كتب رانيا قناوي:
بعد مرور أقل من أسبوع على زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولقاء الرئيس دونالد ترمب، فاجأت واشنطن حليفها الإستراتيجي ببدء تنفيذ قانون "جاستا"، الذي يسمح برفع دعاوى قضائية ضد دول تتهمها واشنطن بالتورط في تنفيذ أحداث وتفجيرات 11 سبتمبر، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بقيام مئات من أقارب أشخاص قتلوا في هجمات 11 سبتمبر 2001 برفع دعوى قضائية في المحاكم الأمريكية.
يأتي ذلك في محاولة للاستفادة من قانون جاستا الذي أجازه الكونجرس العام الماضي ويسمح لضحايا مثل هذه الهجمات على الأراضي الأمريكية بمقاضاة الدول الراعية للهجمات المذكورة، الذي يطالب فيه رافعوا هذه الدعاوى بتعويضات بمليارات الدولارات.
وفسر عدد من المتابعين للشأن الأمريكي أن مافيا التعويضات التي يتزعمها عدد من المحامين البارزين في الولايات المتحدة، ربما يستغلون قانون جاستا للحصول على مليارات الدولارات من السعودية، بضوء أخضر من الإدارة الأمريكية التي كانت تقف أمام هذا القانون في الماضي.
قانون جاستا
وتعد الدعوى القضائية التي أقيمت أمس الاثنين 20 مارس 2017 أمام المحكمة الاتحادية في مانهاتن، أحدث محاولة لتحميل السعودية مسئولية تلك الهجمات التي شنتها القاعدة وأسفرت عن سقوط نحو 3 آلاف قتيل في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا.
ولسنوات، أحبط القانون الأمريكي الذي يمنح الدول الأجنبية حصانة واسعة من مقاضاتها، محاولات ضحايا 11 سبتمبر مقاضاة السعودية في نيويورك.
وفي 2015، رفض قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية، جورج دانييلز، دعاوى ضد السعودية من عائلات ضحايا 11 سبتمبر، قائلاً إنه ليس له سلطة قضائية على دولة ذات سيادة.
ولكن في الخريف الماضي، أجاز الكونجرس، بأغلبية ساحقة، "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يسمح برفع مثل هذه الدعاوى القضائية.
وتجاهل النواب اعتراضًا من رئيس الولايات المتحدة آنذاك، باراك أوباما، الذي قال إن القانون سيجعل الشركات والقوات والمسئولين الأمريكيين عرضة لدعاوى قضائية في دول أخرى وقد يثير غضب الحلفاء.
ومنذ ذلك الوقت، أقيمت عدة دعاوى قضائية في نيويورك ضد السعودية؛ من بينها الدعاوى التي أقيمت يوم الاثنين، وكلها سينظرها دانييلز. وأقامت الدعاوى السابقة عائلات الضحايا ومئات الأشخاص الذين أُصيبوا نتيجة هذه الهجمات.
وكان 15 شخصًا، من بين 19 شخصًا خطفوا طائرات ونفذوا الهجمات، ولم تجد لجنة تحقيق شكلتها الحكومة الأمريكية دليلاً على أن الحكومة السعودية مولت بشكل مباشر "القاعدة"، ولكنها تركت احتمال أن يكون مسئولون فعلوا ذلك بشكل فردي مفتوحًا.
ونفت الحكومة السعودية أي دور لها في الهجمات. ولم يرد محام عن الحكومة السعودية بشكل فوري على طلب للتعقيب الثلاثاء.
وأقامت دعوى الاثنين، التي تطالب بتعويضات لم يتم تحديدها، عائلات نحو 800 من الضحايا، إضافة إلى ما يقرب من 1500 شخص أُصيبوا بعد توجههم لموقع الهجمات في نيويورك.
ترمب والسيناريو الجديد
ولعل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قبل تسلم منصبه خلال حملته الانتخابية، صرح بأن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تحصل على ثمن حمايتها لبعض دول التحالف في الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت، معتبرا أن حماية هذه الدول من خلال القواعد المنتشرة التي تحمي المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بالأساس يجب أن يكون مدفوع الثمن، مضيفا أنه لن تكون حماية بعد ذلك دون مقابل.
