بشارة: ثورات الشعوب العربية نجحت في الحد من التدخل الأجنبي الانتقائي

- ‎فيتقارير

افتتح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أمس السبت أعمال مؤتمر "من ثورات الشعوب إلى ساحة للتنافس الإقليمي والدولي: المنطقة العربية بين صعود تنظيم الدولة والانخراط الأميركي المتجدِّد" الذي يستمر ليومين وتشارك فيه نخبة من الباحثين المختصين في العلوم السياسية والاجتماعية من المنطقة العربية والعالم.

شدد المفكر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في محاضرة افتتاحية للمؤتمر على أن ما وصلت إليه الأمور في المنطقة العربية والمشرق العربي تحديدا خلال العام 2014 يقيم الدليل بأن ثورات الشعوب العربية شكّلت نقيضا لكل من التدخل الأجنبي والإرهاب.

ورأى أن حركة الشعوب العربية من أجل الحرية والكرامة ضد الأنظمة المستبدة هي أهم حراك سياسي عرفته المنطقة في القرن الأخير، وقد نجحت في الحد من التدخل الأجنبي الانتقائي الذي غالبا ما موّه مصالحه الإستراتيجية والسياسية بشعارات نشر الديمقراطية، كما جعلت الإرهاب يلوذ بالصمت مدة عام وأكثر.

وخلص إلى القول: "إن إفشال الثورة هو ما أعاد افساح المجال أمام الإرهاب والتدخل الأجنبي، وليس العكس كما تدّعيه الثورات المضادة".

وأشار بشارة إلى أن وعد الديمقراطية الذي حملته الثورات العربية كان فرصة الدول العربية الوحيدة لتتحول من كيانات سياسية إلى دول فعلا.

وأوضح أن الثورات العربية كسر مسارها لأنها جاءت من دون تصور حزبي سياسي للمرحلة المقبلة، فلا هي أتت بنظام شمولي بدل النظام السلطوي كما في حالتي الثورتين البلشفية والإيرانية، ولا هي نجحت في تحقيق هدفها بإقامة نظام ديمقراطي. ولكن عدم وضوح رؤية القوى الثورية لصياغة مستقبل البلاد، لم يكن السبب الجوهري لانكسار مسار الثورات بحسب بشارة، إنما هو العنف غير المسبوق الذي تعاملت به الأنظمة الاستبدادية مع شعوبها الثائرة. وحتى في الحالة المصرية، فإن نظام الثورة المضادة يجب أن يعترف بفضل النظامين السوري والليبي في تغيير المسار بواسطة تجرّئهما على استخدام مستوى غير مسبوق من العنف في مواجهة الشعب، فكان ذلك نقطة تحوّل مبكرة ساهمت في تخويف فئات واسعة، خارج ليبيا وسورية، من الثورات وثمنها الباهظ.

النظام الإقليمي رهينة تقلبات النظام الدولي

سعى الدكتور برهان غليون في الجلسة الأولى من المؤتمر التي خصصت لفحص "المشهد السياسي في دول الهلال الخصيب"، إلى محاولة الإجابة عن سؤال: كيف وصل الوضع في إقليم المشرق إلى حالة الفوضى والنزاع الشامل الذي نشهده اليوم؟

وفي سياق تحليله لعناصر الإجابة، أكد المحاضر أن المشرق العربي لم يعرف نشوء أي نظام إقليمي بالمعنى الحقيقي للكلمة، وما كان قائما من استقرار نسبي في العقود الماضية لم يحصل على أساس تفاهمات واتفاقات تنشأ عنها التزامات الدول تجاه بعضها البعض، وإنما نتج عن تفاهمات من خارج الإقليم بين الدول الكبرى. وهذا ما يجعل تسمية "النظام الإقليمي شبه الاستعماري"، الأكثر تعبيرا عن الوضع، لأن توازنات هذا النظام واستقراره تابعين لتوازنات من خارجه لا من داخله.

ويكفي أن تهتز هذه التوازنات الخارجية حتى يفقد الإقليم استقراره وتندلع فيه حروب السيطرة من داخل الإقليم تقودها عادة الدول الأقوى لبسط سيطرتها على الدول الأضعف أو إلحاقها بها.

ورأى غليون أن المنطقة دخلت في فوضى عارمة مع تقدم الثورة المضادة، ومحاولات إجهاض ثورات الربيع الديمقراطية، تجمع بين الفوضى السياسية الذي يجسدها انهيار الدولة، والفوضى الإقليمية التي يشير إليها انهيار الاستقرار والتوازن لصالح الحرب، وانتشار النزاعات الداخلية والخارجية وتداخلها كما لم يحصل في أي حقبة سابقة.

واتفق تحليل الدكتور مروان قبلان في ورقة عن "الهلال الخصيب: صراع داخلي أم تنافس إقليمي ودولي؟” مع ما ذهب إليه برهان غليون، مؤكدا على أن ارتباط النظام الإقليمي في المنطقة بالنظام الدولي هو أحد أبرز عوامل الفوضى التي تعيشها المنطقة، غير أن سوء الإدارة وغياب نخب قادرة على ابتداع إستراتيجيات لإدارة الموارد أيضا عوامل تتسبب في تحويل الموقع الإستراتيجي لدول مثل سورية والعراق إلى ساحة صراع وفوضى. ورأى أن أهمية الصراع على سورية أو معها تزداد في منطقة لا تزال الواقعية الكلاسيكية وموازين القوى والمعادلات الصفرية تشكل الوعي السياسي للنخب الحاكمة فيها، ولا تزال الدول فيها تنشد الأمن بطريقة فردية وتسعى نحو الهيمنة وتعظيم مصادر قوتها على حساب الآخرين.

جلسات ونقاشات

شمل برنامج المؤتمر في يومه الأول جلستين أخريين، أولاهما عن "انهيار الدولة وصعود دور الفاعلين من غير الدولة في دول الهلال الخصيب"، واستعرضت ثانيتهما مواقف اللاعبين الإقليميين من التطورات في دول الهلال الخصيب. ويستمر المؤتمر في يومه الثاني (الأحد 19 تشرين الأول / أكتوبر 2014) بعقد جلستين اثنتين حول "سياسات دول الخليج العربي تجاه المتغيرات السياسية في دول الهلال الخصيب" و"تداعيات عودة التدخل الأميركي في المنطقة بعد صعود تنظيم الدولة"، ويختتم بحلقة نقاشية عامّة. وينتظر أن يصدر عن المؤتمر تقرير يلخص نقاشات الجلسات ليكون وثيقة يمكن أن يستفيد منها صانع القرار في المنطقة.