ماذا لو زار “الغنوشي” إسرائيل واجتمع بنتنياهو بدلا من أردوغان؟

- ‎فيتقارير

“اقتلوا الغنوشي أو اطرحوه أرضًا يخلُ لكم وجه السلطة في تونس وتكونوا من بعده عبيدا لأبو ظبي والرياض وإسرائيل”، ذلك عنوان الحملة التي يشنها سياسيون تونسيون ضد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي؛ بسبب زيارة أجراها إلى مدينة إسطنبول والتقى خلالها الرئيس أردوغان، لكنهم على النقيض ربما لن يجرؤا على نقد الغنوشي لو كانت بوصلته إلى تل أبيب!.

ويبدو أن استشعار رئيس مجلس النواب التونسي راشد الغنوشي للخطر، بعد إسقاط أذرع أبو ظبي لحكومة “الحبيب الجملي” وعدم منحها الثقة في البرلمان، جعلته يدرك أطماع شيطان العرب محمد بن زايد في تونس، وبداية تحرك أذرعه ضد الشرعية والاستقرار في تونس، فسارع الغنوشي إلى تركيا التي تعد المعادل القوي ضد أطماع أبو ظبي، بقصد تنسيق الموقف لمواجهة أطماع إمارات الشرّ في تونس.

وجاءت الزيارة عقب رفض انقلاب أحزاب تمولها أبو ظبي في البرلمان التونسي، والتي رفضت منح الثقة للحكومة التي قدمها رئيس الوزراء المكلف، الحبيب الجملي، وقد كلفه حزب حركة النهضة الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة.

وفشل رئيس الحكومة المكلف في تمرير حكومة كفاءات خالية من مشاركة الأحزاب، بعد أسابيع من المشاورات، إذ صوت 134 نائبا ضد الحكومة، في حين صوت 72 لصالحها، وتحفظ ثلاثة نواب.

الأبواق الإماراتية لم تكف عن تحميل الزيارة ما لا تحتمل، ومن هذه الأبواق الأمين العام لحركة مشروع تونس، محسن مرزوق، الذي زعم أن ذهاب الغنوشي لمقابلة أردوغان “يؤكد مرة أخرى بما لا يدع مجالا للشكّ أن قرار حركة النهضة مرتبط بتوجيهات تركيا”.

 

التوقيت!

وتقمَّص مرزوق دور توفيق عكاشة وعمرو أديب ولميس الحديدي معا، أثناء الهجوم على الرئيس الشهيد محمد مرسي، قبيل انقلاب السفيه السيسي، وقال في بيان عبر موقع فيس بوك: “على أعضاء مجلس نواب الشعب الأحرار أن يسألوا أنفسهم كيف يمكن أن تتحول مؤسسة رئاسة مجلسهم في شخص رئيس المجلس إلى حالة تبعية لدولة أجنبية؟”، على حد وصفه.

بدوره زعم بوق آخر للإمارات هو القيادي بحركة تحيا تونس، مبروك كرشيد، في بيان له عبر فيس بوك، أن زيارة رئيس البرلمان السيد راشد الغنوشي إلى تركيا “هتكت الأعراف الدبلوماسية ومسّت السيادة التونسية”.

من جهته يقول المفكر السعودي مهنا الجبيل: “‏مشهد ‎تونس محزن من اتحاد أحزاب ونوّاب لتكون المعركة لإسقاط النهضة بدلا من إحياء الثورة الثانية للتنمية.. توقيت ووضعية الشيخ راشد في زيارته لتركيا في المكتب الرئاسي لم تكن موفقة، وخطأ حرج لشخصية اعتبارية”.

وتابع الجبيل: “لكن ذلك لا يبرر مطلقا تمكين مشروع الثورة المضادة، فهي ضد تونس وليس النهضة فقط، ولذلك هناك دعوت سابقة لأهمية بقاء وتنمية العلاقة بين الرئيس قيس سعيد والشيخ راشد ليس كعلاقة مع طرف حزبي، ولكن لضرورات الاستقرار الوطني بين أهم شخصيات تونس”.

والمفارقة أن أفكار الغنوشي تلقى رواجا كبيرا داخل الساحة السياسية والفكرية في تركيا، ولها مؤيدون كثر يعتبرونها نواة جديدة في المشروع الإصلاحي التركي الذي انطلق بشكل فعال بداية من سنة 2002، تاريخ تأسيس حزب العدالة والتنمية وحتى وصوله إلى سدة الحكم.

 

فكر الغنوشي

ومن جهة أخرى نجد أن فكر الغنوشي الذي ولد في تونس وترعرع في الغربة بعيدا عن الوطن بسبب هيمنة قوى الاستبداد وتسلّط الدولة لا يعرفه التونسيون بالقدر الكافي، ولم يستوعبوا منهجه الإصلاحي بشكل واضح، بل تعرّض إلى هجمة شرسة من قبل بعض النخب السياسية ذات الأيدولوجيات المختلفة، واعتبروا أفكار الشيخ الغنوشي أفكارا رجعية ظلامية معادية للحداثة والتقدمية.

وقد تعرّض الغنوشي لهجمة شرسة من قبل “بن علي” ووسائل إعلامه المتحالفة معه من يساريين وعلمانيين وقوميين، ممّن وجدوا الفرصة في شن حملات ممنهجة حاولت بكل الطرق أن تمنع تسرب هذا الفكر إلى الأجيال الصاعدة في تونس.

بل تحوَّل الغنوشي في عهد بن علي إلى رمز الإرهاب والرجعية والظلامية، مما حرم شرائح كبيرة من المجتمع من الاطلاع على فكر هذا الرجل الذي قضى حياته في المنفى ينحت من عقله أفكارا كانت سببا في تنمية تركيا الجديدة، وحرمت منها تونس التي ما زالت إلى يومنا هذا تعيش حالة انتكاسة من جراء تلك النخب السياسية المهترئة، التي لم تكن تؤمن بحرية التفكير، ولا تعترف برجالات فكرها، خصوصا إذا كانوا أصحاب مرجعية إسلامية.

وأدلى نائب تونسي بكلمة مؤثرة تحت قبة البرلمان التونسي، في الجلسة العامة للمصادقة على الحكومة، مستعينا بأبيات شهيرة للشاعر محمود درويش، وقرأ “صبحي صمارة” أبياتا للشاعر محمود درويش، ليعبر عن حالة الانقسام التي تعاني منها تونس.

وقال النائب مخاطبًا الحبيب الجملي: “أنت مشبع بثقافة ريفية أساسها الكلمة الصادقة والوعد الحر، لذلك سأقول إن المهمة شبه مستحيلة لعبور الحكومة، وإن البلاد تشتتت”.

ولكنه أضاف بأبيات أخرى لدرويش بعنوان “سنكون يوما ما نريد”، مضيفا للجملي: “قرار إسقاط حكومتكم أُخذ بقرار خارجي من خارج تونس”، وتناول تعليقا لضاحي خلفان من الإمارات، الذي قال فيه: “ستسقط حكومة الإخوان”.