حجب الصحف والمواقع.. من مواجهة المعارضين لتأديب الموالين

- ‎فيتقارير

في زمن الانكسار الذي تعيشه مصر في ظل حكم العسكر، باتت الحقيقة موجعة ولا يقوى نظام السيسي على المواجهة بالمثل وبالكلمة والبيان المقنع، ولكنه لضعفه يستلّ سلاحه القمعي بالحجب والمنع والمصادرة لمواجهة الآخر، فالكل سواسية أمام الانقلاب العسكري الغاشم الذي لا يعرف للحوار سبيلا، ولا للكلمة والفكر قيمة، بل القتل الجسدي والمعنوي سبيله، وهو ما يضع مصر في نفق التراجع الحضاري لمئات السنين لقرون سابقة.

تأليه العسكر

وكعادة النظم الاستبدادية، لا سبيل للعسكر وإعلامهم إلا تأليه العسكر وتقديس أفعالهم وحجب أي تعليق على سياساتهم وقراراتهم وأفعالهم، حتى لو اضطروا إلى إغلاق وحجب وسائل إعلام تعبّر عنهم وتدافع عنهم، وهي المسماة بالقومية.

وهو الأمر الذي تواجهه بوابة الأهرام الحكومية القومية، الناطقة باسم النظام، وهو ما يؤشر إلى مرحلة جديدة من غياب الشفافية وقتل الحقيقة، فقد تخطت عدوى حجب المواقع الإلكترونية في مصر مرحلة المواقع الإخبارية المصرية والعربية والدولية التي تنتقد النظام المصري، بل وصلت إلى مرحلة حجب المواقع الإلكترونية الموالية والناطقة باسم النظام.

حيث يناقش اليوم ما يسمى “المجلس الأعلى للإعلام”، حجب عدة مواقع إخبارية مصرية، من بينها “بوابة الأهرام”، الموقع الإلكتروني الصادر عن صحيفة الأهرام القومية، على خلفية نشرها أخبارًا عن إغماء مُدرّسة بمحافظة بورسعيد بعد اعتداء ضابط شرطة عليها.

وأعلنت لجنة الشكاوى التابعة للمجلس الأعلى للإعلام، عن أنها حصلت على توصية بحجب موقع “الشرقية أون لاين” نهائيًا، وتوجيه إنذارات لثلاثة مواقع أخرى، إلى جانب حجب جزئي لمدة ثلاثة أشهر لعشرة مواقع أخرى هي “الفجر”، “القاهرة 24″، “مصر بوست”، “أهل مصر”، “حرية برس”، “صوت مصر”، “أخبارك”، “الحدث اليوم”، “الديار”، “بوابة الأهرام”، على خلفية نشرها نفس الخبر.

كانت تلك المواقع الإخبارية، قد نشرت تقارير صحفية نقلًا عن غرفة عمليات نقابة المهن التعليمية، تشير إلى أنها “تلقت إخطارًا من النقابة الفرعية للمعلمين ببورسعيد، يفيد بتعدي ضابط شرطة على إحدى المعلمات المنتدبات من محافظة بورسعيد إلى إحدى لجان الثانوية العامة بالإسماعيلية لتأدية عملها كملاحظ”.

وبحسب خبراء، فإن اللافت في هذه الواقعة، ليس تحقيق المجلس الأعلى للإعلام في ممارسات المواقع الإلكترونية السابقة في تداول خبر نقلًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، دون التحقق من مصدره، بل مناقشة توصية بحجب تلك المواقع مباشرة، بما فيها “بوابة الأهرام”.

وانتشرت عدوى حجب المواقع في مصر منذ 24 مايو 2017، عندما أقدمت السلطات الانقلابية  على حجب 21 موقعًا إلكترونيًا، كانت أغلب المواقع المحجوبة هي مواقع إخبارية. لاحقًا، توسعت السلطات في حجب مواقع لتشمل عددًا ضخمًا من المواقع التي تقدم محتوى وخدمات مختلفة، حتى وصل عدد المواقع التي تعرضت للحجب إلى 520 موقعا، وفق ما أمكن رصده، بعد حجب موقعي وكالة الأناضول التركية والتلفزيون التركي، مع استمرار أزمة حجب موقع التحرير الإخباري، حسب تقرير للمرصد العربي لحرية الإعلام، عن الانتهاكات التي وقعت بحق إعلاميين وصحفيين في يونيو الماضي.

