تقدير سياسي: تظاهرات الجمعة نصف ثورة شعبية في طريقها للتبلور

- ‎فيتقارير

كثيرا ما حيرت تظاهرات الغضب الشعبي التي انطلقت في مصر الجمعة الماضية، بين من يعتبرها ثورة شعبية مكتملة يفاقمها الغضب الشعبي من كل ممارسات النظام المصري، وبين من يراها ترتيبا لانقلاب داخلي يطلب الغطاء الشعبي.

وفي هذا السياق قال تقدير سياسي، نشره "الشارع السياسي" بعنوان: "دلالات تظاهرات الجمعة.. انقلاب أبيض أم ثورة شعبية؟"، إن التظاهرات مبعثها الغضب المكتوم الذي وجد فرصة لاطلاقه عبر دعوات محمد علي للتظاهر.

وقال التقدير: "منذ فجر 20 سبتمبر، دخل الشارع المصري في مرحلة كبيرة من التوجس والترقب، إزاء تزايد الأصوات المنادية بالنزول للشوارع، وبث العديد من النشطاء فيديوهات لغياب كبير لقوات الأمن في شوارع وميادين القاهرة والجيزة".

ومع نهاية مباراة الأهلي والزمالك ببطولة السوبر المصري، تفجرت شوارع القاهرة والجيزة والإسكندرية والمحلة الكبرى والمنصورة بالدقهلية والزقازيق بالشرقية ومرسى مطروح وسوهاج بالصعيد، وسط مواجهات محدودة مع المتظاهرين ومحاولات القبض على بعض الشباب وسط حالة كر وفر في ميادين طلعت حرب وعبد المنعم رياض بوسط القاهرة.

وهو ما اعتبره "الشارع السياسي" يؤكد الحالة المزاجية الجديدة للشارع المصري، وكسر حواجز الخوف المتصاعدة منذ الانقلاب العمري في 3 يوليو ٢٠١٣.

 أما سلوك الأمن الذي يمكن وصفه باللطيف مقارنة مع ممارساتهم الخشنة منذ انقلاب 2013، يرجعه البعض إلى تعليمات أمنية بعد الاصطدام الخشن مع الجماهير حتى لا يستفزوا بصورة كبيرة فتتزايد الأعداد.

بينما يراه البعض سياسة مرتبكة من الداخلية وسط عدم توقعهم بنزول كل هذه الأعداد بالأساس ، بينما طرف آخر يرى أنه مؤشر قوي من أن الأمن لديه تعليمات بترك المتظاهرين؛ لرغبة لدى أطراف سيادية بنهاية فترة حكم السيسي..وهو ما يؤكده نشطاء سياسيون بأن أصدقاء لهم من الضباط أبلغوهم أن لديهم تعليمات بعدم التصادم مع المتظاهرين ، حتى إن حدثت تصرفات فردية من بعض القوات فيتم إخراج المعتقلين من الأقسام، وهو ما حصل في منطقة المحلة، حيث جرى تحرير فتيات تم اعتقالهن من ميدان الشون بالمحلة بالغربية.

ولعل غياب قوات الجيش عن المشهد يؤكد دلالات مهمة من موقف حاسم داخل المؤسسة العسكرية بإنهاء حكم السيسي الذي أصبح عبئا كبيرا على النظام.

وهو ما تحدثت عنه مصادر سياسية من داخل النظام، من أن تململا كبيرا تشهده الأوساط السيادية بعد إهانة صورة المؤسسة العسكرية بفجاجة مع فيديوهات الفنان والمقاول محمد علي.

وأرجعت المؤسسات السيادية غضبها بسبب سياسات الفشل في ملفات سيناء وتيران وصنافير وسد النهضة والتنازل عن مساحات كبيرة من مياه مصر الاقتصادية في البحر المتوسط لليونان وقبرص الرومية نكاية في تركيا، وكذا توريط مصر في ديون غير مسبوقة للخارج وللداخل بما يهدد مصر بالإفلاس…بجانب تشكيل السيسي لقوة تدخل سريع، تعمل خارج سيطرة وزارة الدفاع، بجانب سياسات السيسي المتعلقة بالصفقات العسكرية وتجاوزه المختصين بالجيش لصالح عمولات له ولدائرته الضيقة، وعدم السماح باستعمال الأسلحة الجديدة في العمليات العسكرية بسيناء، ما تسبب بمقتل الجنود والقيادات العسكرية في سيناء وعدم حسم المواجهات مع المسلحين ، في الوقت الذي ترفع فيه بعض القيادات القتل في صفوف المدنيين بما يفاقم الغضب الشعبي من قوات الجيش بصورة عامة في سيناء.

علاوة على إقالة مئات القيادات العسكرية والأجهزة السيادية والمخابرات العامة بصورة مسيئة في سبيل فرض سيطرة السيسي سطوته على مفاصل الدولة وتعزيز سلطة ابنه محمود في جهاز المخابرات الذي أصبح وكيلا له بترقيات غير قانونية.

ومما فاقم التململ والغضب لدى المؤسسات السيادية الغضب المتصاعد بين الفرق والأسلحة العسكرية العاملة بعيدا عن القطاعات الاقتصادية، والتي تقدم أرواحها في ميادين العمل بينما السيسي وبعض قيادات محيطة به ينالون المزايا المالية والاقتصادية.

ولا يمكن في إطار النظرة السريعة لتظاهرات الجمعة، تجاوز غياب الجيش ومدرعاته من المشهد ، بالرغم من تواجدهم المستمر في الشارع  منذ انقلاب 2013، وهو ما يمكن اعتباره تمهلا لدراسة الموقف عن كثب، انتظارا لتصاعد التظاهرات لتقديم مبرر منطقي لبعض الأطراف الدولية بقرار مضاد للسيسي وبقائه على رأس السلطة في مصر، أو لترتيب مرحلة ما بعد السيسي، إلا أن هذا الأمر يبدو مجرد توقع في ضوء غياب أية أو بيانات مسموعة أو معلومات او مواقف واضحة أو محاولة للضغط على السيسي للحصول على مزايا مستقبلية أكثر في ضوء إن رفضت واشنطن وتل أبيب والأطراف الغربية والعربية التنازل عن السيسي.

وتابع "الشارع السياسي"، لكن المشهد في حاجة لتطوير سياسي وشبابي وإعلامي أكثر من قبل القوى السياسية.. ومن المتوقع في حال استمرار التظاهرات عدة أيام أو سقوط ضحايا في أوساط المتظاهرين أن تتبنى أطراف دولية موقفا من التظاهرات

ويرى مراقبون أن المواقف الإقليمية لن تكون في صالح السيسي أيضا، في وسط الورطة السعودية في اليمن وأيضا ورطة الإمارات في ليبيا، وخسارة نتنياهو في إسرائيل، والتصعيد الإيراني الكبير ضد الخليج العربي وأزمة السعودية الاقتصادية بعد ضرب شركة أرامكو.

إلا أن الأهم والأخطر التعامل الحذر مع القيادات العسكرية في المرحلة المقبلة، التي قد تكون تخطط لإعادة المشهد السوداني في مصر ، وهو نصف ثورة ونصف انقلاب….وهو ما سيصطدم مع حماهير المصريين الذين يرفضون استمرار العسمر بتحاربهم المريرة والجامية معهم طوال 6 سنوات مضت.