«الأموال الساخنة».. «خازوق جديد» واقتصاديون يحذرون من كارثة

- ‎فيتقارير

 كتب- يونس حمزاوي
الأموال الساخنة كالعصفور الطائر الذي يتنقل من غصن إلى غصن، أى من بلد إلى بلد، بحثا عن المكاسب السريعة، بحيث لا تستقر هذه الأموال كثيرا في بلد معين، ولهذا فرضت بعض الدول ضرائب على أرباحها، ترتفع نسبتها كلما قصرت مدة مكوثها، وتنخفض كلما طالت مدتها نسبيا.

وهي بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، الأموال التي زادت من المعاناة الاقتصادية بدول جنوب شرق آسيا عندما خرجت فجأة مع ظهور الأزمة الآسيوية عام 1997، كما خرجت بسرعة من دول منها روسيا والهند وكوريا الجنوبية ودبى عام 2008 مع الأزمة المالية العالمية، ما تسبب في تراجع حاد بأسواقها المالية، وخرجت من مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

وبحسب خبراء، فإن دخول هذه الأموال مؤخرا بعد التعويم هو ما أدى إلى تراجع مؤقت لسعر صرف الدولار، ولكن خروج هذه الأموال فجأة سوف يؤدي إلى كارثة كبرى، بحسب خبراء ومتخصصين.

البنك المركزي يتباهى

وجاء تباهي طارق عامر، محافظ البنك المركزي، في حواره مع أسامة كمال، بتخطى استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية المليار دولار خلال الشهور الثلاثة التالية على تعويم الجنيه، في 3 نوفمبر 2016، رغم أنه كان يراهن على وصولها إلى عشرة مليارات دولار، ليثير كثيرا من الدهشة لدى خبراء الاقتصاد.

لكن تحرك هذه الأموال للخروج من السوق بشكل خاطف خلال الأيام الأخيرة، بات يقلق الكثير من خبراء الاقتصاد ومسئولي القطاع المصرفي، بعد أن اقتنصت مكاسب تصل إلى 200% من أصل رأس المال في أشهر معدودة، ما يفاقم من أزمة النقد الأجنبي في البلاد، ويدفع الدولار لموجة صعود أكثر حدة خلال الفترة المقبلة، بعد تراجعه مؤخرا بسبب هذه الأموال الساخنة.

ووفق البيانات الرسمية، شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة حركة شراء واسعة للأجانب في أذون وسندات الخزانة الحكومية، فضلا عن البورصة، خلال فترة ارتفاع الدولار لنحو 20 جنيهاً، وارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة تخطت حاجز 18%.

وأعلن البنك المركزي مؤخرا عن أن استثمارات الأجانب في أذون وسندات الخزانة وحدها بلغت نحو 1.2 مليار دولار، خلال نوفمبر وديسمبر 2016 ويناير 2017، بنسبة تغطية تجاوزت 900%، فضلا عمّا يقرب من نصف مليار دولار في البورصة.

وأذون الخزانة هي أداة استدانة حكومية يتراوح أجلها بين 3 أشهر وعام، بينما تصل آجال السندات من سنة إلى خمس سنوات.

وما يقلق خبراء الاقتصاد وبعض المسئولين في القطاع المصرفي، أن هؤلاء المستثمرين يتجهون حاليا للخروج من السوق، في وقت يشهد فيه سعر الدولار تراجعا بنحو 25% عن فترة دخولهم السوق، بعد أن انخفض إلى نحو 15.70 جنيها مقابل 20 جنيها، ما يعني أنهم حققوا مكاسب من فروق سعر الصرف فقط بهذه النسبة، فضلا عما حققوه من عائد يصل أيضا إلى 18% عبر شراء أذون الخزانة الحكومية قصيرة الأجل، ومكاسب تفوق هذه المعدلات في البورصة.

