حالة من الإلحاح المكثف تقوم بها الآلة الإعلامية لنظام انقلاب 3 يوليو 2013م للترويج لما تسمى بإنجازات نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي؛ فلا تكاد تخلو الفواصل الإعلانية في جميع فضائيات النظام الإخبارية والدرامية والدينية من فقرات إعلانية تتحدث عن الطرق والكباري والتجمعات السكانية الجديدة والمدن التي بناها النظام مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين وتفريعة قناة السويس.
ويمكن رصد حالة من الصدمة عند رأس النظام وأركانه؛ لأن الشعب لا يرى هذه (المشروعات القومية الكبرى)؛ ويعزو السيسي أسباب هذا الإنكار الشعبي لإنجازاته لحملات التشكيك المستمرة التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين والآلة الإعلامية التابعة لها؛ والكارهين والمتربصين بمصر على حد زعمه والذين يصفهم باستمرار بـ"قوى الشر".
وجاءت تصريحات رئيس الانقلاب الأخيرة خلال تفقده الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا بمدينة برج العرب بالإسكندرية، الأربعاء 16 سبتمبر 2020م لتؤكد أن السيسي وصل إلى مرحلة من الهذيان يصعب الشفاء منها؛ حيث هاجم "قوى الشر" المزعومة، مدعيا أن هدفها هو إسقاط الدولة. وأضاف أن المصريين يعرفون قوى الشر وأن انتقادها للدولة ليس من أجل المصلحة، بل من أجل هدم الدولة وإسقاطها. ويتزامن ذلك مع يقين شبه مطلق لدى قطاعات واسعة من المصريين أن السيسي شر الناس وهو مصدر البلاء والخراب على مصر وشعبها وأن الخلاص منه هو خلاص من حكم عسكري سلطوي يفوق في ظلمه وطغيانه أعتى صور الاحتلال في العالم. فالإنجليز احتلوا مصر 70 سنة ولم يرتكبوا المظالم والمذابح التي فعلها السيسي ولم يفرضوا الضرائب الباهظة كما فعل السيسي الذي وصل إلى مرحلة من الجنون بهدم بيوت الناس فوق رؤوسهم.
ويمكن رصد الملاحظات الآتية:
أولا، السيسي ومنظومته الأمنية والحكومية والإعلامية يتجاهلون بشكل مطلق أن جميع ما أنجزه السيسي خلال السنوات الماضية جرى بقروض ضخمة كان يمكن بها بناء مصر بالكامل من الألف إلى الياء؛ فالسيسي وحده اقترض خلال السنوات السبع الماضية ثلاثة أضعاف ما اقترضه كل حكام مصر منذ العهد الملكي، وارتفع حجم الديون الخارجية من 43 مليار دولار إلى 130 مليارا بنهاية يونيو 2020م. والديون المحلية من 1.3 تريليون جنيه إلى نحو 5.5 تريليونا. حتى وصل فوائد وأقساط هذه الديون إلى 90% من جملة إيرادات الدولة وهي كارثة عظيمة تعصف بكل إنجاز يدعيه السيسي وعصابته.
ثانيا، يصر السيسي باستمرار على استخدام التدليس والتلبيس؛ ويصر على وصف نظامه بالدولة وأن الرفض لنظامه هو رفض للدولة ومعارضته معارضة للدولة؛ وبالتالي فإن السيسي يرى نفسه مصر والمس به أو انتقاده هو مس بمصر وعداء لها؛ وهو تدليس فج لا تقوم به إلا النظم التي وصلت إلى مراحل متقدمة في الاستبداد والطغيان؛ وهذا مرض عضال لا براء منه إلا بالخلع. وقد عبر السيسي عن هذا الجنون عندما هدد بنزول الجيش لإبادة آلاف المخالفات بجميع القرى والمدن المصرية مدعيا أنه على استعداد لإقامة استفتاء على بقائه إذا رفض الشعب جنونه وسفههه زاعما أن من سيأتي بعهده سيخرب البلاد؛ معنى ذلك أن السيسي لا يرى أحد قادرا على حكم البلاد سواه، وأنه وحده من بين المائة مليون من يملك مفاتيح حل مشاكلها المستعصية رغم أنه منذ سبع سنوات فاقم كل شيء ومارس تخريبا لمصر يحتاج إلى عقود لإصلاحه.
