مقتل جورج فلويد بين العنصرية الأمريكية والعنصرية العربية.. دروس مستفادة

- ‎فيتقارير

الدرس الأهم في أحداث أمريكا بعد مقتل "جورج فلويد" الأمريكي من أصول إفريقية على يد عناصر من شرطة ولاية مينيابوليس، أنه لا يوجد أمريكي واحد سواء في الحكومة أو المعارضة أو من عامة الناس ــ كما يحدث في مصر وبلاد العرب ــ  جاهر بتبرير الجريمة أو حاول اختلاق الذرائع لتبرير سفك دماء مواطن أمريكي أسود سُجن من قبل في جريمة سرقة سنة 2007م.

لم يرفع أمريكي واحد لافتة الإرهاب المزعوم لتبرير الجريمة، ولم يقل أحد إنه "سوابق" لاختلاق ذريعة للشرطة؛ بل إن مقتل فلويد أدى إلى اشتعال موجات الغضب الأمريكي في أكثر من 25 ولاية أمريكية احتجاجا على مقتله في 25 مايو الماضي، والجميع في أمريكا بدءا من الرئيس الأحمق دونالد ترامب حتى أصغر موظف أو مواطن أمريكي، يعترفون بخطأ ما جرى وضرورة معاقبة القتلة من الشرطة، وبالفعل تم فصل عناصر الشرطة الأربعة المشاركين في الجريمة تمهيدا لمحاكمتهم.

أمريكا عنصرية.. نعم. هذا صحيح، أمريكا تأسست على العنصرية البغيضة وقتل عشرات الملايين من الهنود الحمر الذين كانوا يقطنون أمريكا قبل احتلال البيض الأوروبيين لها قبل عدة قرون، هذا أيضا صحيح. لكن الجميع بلا استثناء يقرون بجريمة مقتل "فلويد" ويطالبون بالعدالة، وربما يكون هذا هو العاصم لبلادهم من التفكك والتمزق والانحلال.

فهناك قانون وهناك مؤسسات قادرة على تأديب عناصر الشرطة المنحرفة؛ وهناك قضاء مستقل قادر على إقامة ميزان العدل بين الجميع؛ وهو أكبر ضمانة لأمن واستقرار الولايات المتحدة الأمريكية حتى لو كانت تعج بعنصرية بغيضة في نفوس ملايين العنصريين المؤيدين لترامب واليمين المتطرف؛ فسيادة القانون على الجميع دون استثناء كفيل بردع هذه النوازع الشريرة، فلا تجد لها إلى المجتمع سبيلا.

فماذا يحدث في بلادنا؟ ماذا يحدث في مصر وبلاد العرب والمسلمين؟ وماذا لو حدثت مثل هذه الجريمة في بلادنا؟ هل كان يسمع بها أحد؟!

ورغم أنه لا يوجد كتاب مقدس على وجه الأرض شدد في تحريم قتل النفس كالقرآن الكريم، {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، ويعد حفظ النفس من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، ورغم التهديد الشديد في القرآن الكريم إلا أن المسلمين يستبيحون دماء بعضهم، ويسترخص حكامهم قتل الآلاف وربما الملايين دون حساب أو مساءلة!.

ورغم تشديد النكير من الرسول "ص" في حجة الوداع، «فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا في بلَدِكم هذا في شهرِكم هذا، وستَلقَون ربَّكم فيسألُكم عن أعمالكم، فلا ترجِعوا بعدي كفّارًا يضربُ بعضكم رقابَ بعض»، وقوله أيضا (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.. كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله)، إلا أن الطاغية عبد الفتاح السيسي ارتكب أكبر مذبحة جماعية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وسفك دماء الآلاف في رابعة والنهضة ومصطفى محمود بعد انقلابه المشئوم في منتصف 2013م وأجهض الديمقراطية واعتقل الرئيس المنتخب، وغيرها من الجرائم الوحشية طمعا في السلطة والحكم.

ورغم عشرات الملايين الذين جاهروا برفض هذه الجرائم اتساقا مع الفطرة السوية والمنطق السليم؛ إلا أن طاغية العسكر وجد قطعانا من الناس انعدمت لديهم الإنسانية وراحوا يصفقون للقتلة ويبررون  جرائم السيسي الوحشية، وترى في ظلمه وطغيانه بطولة منقطعة النظير. 

وترى الشيخ المعمم ممسكا بمسبحته يسبح لله مرة وللسيسي ألف مرة، يفتيه باسترخاص الدماء وقتل المسلمين لأنهم "ناس نتنة لا يستحقون مصريتنا". وحتى اليوم لا يزال السيسي وجيشه وشرطته يمارسون سفك الدماء الحرام ويستبيحون دماء الناس ويجدون من ورائهم آلة إعلامية جبارة، ومؤسسة دينية مليئة بعمائم الزور تقنع الناس بهذه الجرائم الوحشية وتبرر سفك الدماء واستباحة الأعراض والأموال.

ورغم أن الرسول "ص" يؤكد أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من زوال الدنيا (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم)، إلا أن بشار الأسد قتل نصف مليون سوري وتسبب في تهجير نحو 10 ملايين آخرين، وشاهد العالم براميله المتفجرة وطائراته تقصف المدنيين فتهدم مئات القرى والمدن فوق رؤوس سكانها؛ ولا يزال حتى اليوم يجد ملايين المنافقين يطبلون له ليل نهار، وبالمثل محمد بن سلمان الذي اغتال خاشقجي بطريقة وحشية بعد أن أمنه بدخول مقر القنصلية، فإذا به يغدر به ويسفك دمه في سادية مفرطة تعكس انحطاطا في النفس ودناءه في الطبع وخسة لم نر له مثيلا.

وهناك أيضا متطرفون كتنظيم "داعش"،  القتل والتكفير عندهم أسهل من شربة ماء؛ يستحلون دماء الناس وأموالهم لأنهم لم يبايعوا خليفتهم المزعوم  يرتكبون الجرائم الوحشية دون رادع من تقوى أو خوف من الله.

فإذا كانت أمريكا تعاني من عنصرية بغيضة ضد السود والأقليات والملونين؛ فإن في بلاد العرب والمسلمين عنصرية سياسية تقوم على أساس التفريق بين من يؤيدون الحاكم ومن يعارضونه، فالموالي لهم كل الحقوق والامتيازات، والمعارضون ليس لهم سوى القتل والسجن والتشريد ومصادرة الأموال.

ستبقى أمريكا إن أقامت العدل، وستزول إن فرطت فيه ومكنت العنصرية من بلادها، وستزول بلادنا بظلم حكامها وجهل بعض شعوبها، وصدق الإمام ابن تيمية عندما قال "إن الله ليقيم الدول العادلة لو كانت كافرة ويمحق الدولة المسلمة لو كانت ظالمة". فبقاء الدول وزوالها ليس مرهونا بلافتات الدين المصطنع، بقدر ما تقوم وتبقى على ميزان الحق والعدل بين الناس دون تفريق أو تمييز أو عنصرية.