هل تكون مبادرة نافعة بالونة اختبار للصلح بين الانقلاب والإخوان؟

- ‎فيتقارير

رغم أن تحقيق مصالحة وطنية في مصر في ظل وجود نظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي يكاد يكون مستحيلا، فإنه بين وقت وآخر يطرح البعض دعوات أو مبادرات للمصالحة على أمل إنهاء حالة الاحتقان المجتمعي والتوتر السياسي، والفشل الذي تسبب فيه السيسي في العديد من الملفات الداخلية والخارجية، وأهمها المجازر التي ارتكبها نظام العسكر بحق المصريين وسفك الدماء والتصفيات الجسدية والإخفاء القسري وغيرها الكثير.

وكان آخر هذه المبادرات دعوة الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة- عقب خروجه من السجن- إلى إجراء “مصالحة مجتمعية شاملة”، تبدأ بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، بجانب الإجراءات التي تتخذها سلطات العسكر في إطار مواجهة فيروس كورونا المستجد.

وقال نافعة، في تصريحات صحفية: إن أكثر ما تحتاجه مصر الآن, بجانب الإجراءات العاجلة والملحة لمواجهة وباء كورونا, هو مصالحة مجتمعية شاملة يتعين أن تبدأ بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين ممن لم يحملوا السلاح في وجه الدولة والمجتمع, مشيرا إلى أن ذلك يحتاج إلى نوع من التفكير خارج الصندوق لا تقدر عليه حكومة الانقلاب الحالية للأسف.

وكان نافعة قد أكد، في تغريدة على موقع “تويتر”، أن تجربة الاعتقال التي تعرض لها، ومنعه من التصرف في الأموال، مكنته من رؤية مصر الأخرى التي قال إنه يستحيل التعرف عليها بدون خوض التجربة مباشرة.

وأكد، عقب خروجه من محبسه، أن محنة السجن على قسوتها لن تزيده إلا إصرارا على الحق وعلى أداء الواجب تجاه الوطن.

وإذا كان نافعة قد استبعد أن تستطيع حكومة العسكر الحالية تحقيق هذه المصالحة لأنها غير مؤهلة لذلك وليس لديها صلاحيات، فهي فقط تنفذ ما يمليه عليها السيسي، لكن نافعة تجاهل موقف السيسي من مثل هذه المصالحة التي يطرحها، حيث أعلن قائد الانقلاب الدموي منذ عام 2014 رفضه بشكل قاطع للمصالحة مع جماعة الإخوان، إلا أنه بعد فترة من هيمنته على السلطة حدث تحول في رأيه، فشهدت لقاءاته على مدار الفترة من 2014 حتى 2018  تغيرا نسبيا في موقفه، حيث لم يُبد أي اعتراض على الأمر وإن سعى في كل مرة لإلقاء الكرة في ملعب “الشعب”، بزعمه أن “قرار المصالحة في يد الشعب”.

بيد أنه يكشف عن موقفه الحقيقي فى كل مرة تطرح فيها المصالحة، حيث يحرص على التحذير من تداعيات قبول الشعب ذلك، فضلا عن أنه يعلم أنه لا رأي للشعب في ظل حكمه، وإنما مواقف الأجهزة الحاكمة، والملفت أن أغلب أحاديثه عن الإخوان كانت مع صحف أجنبية ما يشير لتصديره فكرة المصالحة لتجميل نظامه وعدم قناعته بالفكرة.

الشعب المصري

في سبتمبر 2015، زعم السيسي في حوار له مع وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، أن جماعة الإخوان أزمتها مع الشعب المصري، وليست مع نظام العسكر أو حكومته، قائلا: “الجماعة قدمت خلال العامين الماضيين انطباعا للشعب من الصعب نسيانه لما قاموا به من أعمال ‏شغب وعنف” بحسب مزاعمه.