ثالثا، اعتراف السيسي بأن الشعب لا يرى هذه الإنجازات والمشروعات القومية الكبرى وغضبه بسبب ذلك بحسب تصريحات سابقة للإعلامي الأمنجي أحمد موسى واتهام السيسي للإعلام المناوئ له الذي يبث من الخارج بأنه السبب في عمليات التشكيك المستمرة في هذه المشروعات هو بحد ذاته برهان على التأثير الواسع لإعلام الثورة والشرعية وأن بات رقما صعبا في المعادلة وله تأثير كبير على صناعة الرأي العام داخل مصر بما يمهد الطريق نحو موجة ثورية جديدة تحرر البلاد من الظلم والطغيان وتؤسس لنظام جديد ينعم فيه أبناء مصر كلهم بالحرية والكرامة والإنصاف، وتحرير القرار الوطني من الخضوع المستمر للخارج وإنهاء الوصاية الأمريكية الإسرائيلية الخليجية على صناعة القرار المصري وحماية ثرواتنا من النهب المنظم الذي تمارسه النخبة العسكرية الحاكمة.
رابعا، يتجاهل إعلام السيسي الإنجازات الكبرى الحقيقية للسيسي ونظامه؛ وأهمها وصول سعر صرف الدولار إلى 16 جنيها من 8 جنيهات قبل 2016م، وما تلى ذلك من غلاء فاحش طال كل شيء فالسائق يشتري اليوم لتر البنزين بـ6.5 جنيهات وكان قبل 3 يوليو 2013م يشتريه بجنيه واحد. وكان يركب جميع محطات المترو بجنيه واحد واليوم بـ10 جنيهات، وكان يدفع 100 ج لفاتورة الكهرباء واليوم تصل إلى"600" جنيه، وفاتورة المياه كانت بـ20 جنيها واليوم بمائة جنيه، وكشف الطبيب كان بثلاثين جنيها في المتوسط واليوم وصل إلى 150 جنيها. وحصة الدروس الخصوصية كانت بخمسة جنيهات واليوم وصلت إلى 25 جنيها في المتوسط. وإيجار الشقة ارتفع من 1000جنيه إلى 2000 جنيه، كل شيء غلى ثمنه هذه هي الإنجازات التي يلمسها المواطن ويكتوي بنيرانها كل يوم وهو يلعن السيسي ونظامه وجيشه ويتطلع إلى اليوم الذي يتخلص فيه من هذا الطاغية المعتوه ونظامه العسكري الذي تحول إلى سلطة احتلال لا هم لها سوى مص دماء الناس ونهب جيوبهم باستمرار وصولا إلى هدم منازل المواطنين فوق رؤوسهم إلا لم يدفعوا إتاوات باهظة بقانون جرى سنه ينطوي على عوار دستوري كبير.
خامسا، هذيان السيسي عن "قوى الشر" يأتي قبل أيام قليلة من دعوة التظاهر في 20 سبتمبر 2020م للمطالبة برحيل السيسي وإنقاذ البلاد. وهي الدعوة التي أطلقها المقاول محمد علي ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. ودعا "علي"، في تدوينة له على موقع "الفيسبوك"، الشعب المصري للتظاهر مُجددا، قائلا: "انزل 20 سبتمبر.. ثوره شعب مقهور ومظلوم"، مطلقا على تلك الاحتجاجات المرتقبة شعار "ثورة شعب". وتصدر وسم "#انزل_20_سبتمبر" الذي دشّنه محمد علي قائمة أعلى الهاشتاغات رواجا في مصر عبر موقع "تويتر". ودعا نشطاء للكتابة على جدران المباني في الشوارع وعلى العملات الورقية عبارات تطالب بإسقاط النظام الحاكم، ومنها "#مش_عاوزينك_ياسيسي"، و"#انزل_20_سبتمبر"، و"#ارحل".