“الشحن الكروي”.. لعبة إلهاء سياسي يديرها إعلام العسكر

- ‎فيأخبار

كتب سيد توكل:

كرة القدم هى اللعبة الشعبية الأولى عالميا، ولها مذاق خاص منذ بدايتها في شكلها الحديث في القرن التاسع عشر وحتى الآن، وتتزايد أهميتها وشعبيتها عامًا بعد عام، فإلى جانب كونها وسيلة للتسلية والمتعة والهرب من روتين الحياة اليومية، فهي وسيلة للجماهير المطحونة للهرب من ضغوط القمع والانتهاكات، وصعوبة المعيشة وغلاء الأسعار وفشل رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

ولكن هل تعلم ما هو الشحن الإعلامي الذي يمارسه نظام السيسي؟، أبسط أضراره ما قام به صاحب كافيه بمصر الجديدة، عندما أنهى حياة شاب فى مقتبل عمره بعد مباراة المنتخب المصري أمس الأحد مع الكاميرون، إثر مشادة كلامية بين المجني عليه والمتهم، ووصل جثمان "محمود.ب" الذي كان برفقة خطيبته جثة هامدة إثر إصابته بطعن نافذ بجسده أودى بحياته.

ما يدفع بالمراقبين إلى التساؤل حول علاقة السياسة بكرة القدم، ومن منهما يحرك الآخر؟، خاصةً أن كرة القدم هي اللعبة الأكثر جماهيرية في العالم، ويبلغ مشجعوها مليارات البشر، وكيف تسببت هذه اللعبة من قبل في اندلاع حرب بين دولتين، واستغلها معظم حكام العالم لزيادة شعبيتهم.

ولا يزال المصريون يذكرون يوم 14 نوفمبر الأسود 2009، وكارثة اللقاء الكروي بين المنتخب المصري لكرة القدم والمنتخب الجزائري، والشحن الإعلامي الذي لازم المباراة الفاصلة في السودان 18 نوفمبر 2009.

الإعلام أداة تحريض وكراهية
في مباراة مصر والكاميرون أمس الأحد تذكرة بما جرى مع الجزائر، حيث لم يكن اشد المتشائمين يمكن أن يتوقع أن يصل الصخب الإعلامي، إلى مواجهات بين مشجعي الفريقين سواء في القاهرة أو في الجزائر ، أو كما حدث في الخرطوم.
"الشحن الإعلامي" شجع عبث المتعصبين من جمهور الطرفين، وهو يعكس سياسة إلهاء يتبناها النظام الحاكم في كل من البلدين، و باقي الأنظمة المستبدة في العالم العربي، من استغلال للرياضة في الهاء الشعوب عما يجرى من تطورات على ساحة بلدانهم، وخاصة فيما يتعلق بنظام الحكم وتوزيع الموارد، أو في انتهاكات حقوق الإنسان التي باتت سمة عامة ومنهجا تمارسه سلطات الانقلاب في مصر.

في مصر بدأ "الشحن الإعلامي" من داخل برلمان الدم، بعدما ارتدت إحدى النائبات تيشيرت المنتخب، وظلت ترقص وتهلل وتتمايل أمام باقي النواب، وأمام نظرات الإعجاب التي أبداها علي عبد العال رئيس المجلس للتيشيرت، مرددة أن تاريخ مصر يتوقف على الفوز في مباراة الكاميرون!

وفي ظل هياج النائبة التي هيجت باقي الأعضاء تجاهل برلمان الدم حقيقة أن مصر غارقة حتى أذنيها في مشاكل سواء كانت كبرى من عينة تسلط سلطات الانقلاب، أو ضعف الأحزاب السياسية الكرتونية وضعف المشاركة السياسية، حتى غلاء الأسعار وأزمة جمع القمامة، وتلوث مجاري المياه والسحابة السوداء.

مصطلحات حربية!
يقول الكاتب والمحلل السياسي "محمد شفيق" :" عندما تصبح المشاهدة والتشجيع هي كل ما هو متاح للجماهير في ظل عدم قدرتهم على الممارسة الفعلية، أو حتى بسبب عدم توافر القدرات المادية أو الأماكن المتاحة لممارسة الرياضة، تزداد حدة التعصب والانتماء لدى جماهير المشجعين والمشاهدين التي لا تملك غير المشاهدة السلبية وليس الممارسة الفعلية".

ودأب إعلام العسكر منذ المخلوع مبارك، سواء الصحف أو الفضائيات الحكومية أو الخاصة على تصوير مباريات الكرة بألفاظ تستخدم في مواجهات الحروب.

مثلا: "موقعة الجابون" ، "موقعة الخرطوم" ، "الجسر الجوي" والتي لا تستخدم إعلاميا إلا في كارثة غرق بحري أو فيضان نهري أو زلزال مدمر أو مجاعة رهيبة، أو في حال انتشال مدنيين من ساحة حرب حقيقية.

في عهد المخلوع مبارك قام الرئيس الجزائري بوتفليقة مثلا بإقرار سفر الجمهور الجزائري على طائرات مكتوب عليها اير فورس بالمجان، بالمقابل حشد الحزب الوطني المنحل أعضاءه وأعضاء مجلس الشعب وفنانين وإعلاميين للسفر بدلا من جمهور الكرة الدائم الذي يسعى إلى تشجيع المنتخب المصري وفي ذات الوقت لا يقدر على دفع تذكرة السفر.

وتم "الشحن" في مصر باستخدام الأغاني الوطنية، التي سجلت في عدد من الحروب بين العرب وإسرائيل ،عدو العرب التاريخي سواء في حربي 1967 و1973 ، كخلفيات لمباراتي القاهرة والخرطوم، مثلا (يا حببيتي مصر ) ، وأنا على الربابة بغني، وغيرها من الأغاني الحماسية الملهبة.

واستمر الشحن عبر مانشتات الصحف المصرية والجزائرية، والتي أثارت شائعة وفاة مواطنين جزائريين، وأدت إلى إحراق مقر مكتب مصر للطيران وارواسكوم، بسبب ما إثارته تلك الصحف خاصة جريدة الشروق، وتأخر بعض المسئولين الجزائريين في نفي تلك الشائعة.

حد ينام ع الكورة يا ولاد!
وعلى طريقة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في توظيف مباريات الكرة سياسيا في ملف التوريث ولإلهاء الجماهير، وامتصاص غضبها، واصطناع فرحتها؛ حاول الإعلاميون الموالون لرئيس الانقلاب، توظيف فوز مصر على المغرب في بطولة كأس أمم أفريقيا سياسيا، لصالح جنرالات الانقلاب.

ولم يتمالك غالبيتهم أنفسهم من الرقص على الشاشة، وطالب بعضهم الناس بالنزول للاحتفال والفرحة بالشوارع، فيما ادعى فريق ثالث أن فرحة المصريين بهذا الفوز ستعيد توحيدهم، وهو ما علق عليه معارضون للسيسي بالقول إنه إلهاء للمصريين، وتمهيد لنسبة أي إنجازات كروية إلى السيسي.