كيف ترى المخابرات الأمريكية قوة وضعف “الإخوان”؟

- ‎فيتقارير

..حسب وثيقة أعدت 1986

قوة جماعة الإخوان المسلمين تكمن في وحدتهم، وقوة تنظيمهم، وقوتهم المالية، وتغلغلهم في مؤسسات المجتمع المدني المصري والتعليم، أما مكمن ضعفهم فيمكن أن يأتي من خلافاتهم الداخلية، لا الضغوط الخارجية التي لم تفلح في إضعافهم.

هذا هو ملخص تقييم استخباري قديم لوكالة "سي أي إيه" أعدته الوكالة في إبريل 1986، ولم ينشر سوى هذا الأسبوع على موقع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بعد رفع السرية عنه لمرور 30 عاما.

وأهمية التقرير أنه يأتي في وقت يسعى فيه نواب يمينيون متطرفون والرئيس الجديد ترامب إلى وضع الجماعة ضمن التنصيف الأمريكي للتنظيمات الإرهابية، على الرغم من أن شروط هذا التصنيف مثل حمل السلاح وغيرها لا تتوافر في الجماعة، وقد يكون نشره الآن رسالة من المخابرات الأمريكية لإدارة ترامب ونواب الكونجرس بأن "الإخوان" أكثر اعتدالا من أي تنظيمات إسلامية أخرى.
 
إذ يشير التقرير إلى أن الصدام مع الجماعة التي يبلغ عدد أعضائها وقت كتابة التقرير 500 ألف عضو يشكل تهديدا أكثر خطورة على الأمن الأمريكي.

جوانب قوة الجماعة
أبرز ما ركز عليه التحليل الأمريكي هو الحديث عن جوانب قوة الجماعة مقابل مكامن ضعفها، ومحاولته تفسير أسباب التذبذب في الموقف الأمريكي من الإخوان، ولكنه يشدد على أن الإخوان يختلفون عن الجماعات الإسلامية الأخرى الأكثر تطرفا.

ولكن معدو التحليل يحذرون مع هذا من أن "تمكين جماعة الإخوان المسلمين من بسط نفوذها على المجتمع المصري سوف يلحق الضرر بالمصالح الأمريكية"، لأن الإخوان المسلمين لهم أهداف استراتيجية بعيدة المدى وأخرى تكتيكية آنية.

ويرصد أهدافهم الاستراتيجية البعيدة في: إقامة مجتمع إسلامي أصولي ورفض النفوذ الغربي في الثقافة المصرية والعربية، وتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية.

أما الأهداف العجلة الأنية فتمثلت (حسب فترة الثمانييات) في: استعادة شرعية الجماعة وإزالة الحظر القانوني عليها (في عهد مبارك)، عبر إظهار نوع من التعاون مع الحكومة، والتغلغل في مؤسسات التربية والتعليم والنقابات المهنية والاتحادات الطلابية.

واعتبر التقرير أن من مصادر قوة الجماعة "تنويع مصادر الربح والتوسع في الأنشطة التجارية التي تمد الجماعة بإمكانات مالية ضخمة".

وشهدت هذه الفترة (الثمانييات) لقاءات بين مسئولين دبلوماسيين أمريكان ونواب من جماعة الإخوان في البرلمان، وهو ما ذكره التقرير الذي أكد أنه جرت لقاءات أمريكية مع ممثلين عن الإخوان خلال الثلاث سنوات السابقة على كتابة التقرير (1983-1986).

ولم تقتصر اللقاءات على «الإخوان» المصريين فقط، بل امتدت لتشمل ممثلين عن تنظيمات الإخوان المسلمين في كل من الأردن والكويت واليمن وسوريا وفلسطين، حسب التقرير الاستخباري.

الإخوان خطر على النفوذ الأمريكي
ويشدد التحليل الأمريكي على أن "تنامي قوة الإخوان المسلمين في مصر يشكل خطرا بعيد المدى على المصالح الأمريكية باعتبار أن الجماعة بطبيعتها مناهضة للنفوذ الأمريكي في العالم، ولمعاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، وتتوجس شرا من التعاون العسكري مع الولايات المتحدة".

