مكانة متميزة للولايات المتحدة باقتصاد مصر

- ‎فيمقالات

تتعدد أشكال العلاقات الاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، ما بين تجارة سلعية وتجارة خدمية خاصة بالسياحة والنقل والخدمات الترفيهية والمالية وغيرها، والاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، وتحويلات العمالة ومرور السفن الأمريكية في قناة السويس، والمعونات والقروض.

وتعطي بعض بيانات نصيب الولايات المتحدة من بعض تلك المؤشرات الاقتصادية الخاصة بمصر؛ صورة غير دقيقة عن التأثير الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية بالاقتصاد المصري، حيث يصل نصيب السياحة الواصلة لمصر من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى مجمل السياحة الواصلة لمصر من دول العالم خلال السنوات العشر الأخيرة، ما بين 1.6 في المئة إلى 3.4 في المئة كأعلى نسبة عام 2016.

كذلك تراجع نصيب السفن الحاملة للعلم الأمريكي العابرة لقناة السويس، خلال السنوات العشر بين عامي 2009 و2018، من 3.2 في المئة عام 2009 إلى 1.1 في المئة عام 2018، بسبب انخفاض عدد تلك السفن من 565 سفينة عام 2010 إلى 207 سفينة عام 2018.

أيضا انخفاض قيمة الدين الأمريكي لمصر من 5.5 مليار دولار بنهاية عام 2001، إلى 862.5 مليون دولار بنهاية 2019، مما أدى لتراجع النصيب النسبي للدين الأمريكي لمصر إلى مجمل ديون مصر الخارجية من دول العالم، من حوالي 20 في المئة عام 2001 إلى نسبة 8 بالألف، أي أقل من 1 في المئة عام 2019.

تراجع المعونات الأمريكية الاقتصادية

وتراجعت المعونات الأمريكية الاقتصادية السنوية لمصر من 1.3 مليار دولار عام 1986، وأكثر من مليار دولار عام 2002، إلى 133 مليون دولار عام 2016، و173 مليون دولار عام 2017 و234 مليون دولار عام 2018.

كذلك انخفض النصيب النسبي للاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لمصر من الولايات المتحدة، إلى مجموع تلك الاستثمارات الواردة لمصر من بلدان العالم خلال السنوات الأخيرة، من نسبة 16.5 في المئة عام 2010 إلى 7.8 في المئة عام 2019، نتيجة انخفاض تلك الاستثمارات الأمريكية من 2.3 مليار دولار عام 2014، إلى 1.4 مليار دولار عام 2019 حسب بيانات المصرف المركزي المصري.

إلا أن الصورة الحقيقية أعمق من تلك المؤشرات، فإذا كانت قيمة الدين الخارجي الأمريكي قد اتجهت للتراجع المتواصل، منذ عام 2001 وحتى العام الماضي نتيجة سداد أقساط ذلك الدين، فإن الولايات المتحدة والدول الغربية بما لها من نفوذ داخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كانت وراء سخاء القروض التي منحها كلا من الصندوق والبنك الدولي لمصر.

بل وقروض بنك التنمية الأفريقي لمصر بما لها من قوة تصويتية به، وشراء صناديق استثمار أمريكية للسندات المصرية التي تم طرحها بالأسواق الدولية، وشراء مؤسسات مالية أمريكية أذون وسندات الخزانة المصرية التي تصدر لسد عجز الموازنة المصرية.

أما عن تراجع قيمة المعونات الاقتصادية الأمريكية لمصر، فإنه لم يصحبه خفض بالمعونة العسكرية السنوية منذ عام 1979، والتي ظلت تتخطى المليار دولار سنويا منذ عام 1986 وحتى عام 2013، ورغم انخفاضها إلى 274 مليون دولار عام 2014، بل وإلى 197 مليون دولار عام 2017. فقد عادت لتخطى حاجز المليار دولار في العام التالي بالمرتين، لتصل إلى 1.3 مليار دولار عام 2015 وإلى أكثر من مليار دولار عام 2018.

سعر الدولار وقيمة الدين والاحتياطي

كما أن المعونات الخليجية السخية لمصر عامي 2013 و2014، بعد مرحلة تولي الجيش السلطة، لم تكن لتتم لولا سماح الولايات المتحدة بذلك، وهو ما ينطبق على الودائع التي قدمتها الدول الخليجية الثلاث (السعودية والإمارات والكويت) لمصر، لتدعيم الاحتياطيات من النقد الأجنبي وللحفاظ على استقرار سعر صرف الجنيه المصري.

ويظهر النفوذ الأمريكي في مجال الاستثمار والتجارة المصرية من خلال بعض المواقف، حيث تسببت الاعتراضات الأمريكية في تأخر تنفيذ روسيا لمحطة نووية في مصر منذ سنوات، مما دعا الرئيس الروسي لربط عودة السياحة الروسية لمصر بإنشاء تلك المحطة. كما أشار تصريح الرئيس السوداني السابق عمر البشير، إلى أنه كان قد عرض على الرئيس المصري مبارك منحه مليون فدان في السودان لزراعتها قمحا، ورد الرئيس مبارك عليه بأن ذلك يغضب الأمريكان، مما دفعه لعدم قبول العرض السوداني.

