منظومات “العمل” و”التعليم” عن بُعد.. فشل بمصر يتحمل مسئوليته العسكر

- ‎فيتقارير

ارتباك وعشوائية وبنية تحتية منهارة، يتحمل مسئوليتها السيسي وعساكره المنقلبون على إرادة المصريين، والذين أدمنوا العمل لمصالحهم فقط، مهملين أسس حياة المصريين من صحة وتعليم وبنية تحتية وغيرها من مناحي الحياة.

ووسط تهليل وحملات تطبيل يقودها إعلام العسكر للتعمية والتشويش والهروب من المسئولية، عن تردي المستويات التعليمية في مصر والتي يفاقمها وباء كورونا، الذي دفع حكومة السيسي إلى الذهاب لخيار التعليم عن بعد، وهو خيار معمول به في كل دول العالم منذ عقود، إلا أن البنية التحتية للاتصالات والإنترنت والنظم التعليمية وكوادر إدارة العملية التعليمية فضحت الأمر، وحولت التعليم عن بعد– كبقية جوانب حياة المصريين- إلى كارثة وأضحوكة ومعاناة يومية لعموم الشعب المصري.

ووسط تضارب ومطالبات شعبية بتوضيح مصير الطلاب في مصر، تضاربت تصريحات وإجراءات وزارة التربية والتعليم، والتي تراوحت بين عمل أبحاث تارة، ثم الحديث عن التعليم عن بعد، واستكمال الدروس عبر مواقع الوزارة أو القنوات التعليمية وغيرها تارة أخرى، إلى أن أعلن طارق شوقي، اليوم، عن نهاية العام الدراسي، قائلا: “بالنسبة لنا كوزارة السنة انتهت”.

وأضاف، في تصريحات تلفزيونية، الأحد، أن الوزارة استطاعت توفير المادة التعليمية “أونلاين” عبر المنصات التعليمية واستخدام التكنولوجيا في توفير المعلومات للطلاب”.

ولفت إلى أن الوزارة نجحت في إنشاء 650 ألف فصل افتراضي على منصة “أدمودو”، لكي يتواصل الطلاب والمعلمون عن بعد عبر شبكة الإنترنت.

وكشف “شوقي” عن أن هناك مليون طالبٍ انضموا بالفعل لمنصة “أدمودو”، مشيرًا إلى أن العدد سيصل إلى 17 مليون طالب، على آخر الأسبوع الجاري، حسب قوله.

وتابع أن المعلمين سوف يتولون تشغيل هذه الفصول الافتراضية أثناء وجودهم في المنازل، وسيدعون الطلاب إلى الانضمام إلى هذه الفصول الافتراضية.

وكانت مصر قد أعلنت، منتصف مارس الماضي، عن تعليق الدراسة في الجامعات والمدارس لمدة أسبوعين، للتعامل مع تداعيات فيروس “كورونا”.

ولاحقا، أعلنت الوزارة أنها لن تعقد امتحانات للطلاب، وأنها ستستبدلها بأبحاث يقدمها الطلاب عبر المنصة الإلكترونية.

فشل منظومة “العمل عن بُعد”

بجانب التعليم، باءت تجربة “العمل عن بعد” لبعض المؤسسات الحكومية، وهو ما يفضح حكومة السيسي وشعاراتها البراقة في حملات التطبيل للسيسي، من عينة التكنولوجيا والتطور، والإنترنت فائق السرعة، والتطور والتكنولوجيا، وتوفير التابلت.. وغيرها.

وكانت دراسة صادرة عن مجلس الوزراء الانقلابي، عام 2019، ذكرت أن تجربة العمل عن بُعد في مصر مختلفة إلى حد كبير، فمؤسسات القطاع العام التي تستحوذ على القسم الأكبر من القوة العاملة، ستجد صعوبة في تطبيق نظام العمل من المنزل، نظرًا لأن بيروقراطية الدولة تقتضي أن يتواجد الموظف في مكتبه ساعات محددة غالبًا بغض النظر عن حجم الإنتاجية، كما أن الدولة ستجد صعوبة في تطبيق هذا النظام حتى لو اقتنعت بجدواه، لأسباب فنية تتعلق مثلًا بضعف خدمة الإنترنت، وربما عدم استقرار التيار الكهربائي وعدم كفاءة الاتصالات الهاتفية، الأمر الذي يصعب من مهمة التواصل بين أفراد فريق العمل في أي مؤسسة أو دائرة.

فضلًا عن ذلك، هناك عقبات ثقافية تعترض تطبيق نظام العمل من المنزل في كثير من بلدان الشرق الأوسط تحديدًا، فأرباب العمل في مصر، وخاصة التي تتركز فيها العمالة الوافدة، لا يتخيلون أو يستوعبون أن يدفعوا لموظف راتبه إلا إذا كان جالسًا على مكتب أمام أعينهم، أو أثبت نظام المسجل الإلكتروني أنه فتح باب المكتب ببطاقته الإلكترونية في ساعة محددة كل صباح.

وتابعت الدراسة: ورغم أن تجربة العمل من المنزل على نطاق واسع في القطاعين العام والخاص ما زالت تجربة لم تنضج وينتظرها الكثير من العقبات، ذكرت الدراسة أن الشركات والمؤسسات والمصارف الكبرى وحتى الصغيرة غير مهيأة لعمل جيدة من البيت. فلا يوجد موظف قادر على العمل من المنزل، ومدير قادر على إدارة العمل من المنزل هو الآخر، وتوافر بنية تحتية تتلخص في جهاز كمبيوتر واتصال جيد بالشبكة العنكبوتية، ومكان بسيط يصلح للعمل”. تبدو هذه المتطلبات “بديهية” للبعض، لكنها في واقع الحال غير متاحة لكثيرين.