وفي أكتوبر 2017، خلال مؤتمر الشباب بشرم الشيخ، علق السيسي على إمكانية المصالحة مع جماعة الإخوان قائلا: “مش هقدر أخد فيها قرار لوحدي، دا قرار دولة، وأنا أكتر واحد أتحت ليهم فرصة في 3-7، والبيان الذي تم إصداره (خارطة الطريق) كان متزنا للغاية، وأنا مش طالب من حد يغير أفكاره علشاني، أنا بقبل كل الأفكار، لكن مارسوا أفكاركم بدون ما تهدوا بلدكم”، وفق تعبيره.

في 4 نوفمبر 2015، خلال حواره مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، قال السيسي إن “جماعة ‏الإخوان جزء من دولة مصر الديمقراطية، وزعم أن الشعب المصري وحده يرجع له القرار في ‏إعطائهم دورًا آخر في مستقبل البلاد .

وفي فبراير 2018 كرر عبد الفتاح السيسي مزاعمه، في مقابلة مع قناة “فرانس 24″، وقال إن إجراء مصالحة في فترة حكمه مع جماعة الإخوان المسلمين، “قرار الشعب” وليس قراره.

لكن شبكة “بلومبيرج” كشفت، في الشهر نفسه ( فبراير 2018)، أن “السيسي قام بمساع من أجل المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين”، مضيفة أنه “يخشى أن تثير هذه الخطوة غضب حلفائه في الخليج، وتحديدا الإمارات التي تتخذ موقفا متشددا تجاه الجماعة”.

وأشارت إلى لقاء مسئولين في المخابرات الحربية مع قيادات للجماعة داخل السجن، بهدف التوصل إلى صفقة تتخلى الجماعة بموجبها عن السياسة مقابل إطلاق سراح كبار قادتها.

وقالت الشبكة، إن السيسي يعتمد على الجيش كداعم له، عكس المخلوع حسني مبارك، الذي كان يعتمد على عدة دعائم في حكمه، منها: الجيش، والحزب الوطني الحاكم، ورجال الأعمال، والقضاء، والشرطة.

وأوضحت أن الأحزاب السياسية لم تعد فاعلة وكذا الحال بالنسبة لرجال المال، في الوقت الذي تغلغل فيه الجيش فى كل المناحي الاقتصادية والسياسية بطريقة لم يسبق لها مثيل.

السيسي السبب

من جانبها قالت صحيفة “الجارديان” البريطانية، إن عبد الفتاح السيسي هو آخر رجل مؤهل لتحقيق المصالحة، وبناء إجماع وطني في البلاد، مشيرة إلى أنه سيواجه نفس مظاهر الاستياء والسخط الشعبي التي أطاحت بالمخلوع حسني مبارك.

وأكدت الصحيفة أن مصر تحتاج إلى تحقيق مصالحة بين الجيش والإخوان المسلمين، لكن السيسي آخر رجل يمكنه القيام بهذه المهمة؛ لأن العداء والعلاقة المسمومة أصبحت عميقة.

وحذرت من أن الفشل في تحقيق مثل هذه المصالحة يعني فشل إصلاح المؤسسات التي لديها القدرة على وضع الاقتصاد على مساره الصحيح، موضحة أنه لسوء الحظ فإن سجل دولة العسكر يُظهر أن ما سيجري هو تملص من الإصلاح، واستمرار إلقاء اللوم على أعداء محليين ومتخيلين وقمع المظاهرات، وقد يؤدي ذلك إلى الحفاظ على الاستقرار، لكنه لن يؤدي إلى إنعاش الاقتصاد، ما يعني أنه سيترك “حبل الوريد” الذي هو السياحة عرضة لهجمات جديدة.

مطبلاتية العسكر

 

رفض المصالحة وعدم الاستقرار واعتقال وتصفية الأبرياء وتدمير مصر بالكامل، تكشف عنه تصريحات مطبلاتية العسكر الذين يعرفون ما يريده السيسي وينافقونه ويطبلون له بزعم أنهم يقنعون المصريين برؤية العسكر.

من هؤلاء مصطفى بكري، عضو مجلس نواب الدم، الذى يزعم أن الحديث عن المصالحة مع الإخوان كمن يهدم فى الجدار السميك العازل بين الشعب المصري والفكر المتطرف، وهذا أمر غريب يأتي في لحظة حققنا فيها الانتصار والاصطفاف الوطني حول عبد الفتاح السيسي، وفق تعبيره.

