والقضاء وأبناء رجال الأعمال.

الظروف المعيشية

فعلى الصعيد الاقتصادي، تسبب تعويم الجنيه في فقدان العملة المحلية قيمتها وأرتفاع الأسعار بشكل كبير، وإغلاق العديد من المصانع أبوابها وتسريح الشباب العاملين بها، وكشف الخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام عن إغلاق 5184 مصنعًا خلال الفترة الماضية وتشريد آلاف العمال، وكتب عبد السلام، عبر صفحته على فيسبوك: إن “أسواق مصر تنكمش يومًا بعد يوم، والكساد والركود باتا يسيطران عليها، وعمليات البيع والشراء باتت شبه قاصرة على السلع الضرورية كالأغذية والأجهزة المنزلية والكهربائية، ومخازن المصانع باتت تتكدس بالسلع، في ظل ضعف الطلب المحلي وربما الخارجي مع ضعف أسواق التصدير الرئيسية خاصة ليبيا والعراق والسودان، وانخفاض الطلبات الجديدة وتراجع فرص العمل والتوظيف”.

وأشار عبدالسلام إلى أن “بعض المصانع ومؤسسات الإنتاج باتت تغلق أبوابها وتطفئ أنوارها وتوقف تدريجيا ماكيناتها وتروسها ودوام موظفيها، في ظل تكدس الإنتاج وصعوبة تصريفه وتسويقه وبيعه، كما تجد المصانع صعوبة في توسيع أنشطتها وأسواقها وفتح منافذ جديدة للبيع وقبلها إضافة خطوط إنتاج حديثة، والنتيجة إغلاق مزيد من المصانع والشركات الإنتاجية أبوابها وطرد عمالها أو على الأقل تقليص رواتبهم، لتنضم إلى آلاف المصانع المتعثرة منذ سنوات والتي تجاوز عددها 5184 مصنعا”.

وحول أسباب حالة الكساد والركود، أوضح عبد السلام أن من أبرزها على الإطلاق السياسات الحكومية التي تطبق منذ سنوات وتسببت في انهيار القدرة الشرائية لأغلب المواطنين، وسحب ما تبقى من سيولة نقدية كانت متوافرة لديهم، وتراجع معدل الادخار في المجتمع، خاصة عقب تعويم الجنيه المصري في نهاية العام 2016، وزيادة كلفة الإنتاج بسبب رفع الحكومة أسعار الوقود والكهرباء والرسوم والضرائب بشكل مستمر، إضافة إلى عوامل أخرى، منها زيادة معدل الفقر والبالغة أكثر من 32% من اجمالي عدد السكان، وهو ما يعني وجود أكثر من 32 مليون مصري فقير، حسب الأرقام الرسمية، وانتشار الفقر المدقع مع قفزات الأسعار التي لا ترحم ملايين الأسر، وانهيار عدد المنتمين إلى الطبقة المتوسطة التي كانت وقود الطلب على الأسواق والسلع، والمحرك الرئيسي في معادلة الاستهلاك”.

بلا حقوق

أما على الصعيد الحقوقي، فتُملأ سجون الانقلاب بأكثر من 60 ألف معتقل، معظمهم من الشباب المصري الحالم بالحرية ومستقبل أفضل لوطنه، فيما ارتقى آلاف الشباب شهداء في ميادين الحرية وجراء التصفية الجسدية والإخفاء القسري والإهمال الطبي في السجون، وتم فصل العديد من الطلاب من مدارسهم وجامعاتهم وحرمان بعض المعتقلين من أداء الامتحانات، وصدرت أحكام بالإعدام والسجن لفترات متفاوتة ضد العديد من الشباب.

ودفعت تلك الانتهاكات المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، لمطالبة الأمين العام للأمم المتحدة والمقرر الخاص المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي، بالتدخل العاجل لإطلاق سراح المعتقلين في مصر على خلفية آرائهم المعارضة، وسرعة تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في كافة الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في مصر، وإحالة المسئولين عنها للمساءلة، مشيرة إلى أنّ المعتقلين المصريين يتعرضون للقتل البطيء في مقار الاحتجاز بسبب تفشي الإهمال الطبي وسوء الأوضاع، فضلاً عن عدم صلاحية تلك المقار لاحتجاز البشر؛ ما جعل مصلحة السجون تعلن بشكل شبه يومي عن وفاة معتقلين لأسباب مختلفة، دون فتح تحقيقات جادة في حالات الوفاة تلك من قبل أي جهة قضائية، بعد أن يتم الضغط على ذوي المتوفين لدفن الجثمان دون توجيه اتهام لإدارات مقر الاحتجاز.

