متى يصل العالم إلى القاع؟

- ‎فيمقالات

بات الجميع يسأل بنفاد صبر: متى يصل العالم إلى القاع ويتم طيّ صفحة أزمة وباء كورونا التي تعدّ الأعنف مقارنة بأزمات سابقة، مثل الكساد العظيم 1929، وقبلها أزمة الإنفلونزا الإسبانية 1918، وبعدها أزمات عدة أخطرها الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي أطاحت ببنوك كبرى منها العملاق المصرفي ليمان براذرز، رابع أكبر بنك استثمار في أميركا؟
السائلون كُثر، الساسة حول العالم، المسؤولون عن رسم السياسات المالية والاقتصادية والنقدية والصحية، رجال أعمال أصحاب منشآت إنتاجية تعرضت للشلل، أسواق مال وبورصات يريد مستثمروها التقاط الأنفاس من الخسائر المتواصلة التي تعرّضوا لها منذ بداية تفشي الوباء.

بنوك وقطاعات مالية تواجه خطر تعثّر القطاعات الاقتصادية، وهو ما يؤثر سلبا على مراكزها المالية وقد يطيح بها، شركات سفر وطيران وشحن وحج وعمرة، محطات وقود تراجع الطلب عليها بشدة بسبب توقف حركة السيارات.
مصانع أغلقت أبوابها بسبب توقف سلسلة الإمدادات ونقص السلع الوسيطة والمواد الخام وعدم وجود طلب على المنتج مع تراجع الصادرات.
والأهم عمال وموظفون أعيتهم قرارات قطع الرزق والتسريح والفصل ووقف الرواتب، أو على الأقل خفضها وتقليص ساعات العمل.
وفي مقدمة العمالة المتضررة من الوباء تأتي فئات العمالة “السرّيحة” وغير المنتظمة، والبائعة الجائلون، وعمال توصيل الوجبات السريعة للمنازل، وعمال البناء وسائقو المركبات الصغيرة كالتوك توك، وخدم المنازل.

كل هؤلاء وغيرهم أعيتهم قرارات فرض حظر التجول الليلي والإغلاق الكلي أو الجزئي للأسواق، وتوقف حركة الإنتاج، وفرض قيود على حركة الأفراد والبضائع والشاحنات.
في بداية أزمة كورونا تم تقدير خسائر الاقتصاد العالمي ببضعة مليارات من الدولارات، ثم تم رفع الرقم فجأة إلى 170 مليار دولار مع انتشار الوباء في الصين، ثم إلى تريليون دولار ثم 5 تريليونات.

والآن بتنا نتكلم عن خسائر تقدر بنحو 9 تريليونات دولار، ولا يزال القوس مفتوحا لإضافة المزيد من الخسائر المالية، إضافة إلى الخسائر البشرية، وهي الأخطر، وكذا خسائر العمال، فهناك 1.25 مليار عامل يواجهون مخاطر عالية، منها التسريح وخفض الرواتب، إضافة إلى 3.3 مليارات عامل تأثروا بالفعل نتيجة إغلاق أماكن عملهم بسبب قرارات الدول إغلاق الاقتصاد والمصانع لتفادي انتشار كورونا.
وعربياً، انضم 8 ملايين مواطن إلى شريحة الفقراء، بسبب تداعيات كورونا الخطيرة على الاقتصاد والدخول، ليرتفع العدد إلى 101.4 مليون فقير، إضافة إلى 52 مليونا يعانون أصلا من نقص في التغذية، وملايين أخرى ينتمون للفقر المدقع الذين يواجهون صعوبة في تناول وجبة يومياً وليس ثلاث وجبات كما يفعل من حولهم. وهناك 5 ملايين عامل عربي تضرروا بشكل مباشر من أزمة وباء كورونا.

الآن، نحن على أعتاب مرحلة جديدة، وهي إقدام العديد من دول العالم على إعادة فتح الاقتصاد وتشغيل المصانع وتدوير عجلة الإنتاج، لقناعات ومبررات متباينة لدى الحكومات.
منها مثلا أن الاقتصاد يمكن أن ينهار خاصة مع طول فترة كورونا، أو أنه يمكن التعايش مع الوباء ومحاصرته كما قالت ألمانيا، أو أن كورونا يمكن أن يتسبب في مجاعة غير مسبوقة، وبالتالي نحن محاصرون بين خطرَي الموت جوعا أو الموت مرضا، أو أن حزم التحفيز الضخمة والتريليونات التي تم ضخها في الأسواق لا تكفي للحيلولة دون انهيار القطاعات الاقتصادية طالما أن الإنتاج بقي معطلا.

ومع وصول معظم دول العالم إلى قناعة ضرورة تشغيل الاقتصاد وعدم التأخر في هذه الخطوة، فإن على الحكومات أن توفر وسائل الحماية الكافية للعمال حتى لا نتعرض لمزيد من الخسائر البشرية، وعليها أن تجبر أصحاب المصانع على تطبيق مبدأ المباعدة الاجتماعية وتوفر أدوات الوقاية من كمامات وقفازات وتعقيم وغيرها، للحفاظ على أرواح هذه الثروة البشرية.
نقلا عن “العربي الجديد”