لماذا يعاني الإعلام العربي من ظاهرة بيع وتأجير الضمائر؟

- ‎فيتقارير

كتب: سيد توكل
“حبيت أقول لحضراتكم إن ربنا قدرني إني بضمير حي..!”، فعلها إذن الإعلامي عمرو أديب وقرر ترك المحطة التي يطل منها وهو يطبل لقائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي كل ليلة، أعلن أديب عبر حلقة الاثنين 30 أبريل من برنامجه “كل يوم” على قناة ON eعن رحيله من البرنامج، ووضع موعداً لرحيله بعدما جمع ملايين الدولارات من فوق أجساد 100 مليون مصري بعضهم في السجون وأغلبهم بات لا يجد لقمة العيش الحاف، وقال أنه سيرحل يوم 15 مايو الجاري.

وتزامنا مع ما أعلنه أديب وفي خطوة ربما تعكس خوفه مما هو منتظر أو تنفيذا لأوامر مشغليه وأولياء نعمته في أبو ظبي، عاد مدير قناة “العربية” والمستشار الإعلامي لولي العهد السعودي تركي الدخيل، لتبرير تغريدة قديمة تعود لعام 2011 كال فيها المديح لرئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان.

ويتعرض المشاهد المصري يوميا لأكثر من 16 ساعة من غسيل الدماغ وإعادة البرمجة عبر برامج “التوك شو”، وهو ما يعادل 480 ساعة بث شهريا، تغطي وقت الذروة من الساعة السادسة مساء إلى الواحدة ليلا، ويخصص مقدمو هذه البرامج أغلب ساعات ظهورهم للحديث الإيجابي عن الانقلاب، وتفسير كل الأحداث لصالح السفيه السيسي، كما يتبارون في تكرار الجمل التي ترد على لسانه في أي خطاب.
ورغم عدم وجود تقديرات دقيقة بشأن أجور مقدمي هذه البرامج، فإن تقارير إحدى صحف الانقلاب أشارت إلى أن بعضهم يتقاضى رواتب تتجاوز ملايين الجنيهات في العام، مع نسبة من الإعلانات التي يجلبها برنامجه للمحطة، وهو ما يحصل عليه عمرو أديب بالفعل.
ولقد نجحت عصابة السفيه السيسي حتى الآن في بسط سيطرتها على الرسائل الموجهة إلى المواطن المصري عبر الإعلام، ومن خلال هذه السيطرة استطاعت أن تفرض على الشارع المصري الاستماع إلى صوت واحد، دون أن تضمن بالضرورة رسوخ قناعة الجمهور بتلك الرسائل، وهو ما تقابله قنوات الشرعية المعارضة للانقلاب مثل مكملين ووطن والشرق.

فضيحة الدخيل
وسواء كان انعدام الضمير في السعودية او مصر فإن الأمر لا يختلف، فقد بدأ اهتمام السفيه السيسي ببناء ذراع إعلامية للعسكر حين كان وزيرا للدفاع، حيث أطلقت حينها حملة إعلامية مركزة ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، مهدت الطريق أمام الانقلاب عليه بعد سنة من استلام مهامه رئيسا لمصر، وبعد أشهر من اختياره السيسي وزيرا للدفاع.
وساير الإعلام حركة الانقلاب بالترويج وحشد الدعم للمظاهرات التي أطلق عليها زوراً “ثورة 30 يونيو”، ولم يكتف الإعلام بمواكبة خطوات السفيه السيسي بالدعم، وإنما عمل على التحريض على قتل المعتصمين في ميدان رابعة العدوية المطالبين بعودة الرئيس مرسي، وساند قوات الأمن وهي تقتحم الميدان بالدبابات وتطلق الرصاص على المتظاهرين، فهل بات الإعلام العربي بلا ضمير حرصا على ملايين الدولارات التي يلقيها الديكتاتور؟
وقال “الدخيل” في تغريدته القديمة التي تعود ليوم 15 أغسطس 2011 ورصدتها “الحرية والعدالة”:”(أعجبني) سئل أردوغان رئيس وزراء تركيا: كيف استطاع تحويل خزينة تركيا من عجز إلى فائض؟! فأجاب بكل بساطة :لم أسرق!”.

لصوص الإعلام
واليوم ومع ظهور الخلافات السعودية الإماراتية مع تركيا للعلن وفي ظل هجوم إماراتي غير مسبوق على تركيا وبعض الإعلاميين السعوديين المحسوبين عليها وعلى رأسهم “الدخيل”، عاد ليعلق على تغريدته القديمة قائلا:” لم يسرق لكنه خرج من الاقتصاد للآيديولوجيا, صارت الخلافة والجماهيرية همه. هذه إجابته. صدام لم يسرق بهذا المعنى. القصة ليست السرقة فقط. توقفوا عن الابتزاز فهو احيانا اسوأ من السرقة!”.
خطوة “الدخيل” أثارت سخرية المغردين بشدة، الذي طالبوه بسرعة حذف التغريدة قبل أن يراها محمد بن زايد ، في حين اعتبر بعضهم تبريره بالغير مقنع ومجرد هرتلة لا أكثر.
وكان البرنامج الاستقصائي “ما خفي أعظم”، الذي تعرضه قناة “الجزيرة” الإخبارية، قد كشف عن تمويل دولة الإمارات العربية لإعلاميين سعوديين ممن يقودون حملات التحريض ضد قطر، وفي مقدمتهم تركي الدخيل مدير قناة “العربية”.

عصابة السيسي
و قال أحد مؤسسي شبكة المعلومات العربية (نسيج)، عبد الله فواز الشمري، إن تركي الدخيل، مدير قناة “العربية”، تمت برمجته في الولايات المتحدة وعاد جاهزاً للانتقال من التشدد إلى الانفتاح، وتنفيذ المطلوب منه.
وعرض البرنامج وثائق تؤكد تلقي الدخيل مبلغ 633 ألف دولار من وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، عام 2014، وأنه تسلّم ملكية منزلين في شارع باترسي بلندن، وقيمتهما نحو مليونين و500 ألف إسترليني، وذلك تزامناً مع اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية في مايو الماضي.
وأكد ضيوف الحلقة أن ما يمتلكه الدخيل من أموال بات محط استغراب كثيرين، وأعرب الشمري عن استغرابه من استضافة الدخيل وليَّ عهد السعودية محمد بن سلمان، وسؤاله عن مكافحة الفساد، في حين لم يفكر بن سلمان في سؤال الدخيل عن نحو 160 مليون دولار صار يمتلكها فجأة.
يذكر أنه لم تتكشف بسرعة مراحل التخطيط الأولى التي اعتمدتها عصابة السفيه السيسي وأجهزة الدولة العميقة لإعادة السيطرة على المشهد الإعلامي في مصر بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه مع مرور الزمن وبداية تسريب مكالمات الضباط وفيديوهات اللقاءات، بدأت تتكشف خيوط المؤامرة التي صاغت المشهد الإعلامي تمهيدا للانقلاب.