كيف يفكر العسكر؟ القضاء على الدولة المدنية وتغيير مفاهيم البطولة ولا للحوار

- ‎فيتقارير

* القضاء على الدولة المدنية والتأسيس للمركزية
* يفتقد لغة الحوار ولا يملك سوى البطش ويعتمد على المال والآلة العسكرية
* الحراك الثوري يحتاج إلى تطوير في "السلمية المبدعة" وتكتيكات جديدة تتغير باستمرار
فجر عاطف صحصاح
تتمثل خطورة الوضع الحالي في مصر في أنه لا يعاني من استبداد سياسي وفقط؛ وإنما هو أسير انقلاب عسكري، ما يعني أن العقلية المسيطرة والتي تواجه الشعب الأعزل هي في الأساس ليست طرفا سياسيا في خصومة وإنما طرف عسكري يتمتع بالعديد من الصفات التي تجعل من الأهمية المسارعة في كسره ودحره لما يشكله من خطورة على استقرار ومستقبل البلاد.
فمن الجدير بالذكر أن هناك سمات محددة تختص بها العقلية العسكرية واستطاع المختصون استنباطها بعد تتبعهم العديد من صور الصراعات المثيلة في العالم وعبر التاريخ؛ فقد كان هناك دائما قاسم مشترك بين متصدري المشهد العسكري.

سمات عامة
وبحسب الباحثون في أكاديمية التغيير وفي كتابهم "حرب الصدور العارية" فإن: (الأيدلوجيات العسكرية تغير المنظومة القيمية والحالة النفسية والجذور الاقتصادية والسياسية للدولة، إنها أشبه بعملية تفكيك شاملة للدولة المدنية ثم إعادة تركيبها على أسس عسكرية تخالف تماما مواصفات وقواعد الحياة المدنية). وهو ما يعني أن صفة الدولة المدنية التي نادى بها الجميع في مصر عقب ثورة يناير وهبّوا من أجلها منافحين هي أول ما قضى عليه العسكر الآن؛ حيث تُغير فلسفته وقناعته بشكل مباشر نظام الدولة ليصبح سمتها كله قائما على أسس عسكرية.
 يضيف الكتاب أن: (عسكرة الدولة يتم معه تزايد مركزية الدولة وبيروقراطيتها بشكل متضاعف، وتتغير أنماط التوظيف والتنشئة الاجتماعية، وفي القلب من عملية إعادة التركيب هذه تأتي عملية تغيير مفاهيم الولاء والشرف الوطني والبطولة والقانون والقوة، والتي تتحول من مفاهيم تتعلق بتحقيق العدل والمساواة إلى تحقيق سيادة الأمن والاستقرار، وبالتالي تتضاءل قيمة الإنسان مقارنة بقيمة أمن الدولة واستقرارها). وبالتطبيق على مصر نجد ذلك بوضوح حينما تمت ترقية قائد الانقلاب إلى رتبة "المشير" والتي لا تُعطي إلا لمن خاض حربا وحقق انتصارات عظيمة؛ في حين أن الانقلاب بفكرة العسكري غيّر نظرة الانتصار على العدو ليحيله إلى السيطرة على الشعب عبر القمع والمذابح وإسالة الدماء. أما ما يتعلق بالمواطن فقد بخل عليه الانقلاب ولو حتى بحديث وهمي عن برنامج انتخابي يهتم بالمواطن ويحقق العدالة الاجتماعية؛ بل إن كل ما ذُكر لم يكن أكثر من حديث أمني يصف برنامج "رئاسة الدم" بأنه "أمن قومي"؛ ما يؤكد أن المؤسسة العسكرية لا تعني سوى المضي قدما في هذا الهاجس ولا تعلم شيئا عن احتياجات مواطن، أو مستقبل شعب، ولعل القرارات الاقتصادية الأخيرة بالغلاء ورفع الدعم لهي خير دليل على ذلك.

زرع بذور الصراع والشك
يردف الكتاب: (إن الفكر العسكري ينشئ حالة اجتماعية عامة تتسم بالخوف على أمن واستقرار الدولة، فيكون المجتمع في حالة حذر ويقظة دائمة لا تنتهي، لتفر الحياة من حضن المجتمع إلى حضن المؤسسة العسكرية، ويزدحم المجتمع بجدران الشك التي يشيدها الأفراد والمجموعات، ولا يثق إلا بما تقوله قيادته العسكرية).
ويشرح مؤكدا: (إنه في سياق حالتي الخوف والحذر المجتمعي الدائم، يتحول القمع من مجرد أداة تستخدم لتحقيق أهداف محددة؛ ليصبح شريان الحياة الرئيس.. فانتشار الدوريات الأمنية والمركبات العسكرية ورجال الأمن والجيش في كل ميدان وكل قرية وأمام كل مؤسسة حيوية يصبح ضرورة لتعزيز الإحساس بأهمية التزام الحذر من جهة، ومن جهة أخري لتعزيز أهمية الدور الذي يقوم به النظام العسكري في حفظ استقرار وأمن الأوطان).
ويختتم الكتاب مشيرا إلى أن: (أخطر عواقب الفكر العسكري أنه يتعامل بمنطق الحرب، بمعنى أن عالم العلاقات في فن الحرب في غاية البساطة، فالآخرون -سواء في الداخل أو الخارج- إما أصدقاء أو أعداء، لا يوجد تصنيفات أخرى، وهو ما يتعارض مع الفكر السياسي المدني الذي يرفض هذا التعميم ابتداء، ويرى أن عالم العلاقات في غاية التعقيد والتشابك، ومن ثم فهو يؤمن بالمساحات الرمادية والملونة ويحسن التعامل معها، لأنه لا يسعى إلى تنميط البشر إلى قوالب جامدة). وربما كانت تلك النقطة من أخطر ما زرعه الانقلاب في مصر؛ حيث نجح في تقسيم المجتمع إلى فئتين، وعزز بينهما سبل النزاع واعتمد قوقعة الشعب في الاختيار الثنائي بين مع أو ضد.

ومن جانبه الباحث والمحلل السياسي:"هاني الأرجوندي" يوصّف طبيعة الخصم العسكري في مصر حاليا خاصة بعد الأيام الماضية والتي شهدت تغيرا تكتيكيا من قبل الثوار في حركة الشارع، يقول:" لن يختلف سلاح العسكر في الأيام القادمة؛ فهم لا يعتمدون سوى على السلاح، وعلى أدوات التخويف والقتل والاعتقال؛ وأظن أنهم في الأيام القادة سوف يعملون على زيادة حيز القتل والتصفية الجسدية، وذلك خاصة بعد حالة الغليان الشديدة في الشارع وخوفهم من نجاح جماعة الإخوان أو تحالف دعم الشرعية في تطويع الشارع لصالحهم".

الأرجوندي: العسكري لا يستطيع أن يمتلك خطة طويلة الأجل ويستخدم الدين كأداة للصراع