ولكن المحللين الأمريكيين قالوا إنه في الوقت ذاته "لا يجب إضعاف الجماعة لأن هذا لا يخدم المصالح الأمريكية؛ لأن الفراغ الذي يمكن أن تتركه في حال الإجهاز عليها سوف تملأه على الأرجح تنظيمات أكثر تطرفا، وأقل قبولا للولايات المتحدة بالمقارنة مع جماعة الإخوان".

وتوقع المحللون في حال امتناع الولايات المتحدة عن التدخل سلبا أو إيجابا أن تتصاعد قوة الإخوان المسلمين في المجتمع المصري لما بأيديهم من شبكات مالية قوية، غير أنهم لن يشكلوا تهديدا فوريا على نظام مبارك إلا في حالتين.

(الأولى): أن يستمر التدهور في الحالة المعيشية للمصريين إلى درجة قد تسمح لـ«الإخوان» باستغلال الوضع وتأجيج الشارع على النظام.

و(الثانية): أن يتلاشى دور التيار المعتدل في قيادة الإخوان، ويسفر صراح الأجنحة داخل الجماعة عن بروز قيادات أشد تطرفا وأقل خبرة من المرشد عمر التلمساني، بما قد يستفز النظام إلى صدام مع مجتمع معبأ، وقد يصعب التحكم في النتائج.

الإخوان أفضل لنا
ويظهر من التقرير الذي رصد فترة المرشد الراحل عمر التلمساني، وجزء من مرحلة المرشد السابق مهدي عاكف، أن المسئولين الأمريكان أكثر إدراكا أن جماعة الإخوان أكثر اعتدالا من الجماعات الإسلامية الأخرى في مصر.

حيث ذكر المحللون الأمريكيون أن جماعة الإخوان قادرة بالفعل على كبح جماح الجماعات الأكثر تطرفا، لكونها جماعات منافسة تلعب في الساحة ذاتها، ومع هذا حذروا من خطورة الإخوان على المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة.

وقدرت الاستخبارات المركزية عدد أعضاء الجماعات الأكثر تشددا في مصر ما بين 20 إلى 30 ألفا موزعين على عدد من الجماعات التي وصفتها بأنها جماعات متصارعة فيما بينها نتيجة للتنافس الشخصي بين زعمائها.

وقالت إنه في المقابل، فإن جماعة الإخوان المسلمين قد وصل عدد أعضائها إلى نصف مليون في تلك الفترة.

و

العلاقة بين مبارك والإخوان
ويشير التقرير إلى أن الحوار في ذلك الحين، لم يتوقف بين الإخوان ونظام مبارك رغم تعثره أحيانا جراء غياب الثقة، وأن المرشد عمر التلمساني، نجح في ترميم جزء من مصداقية الإخوان لدى نظام مبارك، وتعاون معه في تجربة (لم يذكرها التقرير جرت في الإسكندرية).

وقال إنه بالمقابل حصل الإخوان على تنازلات من الحكومة كان من بينها السماح لهم باستئناف إصدار مطبوعتين هما «الاعتصام» و«المختار الإسلامي»، ثم إصدار مجلة «الدعوة» الأوسع انتشارا مرة أخرى.

وتطرق التقرير إلى ما أسماه محاولات الجماعة منذ صيف 1985 لإغراء والتقرب من نظام مبارك واستمالة رجاله إلى جانبها، على أمل إغراء النظام بفكرة تشكيل تحالف معه ضد الجماعات الأكثر راديكالية.

وحسب مصادر الاستخبارات الأمريكية فإن قادة الإخوان تمكنوا من إقناع مسئولين كبار في نظام مبارك بأن الجماعات الأخرى، وليس الإخوان، هي من تسعى لإشعال ثورة إسلامية في مصر على نمط ما جرى في إيران عام 1979 بنسخة سنية.

ولكن التقرير يشير إلى أنه رغم التعاون بين النظام والجماعة على استحياء فإنه لم يصل إلى درجة أن تبادر الحكومة برفع الحظر المفروض على الجماعة بصورة رسمية، وأن الاستخبارات الأمريكية علمت أن نظام الرئيس مبارك وضع أمام الجماعة 4 شروط مقابل منحها ترخيصا يعيد إليها شرعيتها.