الحكومة لا تتعلم من الأخطاء

من جانبها، اتهمت بسنت فهمي،‏ عضو برلمان العسكر، حكومة الانقلاب بعدم التعلم من الأخطاء، مشيرة إلى أن الأموال الساخنة تسببت، بعد 25 يناير2011، في ضربة للاقتصاد المصري بخروجها السريع، وهوى احتياطي النقد الأجنبي بسبب عدم وجود ضوابط لخروج هذه الأموال".

وأضافت- في تصريحات صحفية- أن "البورصة خسرت الأسبوع الماضي 11 مليار جنيه؛ بسبب حصد أصحاب الأموال الساخنة مكاسبهم، فوضع الاقتصاد الحالي لا يسمح بوجود تلك الاستثمارات، وإنما يجب التركيز على الاستثمار التنموي طويل الأجل".

كارثة في الطريق

أما هاني توفيق، رئيس الجمعية المصرية للاستثمار سابقا، فحذر من أن الوضع الحالي ينذر بكارثة، مطالبا البنك المركزي بوضع ضوابط لمنع دخول الأموال الساخنة في ظل أجواء عدم الاستقرار الاقتصادي.

وأضاف توفيق أن "مؤسسات مالية كثيرة أدخلت مئات الملايين من الدولارات وقت أن كان سعر صرف الدولار يتراوح بين 19 و20 جنيها، والآن تواصل عمليات البيع بسعر 15 جنيها في المتوسط؛ للاستفادة من فروق الأسعار والفائدة على استثماراتها".

وقال وائل النحاس، الخبير الاقتصادي ومحلل أسواق المال: "أتعجب من المسئولين الذين تغنوا بجذب البورصة وأذون الخزانة استثمارات الأجانب الساخنة، باعتبار أن ذلك علامة ثقة في الاقتصاد المصري، بينما هي أموال مضاربة يجري استغلالها في الدول التي تعاني من عدم استقرار لتحقيق مكاسب كبيرة وسريعة".

وأشار إلى أن هناك دولا عدة، خاصة في أوروبا، تجرم دخول الأموال الساخنة وتمنعها بشتى الطرق، والبلدان التي ترغب في تأمين نفسها من الأموال الساخنة، تتجه بطرح أوعية استثمارية محددة وتضع قواعد تقلل من أثر خروج هذه الأموال من السوق، من خلال الاتفاق على سعر صرف عند الخروج يقلل من الآثار السلبية على الاقتصاد، ويقلص مكاسب تلك المؤسسات، مما يدفعها نحو الاستثمار طويل الأجل.

وقال: "للأسف الأجانب يمكنهم استدعاء أموالهم من أذون الخزانة فيما يعرف بـ"call option" بخسارة 1% فقط من سعر الفائدة واستعادة رأس المال، وهو نظام يمكن أن يضع أعباءً كبيرة على الدولة التى ستكون مطالبة برد تلك الأموال".

ويظل السؤال: ماذا تستفيد مصر من تلك الأموال الساخنة؟ والإجابة أنها تزيد السيولة بالبورصة، وتزيد من رصيد الدولارات لدى البنك المركزي، لكن مخاطرها لا تقتصر على الأرباح العالية التي تحققها، ولكن أيضا- وهو الأخطر- حالة الإضطراب المالى الناجم عن خروجها فجاة عند حدوث أية مشكلة كبيرة سياسية أو اجتماعية، مما يزيد الضغط على سعر الصرف للجنيه الذي سيتراجع بشدة أمام الدولار وقتها، وكذلك تراجع أسعار الأسهم بالبورصة بشدة.

وهكذا فإن التعويل على الأجانب لزيادة السيولة الدولارية من خلال الأموال الساخنة، واصطناع سعر صرف غير حقيقى كما حدث خلال الأسبوع الأخير، له ثمن باهظ، لا تضع له حكومة الانقلاب أهمية يستحقها حتى تقع الكارثة ثم تشرع في التبرير والعويل.