وقالت المنظمة، في بيان لها: إن “عدد المعتقلين المتوفين داخل مقار الاحتجاز المصرية منذ 3 يوليو 2013 وصل إلى 775 شخصًا، بينهم 43 معتقلاً توفوا خلال العام الجاري، معتبرة أن حالات الوفيات المتكررة داخل السجون المصرية بسبب الإهمال الطبي تؤكد تعمد السلطات المصرية إزهاق أرواح المعتقلين، وهو ما يرفع المسئولية الجنائية للقائمين على إدارة مقار الاحتجاز إلى القتل العمد بالامتناع عن توفير الرعاية الصحية المطلوبة للمعتقلين المرضى والتأخر في إسعافهم”.

معدلات الانتحار

وقد شهدت مصر تزايد ظاهرة الانتحار خلال السنوات الماضية؛ حيث كشف تقرير نشرته المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان حول حالات الانتحار في مصر، عن رصد 101 حالة انتحار في مصر خلال أشهر (مارس، أبريل، مايو)؛ حيث سجل مارس أعلى نسبة بـ39 حالة، تلاه مايو مسجلا 36 حالة انتحار بطرق مختلفة، وذكر التقرير أن أعلى نسبة حالات الانتحار كانت في محافظة البحيرة؛ إذ سجلت 21 حالة انتحار خلال الشهر الماضي، تلتها القاهرة بـ10 حالات، والدقهلية 9 حالات، مشيرة إلى أن نسبة الذكور على العموم خلال الفترة بأكملها كانت 67 حالة، أما الإناث فكانت 34، لافتة إلى أن الوسيلة المفضلة لتنفيذ الانتحار لدى الذكور هي الشنق، أما الإناث فكنَّ ينتحرن في الغالب عن طريق تناول الأقراص السامة.

وأشار التقرير إلى أن شهر مايو الماضي شهد عودة حالات الانتحار بالقفز تحت عجلات مترو الأنفاق وأمام القطارات، وتناول التقرير أيضا الفئات الأكثر إقداما على حالات الانتحار؛ إذ جاءت طبقة الطلاب والعمال في المقدمة، تلتها شريحة ربات البيوت، وتراوحت أعمارهم ما بين 21 و30 عاما، وأرجع التقرير تزايد حالات الانتحار في مصر خلال السنوات الماضية لأسباب مختلفة، في مقدمتها تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي المصري؛ الأمر الذي يؤدي إلى أزمات نفسية تصيب الشخص وتدفعه للانتحار.

رؤية شرعية

من جانبه علق الدكتور عطية عدلان، أستاذ الفقة الاسلامي، على تنامي ظاهرة الانتحار، قائلاً: “أتعجبون من أن يقال في كل يوم: هذا شاب قد انتحر؟! لَكَأَنَّ كُلَّ ذرة في تراب مصر تنتحر! كيف لا؟ ومصر نفسها قد فقدت ذاتها، وأضاعت هُويتها، ولم تعد لأهلها حضنًا دافئًا ولا مستقرًّا آمنًا، ولم يعد فيها لمن يقطنها طمأنينة ولا سكن! نيلها من منابعه اختنقق، وزرعها من الظمأ ومن خطايا أولي الأمر احترق، سماؤها دخان وغبار وأخبار عن الحاضر والمستقبل تطوف في الآفاق تطواف الغربان، وأرضها من الضجر والضيق ما عادت تطيق، تكاد تلقي من يدب على ظهرها من البشر في عرض البحر أو في متسع الفلوات؛ فإذا رأيت الشباب ينتحرون فلا تتعجل بالحكم عليهم بسوء المصير؛ فإنّهم لم يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة إلا وقد أحدقت بهم المهالك من كل جانب، وأخذت عليهم كل سبيل.