هذه الشروط هي:
(أولا): التخلي تماما عن العمل السياسي والاكتفاء بالنشاط الدعوي.
(ثانيا): إعادة النظر في تحالفات الإخوان مع أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الوفد الجديد.
(ثالثا): التوقف عن الاحتجاج على معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل.
(رابعا): الابتعاد تماما عن محاولات التجنيد داخل الجيش المصري.

وترجح الاستخبارات الأمريكية أن جماعة الإخوان رفضت هذه الشروط؛ وهو ما أعطى الحكومة المبرر الكافي للامتناع عن رفع الحظر عن الجماعة.

وأدى تحالف الإخوان مع حزب الوفد الجديد لفوزهم بـ8 مقاعد من بين 58 مقعدا فاز بها حزب الوفد، ولم ينسقوا مع الوفد في البرلمان.

شبكة الإخوان المالية
وزعمت الوثيقة الاستخبارية الأمريكية أن حكومة السادات أسهمت دون قصد منها في رفد أفراد جماعة الإخوان بأموال ساعدتهم على بدء مشروعات تجارية صغيرة سرعان ما توسعت وأصبحت رافدا ماليا للتنظيم لا يستهان به.

ويشرح التقرير ذلك بأنه "عقب الإفراج عن أعضاء الجماعة المسجونين منذ عهد الرئيس الراحل عبدالناصر، منحت الحكومة المصرية كل فرد منهم تعويضا ماليا يعادل 1000 جنيه عن كل سنة قضاها في المعتقل".

وقد يبدو المبلغ بسيطا للوهلة الأولى لكن بالنظر إلى عدد سنوات السجن الطويلة فإن الرقم تضاعف عدة أضعاف، فضلا عن أن القيمة الشرائية للجنيه المصري قبل ثلاثة عقود كانت عالية بالمقارنة بيومنا هذا.

ولكنه يؤكد أنه لم تكن المبالغ المقدمة من الحكومة مصدر التمويل الوحيد للجماعة، بل إن تبرعات المتعاطفين كانت سخية للغاية، خصوصا من مصادر خليجية ومهاجرين في البلدان الغربية.

ويبقى المصدر الأساسي لتمويل الجماعة وفقا لمعلومات الاستخبارات المركزية هو "شبكة الأنشطة التجارية المتشعبة" التي تدر على الإخوان المسلمين أموالا طائلة بصورة قانونية.

وحسب المعلومات الواردة في التقرير فإن الإخوان عمدوا إلى حماية استثماراتهم التجارية من إقدام الحكومة على مصادرتها بأن أدخلوا شركاء من غير أعضاء الإخوان واستقطبوا رجال أعمال كبارا لإدارة تلك المشروعات التجارية، مع الحرص على عدم وضع الاستثمارات في سلة واحدة.

ويأتي على رأس المشروعات التجارية التي ينشط فيها الإخوان، المستشفيات، والعيادات الطبية، والمصانع الإنتاجية، وشركات الاستيراد والتصدير، وغير ذلك.

وتعدد الاستخبارات الأمريكية في الوثيقة قائمة الشركات العملاقة التابعة لـ«الإخوان» أو ذات العلاقة الوطيدة بهم، زاعمه أن من بينها: شركات للمقاولات، وبنوكا إسلامية، ومصانع لإنتاج البلاستيك، ومجموعات تجارية واقتصادية أخرى، تعتقد الاستخبارات الأمريكية أنها مملوكة لأعضاء في الجماعة أو متعاطفين معها، وتدير سلسلة من الفنادق في القاهرة وخارجها.

وتشير الوثائق إلى أن رجال الأعمال الأثرياء من أعضاء جماعة الإخوان أو المتعاطفين يتبرعون بـ10% على الأقل من مداخيل أعمالهم لدعم الجماعة.

نص التقرير الأمريكي هنا:
https://www.cia.gov/library/readingroom/docs/CIA-RDP88T00096R000200240001-4.pdf