وقالت الدراسة، إن هناك مئات الشركات في مصر طبيعة عملها وتركيبة موظفيها لا توفر نظام العمل عن بعد، ووزارة القوى العاملة المصرية كانت قد قدّرت عدد عمّال البناء باليومية في مصر بنحو ثلاثة ملايين عامل. أحد رؤساء الأحياء في مصر كان قد قدّر عدد الباعة الجائلين قبل أشهر بستة ملايين بائع. ملايين من عاملات المنازل، والنادلون والنادلات وسائقو الأجرة بأنواعها وغيرهم من الأعمال المعتمدة على وجود الشخص جميعها أعمال غير قابلة لـ”العمل من المنزل”. من جهة أخرى، فإنّ “العمل من المنزل” في هذه الحالات يعني “خراب البيت”.

المرتبة الـ40 في سرعة الإنترنت

وعلى الرغم من أنّ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر يقدر بنحو 41 مليون مستخدم (حسب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات)، وعلى الرغم من أن 93،48 مليون مصري يمتلكون هواتف محمولة، فإن ذلك لا يعني قدرة هذه الملايين على “العمل من البيت”.

وبالنظر لتجربة العمل عن بعد، فإن تقييمها محل الاختبار حتى الآن، خاصة أن الجهات التي تقوم بتنفيذها ليست كثيرة، فأبرز تلك الجهات المؤسسات الصحفية، وبعض الشركات الخاصة، ولكن حتى الآن ما زالت التجربة محلك سر في نظام العسكر.

في البداية يقول الدكتور محمود الشريف، أستاذ تكنولوجيا الاتصالات بجامعة عين شمس، إن تجربة العمل عن بعد في أوروبا ناجحة؛ لأن مستوى الشعوب من العلم والتقدم واستخدام أدوات العلم الحديثة متاحة، ففي أوروبا الجاهل هو من يجيد استخدام الكمبيوتر وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وليس من لا يجيد القراءة والكتابة، لكن نحن لدينا مشكلة هي الأمية التقليدية، ومن يتعاملون مع الإنترنت وثورة المعرفة في مصر لا يجيدون استخدامه بالشكل الكافي، وهناك إحصائيات تشير إلى أن 40% فقط من المصريين هم من يجيدون التعامل مع الإنترنت بشكل عام، أما نسبة المتخصصين بالإنترنت والقدر على العمل من خلالها لا يتعدى 15% فقط، والكارثة الأخرى أن نسبة 5% فقط من موظفي الحكومة هي من تستطيع التعامل مع الإنترنت والعمل من خلاله، ويعتبر ذلك أحد أسباب تأخر نقل الوزارات للعاصمة الإدارية الجديدة، ويجري تدريب ورفع نسبة الـ5% إلى 25% من القوى البشرية بالوزارات على للعمل من على الإنترنت، وبالتالى نقلهم للعاصمة الإدارية، أما 75% من الموظفين بتلك الجهات الحكومية غير راغبين في التعلم واستيعاب نظام الإنترنت من الأساس والعمل عن بعد.

وتابع «الشريف»، أن الأزمة الأخرى التي تعوق نجاح تجربة العمل عن بعد في مصر، أن سرعة الإنترنت في مصر ليست كبيرة ولدينا مشكلات في سرعة الإنترنت، ولو هناك أعداد كبيرة من المواطنين تعمل من المنزل فإن “النت هيقع”.

وأشار إلى أن تجربة وزارة التربية والتعليم مع التابلت وأولى ثانوي فشلت لأن الطلاب جميعا وفي وقت واحد يمتحنون، ما تسبب في سقوط السيستم، وحتى الآن تجربة التعليم عن بعد لم تثبت نجاحها .

تفوق الدول الديمقراطية

وفي عام 2013، أصدرت منظمة العمل الدولية بالتعاون مع “المؤسسة الأوروبية لتحسين ظروف المعيشة والعمل”، دراسة عنوانها “العمل من أي مكان في أي وقت: الآثار على عالم العمل”.

ووجدت الدراسة أن أبرز الآثار الإيجابية للعمل عن بعد، لا سيما في المجالات المعتمدة على الهواتف النقالة، مثلًا هو “تخفيض وقت وتكلفة التنقّل، وزيادة وقت العمل”، مع إعطاء الموظفين “قدرًا أكبر من الاستقلالية”، ما يؤدي إلى “مرونة في العمل”، وقدرة أكبر على “تنظيم الوقت”، وتحقيق هامش أكبر من “التوازن بين العمل والحياة”.

كما أنّ هذا النوع من العمل يوفّر المساحات المكتبية، وهو ما يوفر المال أيضًا لصاحب العمل، وعلى الرغم من الآثار السلبية المتراوحة بين قلة التفاعل الشخصي وتداخل الحياة الشخصية مع المهنية للأشخاص غير القادرين على الفصل بين هذه وتلك، فإنه في مثل هذه الأوقات الصعبة، حيث انتشار فيروسات خطيرة يعد نقطة في بحر فوائد العمل من البيت.

وخاضت شركة «ميكروسوفت» تجربة العام الماضي حولت بموجبها نظام العمل في مكاتبها في اليابان إلى العمل أربعة أيام في الأسبوع، بدلًا من خمسة، فتوصلت الشركة إلى أن الموظفين أصبحوا أكثر إنتاجية لأنه لم يعد يوجد أمامهم مفر من إنجاز المهام في الأوقات المحددة، ولم يضيعوا أي وقت طالما أن أمامهم أيام عمل أقل. كما أنها وفرت كثيرًا من الأموال التي كانت تصرف على فواتير الكهرباء والمواد المكتبية.