الأمر الذي يؤكد أن السياسة الجديدة التي ربما تتبعها الولايات المتحدة تقوم على تغير إستراتيجي كبير في علاقاتها بدول الخليج، لن تكتفي من خلاله بحماية مصالحها فقط واستنزاف الثروات البترولية التي تسيطر عليها، ولكن كما قال ترمب الحصول على ثمن حماية واشنطن لدول الخليج، بما يعني أن ترمب بدأ في تحصيل حماية العروش الخليجية التي تسيطر عليها عائلات بعينها سواء كان في السعودية أو الإمارات والكويت والبحرين وغيرها من الدول التي تنتشر فيها قواعد الولايات المتحدة.
خيارات الرياض
ويرى مسئولون في الرياض أن "جاستا" يمثل تصعيدا خطيرا من شأنه إعادة الحسابات في مستوى العلاقات العتيدة بين البلدين في ملفات أمنية واقتصادية.
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف في تصريحات سابقة، إن "الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان.. ولا نستطيع أن نقول لهم لا تستهدفونا، لكن المهم أن نحصّن أنفسنا قدر الإمكان".
إلا أن تعليقات المسئولين السعوديين لا تعطي حتى الآن تصورا عما يمكن أن يكون عليه رد فعل الرياض تجاه القانون.
وقال الباحث في العلاقات الدولية سالم اليامي، إن أكثر الخيارات المطروحة هو تخفيف التعاون الأمني بين الجانبين، الذي شهد تناميا وتنسيقا عاليا في السنوات الماضية خصوصا في مكافحة الإرهاب.
كذلك بإمكان السعودية تقليص التعاملات التقليدية في الاستثمار والتجارة، والاعتماد على منتجات دولية ومحلية، وهو أمر مبرر بعد أن "فقدت العلاقات بين البلدين وديتها ومرونتها".
كما يعتقد أن صانع القرار السعودي قد يلجأ إلى أدوات مفاجئة، خصوصا أن الرياض قد لوحت خلال مناقشة القانون في إبريل الماضي بسحب أرصدتها من النظام المالي الأمريكي، وتنويع شراكات السعودية وتحالفاتها الدولية والتي أثارت الحساسية الأمريكية في السابق وربما ساهمت في اللجوء إلى هذا القانون للابتزاز ومحاولة السيطرة، فالاتجاه شرقا وشمالا يعني مزيدا من بناء الجسور مع القوى العالمية العريقة والصاعدة".
شراكات بديلة
وقال الخبير الاقنصادي خالد باطرفي إنه قد تتجه السعودية إلى مواصلة تنويع سلتها الاستثمارية وعلاقاتها التجارية والتركيز أكثر على العالمين العربي والإسلامي والاقتصادات الكبرى، "وهنا تبرز العلاقات الإستراتيجية مع تركيا واليابان والهند وكوريا والصين وإندونيسيا كنموذج لهذا التوجه".
ويقول باطرفي إن في الوقت متسعا للرياض في الدفع قانونيا أمام المحاكم الأميركية بعدم الاختصاص، "نظرا لتعارض هذا القانون مع القانون الدولي المتعارف عليه منذ مئات السنين واتفاقية فيينا التي وقعتها الولايات المتحدة فيما يخص الحصانة السيادية".
الحفاظ على العرش
إلا أن الخبراء السياسيين والسعوديين ربما فاتهم الحديث عن أن خيارات السعوديين ربما تصطدم بالإرث التاريخي في حماية الولايات المتحدة لعروش العائلة المالكة في السعودية.
فضلا عن ان هناك رغبة كبيرة أصبحت معلنة من الجميع في السعودية عن سعي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ونجل الملك سلمان، في أن يكون وريث عرش أبيه، وهو الأمر الذي تبين بشكل كبير من خلال زيارات محمد بن سلمان المتكررة للولايات المتحدة، في الوقت الذي كان يلعب فيه هذا الدور الأمير محم بن نايف ولي العهد الحالي، فهل تستطيع السعودية في ظل النظام الحالي تأمين خياراتها في مواجهة قانون جاستا بالتزامن مع رغبة محمد بن سلمان في الوصول لكرسي العرش السعودي؟".