وأضاف بكري، في تصريحات صحفية، “لا أعرف سببا للحديث عن المصالحة في الوقت الحالي، فالإخوان تساقطوا وتراجعوا كثيرا ولم تعد لهم شعبية، وما يحدث الآن محاولة لإعادة الإخوان للمشهد السياسي ودخول البرلمان وتكرار السيناريو نفسه”، بحسب مزاعمه.

وتساءل: هل تراجع الإخوان عن أفكارهم ومواقفهم حتى يمد البعض يده بكلام ليس منطقيا، وفق ادعاءاته.

وزعم بكري أن دولة العسكر “لا تترصد بأحد وتقف في مواجهة كل المتآمرين والذين يحملون السلاح، وأن دولة العسكر لا تترصد ولكن تطبق القانون على كل مجرم”.

وادعى أن ما يحدث الآن ليس محاولة لاسترداد شباب قد ضلوا الطريق، ولكنها محاولة لإدماج الإخوان فى العملية السياسية وإعادة إنتاجهم مرة أخرى، متناسين دم الشهداء ومقتضيات الأمن القومي ومشاعر الشعب المصري، بحسب تصريحاته.

نكسة 30 يونيو

محمد أبو حامد، عضو مجلس نواب الدم واحد مطبلاتية العسكر، انتقد مجرد التطرق للحديث عن مصالحة مع جماعة الإخوان، متسائلا: «هل هناك دولة تتصالح مع الإرهاب وتتحدث عن أن تسكن بين ضلوعها جماعة إرهاب كل فترة تقتل وتخرب وتخطط للفساد والإفساد؟ بحسب مزاعمه.

وادعى أبو حامد، فى تصريحات صحفية، أنه لا توجد دولة في العالم تصنف جماعة إرهابية ثم تقبل أفكارا مثل التصالح، معتبرا أن طرح فكرة التصالح مع الإخوان بمثابة تصالح مع الإرهاب، وفق تعبيره.

وقال: إن من يدعو للمصالحة مع الإخوان ينقلب على نكسة 30 يونيو، ويهدر دم الشهداء الذين دفعوا أرواحهم فداء للبلد من أبناء الجيش والشرطة والمواطنين، إضافة إلى أنه يمكّن الإرهاب، بحسب زعمه.

وزعم أبو حامد أن الإخوان كلهم مجرمون قتلة ومعتقداتهم كفر وتكفير، متابعًا: من الأفضل أن نتحدث عن إجراءات تفكيك التنظيم وتطهير النقابات والجمعيات الأهلية والمجتمع من عناصر الإخوان، وفق تعبيره.

قضية وطن

طارق الخولي، عضو برلمان العسكر، زعم أن اختلافهم مع الإخوان لا يتعلق بشئون سياسية ولا أوضاع اقتصادية ولا المسائل التي يروجها البعض ويحاول تصديرها، لكنه اختلاف على وطن، ونحن نتحدث عن جماعة ليس لديها ولاء للهوية المصرية، بحسب زعمه.

واتهم الخولى، في تصريحات صحفية، من يدافع عن عودة الإخوان مرة أخرى للمشهد السياسي المصري، بأنهم من قوى الهيمنة والمستعمرين القدامى.

كما زعم أن دعم التنظيم الإخواني يأتي من القوى الإقليمية المتربصة لمصر، وبالتالي المسألة بحسب الخولى واضحة بأن هناك شائعات أن الجماعة صنيعة المخابرات الإنجليزية واستمرت، بحسب ادعاءاته.

وزعم محمد فرج عامر، عضو مجلس نواب الدم، أن أي دعوة للمصالحة مع الإخوان مرفوضة من الشعب المصري بجميع اتجاهاته وانتماءاته السياسية والحزبية والشعبية، وفق تعبيره.

وادعى عامر، في تصريحات صحفية، أن الشعب المصري هو من قرر إزاحة جماعة الإخوان عن سدة الحكم، وأنه لا رجعة إلى الوراء، بحسب مزاعمه.