أيضا الاعتراض الأمريكي على وجود استثمارات مصرية بكوريا الشمالية وتوسيع التعاون معها، والضغوط الأمريكية على مصر لتحجيم علاقتها الاقتصادية بإيران منذ قيام الثورة الإيرانية وحتى الآن، كما تم التصريح – بإيعاز غربي – عن سوء حالة القمح الروسي خلال أواخر فترة حكم الرئيس مبارك، لتقليل كميات استيراده منها لحساب استيراده من دول غربية.

ويأتي التأثير الأمريكي الأكبر بصورة غير مباشرة، ففي مجال الدين الخارجي المصري، فقد شكل الدولار الأمريكي نسبة 63 في المئة من بين 16 عملة لذلك الدين بنهاية العام الماضي، ومن هنا فإن أي تغير لسعر صرف الدولار الأمريكي ارتفاعا أو انخفاضا بالأسواق الدولية، يؤثر على قيمة الدين الخارجي المصري، ونفي التأثير على قيمة الاحتياطيات المصرية من العملات الدولية في ظل استحواذ الدولار الأمريكي على النسبة الأكبر منها.

وتشير بيانات وزارة الخارجية المصرية لوجود 981 ألف مصري بالولايات المتحدة الأمريكية بنهاية عام 2016، إلا أن بيانات البنك الدولي تشير لبلوغ العمالة المصرية في الولايات المتحدة الأمريكية 182 ألف شخص بنهاية عام 2017، مقابل حوالي ستة آلاف أمريكي يعملون بمصر. وشكلت تحويلات العمالة المصرية في الولايات المتحدة نسبة 5 في المئة من مجمل تحويلات العمالة الواصلة لمصر، من بلدان العالم ما بين عامي 2013 وحتى 2017 حسب البنك الدولي.

فائض تجاري أمريكي مع مصر

وتظل العلاقات التجارية السلعية أبرز أوجه التعاون الاقتصادي بين البلدين، نظرا لكبر قيمتها بالمقارنة بباقي أوجه التعاون من استثمارات وسياحة وخدمات نقل وتحويلات للعمالة المصرية بالولايات المتحدة لمصر وديون أمريكية لمصر، إلا أن تلك التجارة تحقق فائضا دائما للولايات المتحدة منذ عام 1985 وحتى العام الحالي بلا انقطاع.

وبلغ ذلك الفائض في عام 2019 نحو 2.3 مليار دولار حسب البيانات الأمريكية، كفرق بين صادرات أمريكية لمصر بلغت 5.5 مليار دولار، وواردات أمريكية من مصر بلغت 3.2 مليار دولار، بينما بلغ ذلك الفائض الأمريكي حسب البيانات المصرية لنفس العام، ثلاثة مليارات دولار كفرق بين صادرات مصرية بلغت 2.2 مليار دولار، وواردات من الولايات المتحدة بلغت حوالي 5.1 مليار دولار.

ولتعزيز الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة طالب رجال الأعمال المصريون منذ عقود، عبر تنظيماتهم المشتركة مع الجانب الأمريكي، بإنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والولايات المتحدة، أسوة بما تم بين الولايات المتحدة وكل من إسرائيل والبحرين والمغرب وسلطنة عمان والأردن، إلا أن الولايات المتحدة لم ترحب بذلك واستبدلتها باتفاقية الكويز التي تم توقيعها أواخر عام 2004، لدمج الاقتصاد المصري بالاقتصاد الإسرائيلي، حيث تسمح بدخول المنتجات المصرية للولايات المتحدة بدون جمارك، بشرط احتوائها على مكونات إسرائيلية كانت نسبتها 11.5 في المئة ثم تم خفضها منذ عام 2007 وحتى الآن إلى 10.5 في المئة، وهي الاتفاقية التي لم تنجح سوى في مجال تصدير الملابس المصرية للولايات المتحدة، لكنها لم تحقق نجاحا في باقي القطاعات السلعية، لكنها ساهمت في زيادة قيمة الصادرات المصرية للولايات المتحدة وتقليل حدة العجز التجاري معها.

وتبدو المكانة المتميزة للولايات المتحدة بالتجارة الخارجية المصرية، حيث كانت الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول لمصر عامي 2010 و2011، ورغم تراجع موقعها إلى المركز الثاني في السنوات الثلاث التالية، بل وإلى المركز الثالث والرابع بعد ذلك، إلا أنها عادت لاحتلال المركز الثاني بعد الصين منذ عام 2018 وحتى العام الحالي، حسب بيانات التجارة الخارجية المصرية في الشهور الثمانية الأولى من عام 2020.

ورغم تذبذب مركز الولايات المتحدة في قائمة الدول التي تصدر إليها مصر منتجاتها خلال السنوات العشر الأخيرة، ما بين المركز الثالث وحتى السادس، إلا أنها استطاعت أن تفوز بمكان الصدارة في العام الماضي. أما مركزها في قائمة دول الواردات المصرية خلال السنوات الأخيرة، فقد تراوح ما بين الأول خلال عامي 2010 و2011، ثم إلى المركز الخامس عام 2017، لكنها استطاعت العودة للمركز الثاني بعد الصين في العام الماضي.
——–
نقلاً عن "عربي21"