وأضاف عدلان: “لا أحبذ المبالغة في الترهيب إلى الحدّ الذي يزيف الحقائق ويغير الأحكام، فليس كل منتحر يموت كافرا، وليس كل منتحر يخلد في النار، وإنّما يخلد في النار لكفره من تلبس أثناء انتحاره باعتقاد فاسد أو بما يخرج من الملة، كالسخط على قضاء الله، أمّا من غلبته نفسه، واستولى عليه اليأس من الحياة، أو الجزع مما توالى عليه من المصائب، أو الهرب من مواجهة فاجعة أو فضيحة، أو ما شابه ذلك؛ فإنّه مرتكب لكبيرة من أغلظ الكبائر، وهو من أهل القبلة، ويصلَّى عليه عند الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية، ويُدفن في مقابر المسلمين، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الصلاة عليه فإنما وقع ذلك منه على هيئة الزجر لمن تسول له نفسه أن يصنع مثل صنيعه؛ لذلك أمر الناس أن يصلوا عليه، وقد خَرَّج مسلم حديث جابر وبَوَّبَ له بقوله: (باب: الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر) وساق الحديث: عن جابر قال: “… فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم ولِيَدَيْهِ فاغفر”، وعلق النووي في شرحه للحديث قائلاً: “من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار بل هو في حكم المشيئة”.

أبناء الوطن

وتابع عدلان قائلاً: “هؤلاء أبناءَ وطننا الذين اختاروا لأنفسهم ألا يكملوا (المشوار) وفضلوا على العيش الموتَ والانتحار، هؤلاء في مشيئة الواحد القهار العزيز الغفار، ولا نظن بهم أنّهم أفضوا إلى ربهم قانطين من رحمته؛ لذلك نترحم عليهم مثلما نترحم على موتانا، وبدلا من الخوض في الغيب بلا علم ولا هدى ننظر في الأسباب والدوافع؛ ونتخذ من الحوادث منصات للانطلاق إلى التغيير المنشود، فهؤلاء لم يهدروا حياتهم عبثا، ولم يتلفوا أنفسهم لعبا ولهوا، إنّهم لم يقدموا على هذا الخطب الذي لا يوجد تحت قبة السماء ما هو أفدح منه إلا لأنّ طريق حياتهم أفضى بهم إلى نفق مسدود، وفي هذا الطريق يمضي الجيل الحرّ كله، غير أنّ الفرق فقط في مقدار صبر الإنسان وقوة احتماله، وفي هذا يتفاوت الخلق تفاوتًا عظيمًا، لذلك إن قلت إنّ هؤلاء الذين قتلوا أنفسهم لم تكن أيديهم التي باشرت الجريمة سوى الزناد الذي ضغطت عليه أصابع النظام .. إن قلت ذلك لم تكن راكبا متن الشطط”.

واستطرد عدلان قائلا: “إنّ الشيء الوحيد الذي يدفع للانتحار هو أن يستولي على المرء شعور بأنّ الموت خير من الحياة، وهذا الشعور لا يتأتى للإنسان إلا بانسداد الآفاق كافّة، وضياع الآمال جملة، وخراب الحاضر والمستقبل جميعا، وهذا هو الواقع في مصر تحت ظل الحكم العسكريّ الفاشي الفاشل، الحكم الذي يكفر بالحرية كفر سادات قريش بالقرآن، ويعادي المواطن الكريم الذي لا يحسن النفاق معادة اليهود لعباد الرحمن، ويجتهد في سرقة أقوات الناس ولا يألو، ويكاد من نهمه أن يبيع لهم الهواء الذي يتنفسونه، وأن يصادر عليهم حق النوم بالليل والسعي بالنهار”، متسائلاً: “ماذا يفعل طالب الجامعة بشهادة التخرج إذا كان سيخرج بعدها إلى البطالة والفراغ؟! وماذا عساه يصنع بما تعلمه إذا كان في النهاية سيعمل على (التوكتك أو عربة الخضار)؟! ما جدوى السعي بالليل والنهار والعشي والأسحار إذا كان الفقر له رفيقاً والدين له صديقاً؟! وكيف نفهم الإصرار على دفع فقر لا يندفع والخلاص من ديون لا خلاص منها ولا مناص؟!”.

واختتم عدلان قائلاً: “إنّنا بقتلنا لأنفسنا نقتل الأمل في قلوب النشء، ونبعث النشوة في قلوب الطغاة البغاة، ونكرس للسلوك السلبي الانهزاميّ، ونخلق صورة تراجيدية مأساوية للنرجسية، صورة غارقة في سحب من السراب الخادع، فليس على مثل هذا تبنى الأمم وتحيا الشعوب وتنجح الثورات وتشيد الحضارات، إنّما يصنع ذلك كله التحرك الإيجابيّ الواعي، مع التسلح بالإيمان والعقيدة، والله تعالى لا يخذل عباده إذا هم أخذوا بالأسباب وتوكلوا عليه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه؛ إنّ الله بالغ أمره، سيجعل الله بعد عسر يسرا).