يأتي هذا بالمخالفة لأبسط المواد الدستورية في دستور الانقلاب الذي ينص على أنه “يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زَمن الحرب أو التعبئة العامة”. إلا أن القانون رقم 180 لسنة 2018، والمسمى بقانون تنظيم الصحافة واﻹعلام والمجلس اﻷعلى لتنظيم الإعلام، وضع قيودًا مكبِّلة لحرية الصحافة في مخالفةٍ ﻷحكام الدستور”.

لكن قانون تنظيم الصحافة والإعلام توسّع في منح المجلس اﻷعلى للإعلام صلاحيات الحجب والمنع والمصادرة للصحف والوسائل اﻹعلامية المصرية، وفقًا لمعايير فضفاضة قابلة للتأويل مثل: “اﻵداب العامة” و”النظام العام” و”اﻷمن القومي”.

وتنص المادة الرابعة من الباب اﻷول في قانون تنظيم الصحافة والإعلام على أنه “يحظر على المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية والموقع الإلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان يتعارض محتواه مع أحكام الدستور، أو تدعو إلى مخالفة القانون، أو تخالف الالتزامات الواردة في ميثاق الشرف المهني، أو تخالف النظام العام والآداب العامة، أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية. وللمجلس الأعلى، للاعتبارات التى يقتضيها الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات، أو صحفًا، أو أي مواد إعلامية أو إعلانية، صدرت أو جرى بثها من الخارج، من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض”.

وبذلك أطاح القانون بالحرية الممنوحة للصحافة وفقًا للدستور، ونصَّب المجلس اﻷعلى للإعلام رقيبًا على الصحف يتدخل بالقص والحذف والتعديل والمنع والمصادرة إذا تراءى لها ذلك.

بوابة الحرية والعدالة

ومؤخرًا، كشف تقرير فني صادر عن مركزين بحثيين عن أن سلطة الانقلاب تتعمّد حجب موقع “الحرية والعدالة” بشتى الطرق، حتى إنها تستخدم استراتيجيات فنية مضاعفة لمنع دخول المصريين على الموقع بأي طريقة، بحيث لو نجح أحد في الدخول عبر ثغرة فنية تواجهه تقنيات حجب جديدة.

وتحدث التقرير الذي أصدرته “مؤسسة حرية الفكر والتعبير ” (AFTE)، و”المرصد المفتوح لاعتراض الشبكات “(OONI)، وهو معمل بحث تقني غير ربحي يتبع مشروع تصفح الإنترنت الآمن (TOR)، عما أسماه “استراتيجية الدفاع في العمق”، من أجل حجب موقع حزب الحرية والعدالة في مصر (FJP)”.

وأشارت اختبارات التقرير الفني للمؤسسة والمرصد، إلى أنه تم حجب نسختين من موقع الحرية والعدالة، هما (http://www.fj-p.com  و http://fj-p.com) بواسطة “صندوقين وسيطين مختلفين (middlebox)  للحجب.

وفي الفترة الأخيرة باتت الرقابة على الإنترنت تطال الجميع في مصر، وأن مزودي خدمة الإنترنت للمصريين لا يقومون بحجب المواقع مباشرة، لكنهم يُعيقون الاتصال من خلال استخدام أجهزة الفحص العميق للحزم (DPI)  أوDeep Packet Inspection.

أي يطبقون تكتيكات “الدفاع في العمق” لتصفية الشبكات من خلال إنشاء طبقات متعددة للرقابة التي تجعل تجاوز الحجب أكثر صعوبة، ويستخدمون أجهزة الفحص العميق للحزم (DPI)  لمراقبة روابط (HTTP)  وإعادة توجيهها إلى محتوى مدر للدخل، وأن الحجب يطال العديد من المواقع التي تسعي لفك الحجب أيضا مثل موقع “تور”.