تطورات أزمة سد النهضة.. بالأدلة والشواهد.. هكذا صان مرسي وخان السيسي

- ‎فيتقارير

استعرض الخبير الاقتصادي د. عبدالتواب بركات خيانة رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي في ملف سد النهضة، وقارن بين مواقفه المشينة ومواقف الرئيس الشهيد محمد مرسي الذي صان حقوق مصر المائية وحقق مكتسبات في ملف سد النهضة فرط فيها رئيس الانقلاب بجهله واستكباره.

وفي مقال له بموقع “العربي الجديد” تحت عنوان “تجاوزات السيسي في مفاوضات سد النهضة”، يرد بركات على اتهام رئيس الانقلاب لثورة يناير بالتسبب في أزمة السد، مؤكدا أنها مغالطة كبرى، لكن السيسي استخدم ذلك في سياق التحذير من تكرار الثورة التي اعتبرها أشد خطورة من بناء السد.

ويؤكد بركات أن مخطط بناء سد النهضة وغيره من السدود قد بدأ الكشف عنه في ستينيات القرن الماضي، وبأن إثيوبيا أعلنت عن بناء السد في 2010، وأن الرئيس الأسبق حسني مبارك طلب من الخرطوم إنشاء قاعدة عسكرية لاستخدامها إذا أصرت إثيوبيا على بناء سد، وفق وثيقة نشرها موقع ويكيلكس ويعود تاريخها إلى 26 مايو 2010م.

مواقف متشددة من الرئيس مرسي

وتناول الكاتب مواقف الرئيس الشهيد محمد مرسي المتشددة حتى وصل إلى التصريح باستخدام القوة لحماية حقوق مصر المائية.

ويوضح الخبير الاقتصادي أن مصر والسودان وإثيوبيا اتفقوا في 29 نوفمبر 2011، على تشكيل “اللجنة الدولية لتقييم الدراسات الإثيوبية لسد النهضة” وتتكون من 10 خبراء: اثنان من كل دولة من الدول الثلاث، وأربعة خبراء أجانب محايدين ومتخصصين في مجالات هندسة السدود والموارد المائية، وتأثيرات السدود على الحياة الإقتصادية والاجتماعية والبيئية. وبدأت اللجنة عملها في مايو 2012، وأنجزت تقريرها النهائي في 31 مايو 2013.

وكشفت اللجنة في تقريرها عن وجود سلبيات خطيرة في التصميمات الإنشائية، وقالت اللجنة إن التصميمات الإنشائية التى قدمتها إثيوبيا عن السد هي تصميمات أولية وسطحية، ولا تختص بالمشروع نفسه ولا موقعه الحالي، ولا ترقى لمستوى الدراسات المطلوبة لسد بهذا الحجم الضخم، وأن بعض هذه الدراسات قد وضعت بعد البدء في بناء السد وأثناء عمل اللجنة.

وأثبت التقرير أن حكومة إثيوبيا تخفي كثير من المعلومات الحيوية عن السد وتتعامل معها بسرية تامة، وأوصى الخبراء بضرورة وضع تصميمات جديدة للسد، وبإتاحة كل المعلومات المتعلقة ببناء السد، وإجراء دراسات إنشائية وبيئية واقتصادية جادة وحديثة، وقد أقرت إثيوبيا بما ورد في التقرير، ووقّع الخبيران الإثيوبيان عليه كاملًا.

ويشير بركات إلى أنه بعد أسبوع واحد من صدوره، شرع الرئيس مرسي في استخدام مخرجات تقرير اللجنة الدولية والذي اعترفت إثيوبيا بكل ما ورد فيه من مخاطر، في مطالبة إثيوبيا بوقف بناء السد إلى حين التأكد من أنه لا يشكل خطرًا على أمن مصر المائي”.

وباعتباره رئيسا منتخبا، تبنى مرسي سياسة حشد القوى الشعبية وتوحيد الصف الوطني في مواجهة أزمة سد النهضة، ودعا أحزاب المعارضة للاجتماع في مقر الرئاسة وأطلعهم بشفافية على ما ورد في تقرير اللجنة الدولية، وهو الاجتماع الذي اذاعه التلفزيون الرسمي على الهواء مباشرة دون علم المشاركين، ودعا بعضهم إلى أعمال استخباراتية ضد اثيوبيا، واعتبرته وسائل الإعلام فضيحة وكشف لأسرار الدولة.

ثم عقد الرئيس الشهيد مؤتمرا شعبيا تحت عنوان “المؤتمر الوطني للحفاظ على حقوق مصر في مياه نهر النيل”، لطمأنة المصريين بقدرة الدولة المصرية على الحفاظ على مياه النيل، وقال في كلمته أمام المؤتمر، الذي عُقد قبل انقلاب يوليو بثلاثة أسابيع، وعلى الهواء مباشرة، أخطر مما قيل في اجتماع أحزاب المعارضة، وهو التهديد صراحة باستخدام القوة ضد إثيوبيا.

وشدد على أن “أمن مصر المائي لا يمكن تجاوزه أو المساس به على الإطلاق، وإنني كرئيس للدولة أؤكد أن جميع الخيارات أمامنا مفتوحة في التعامل مع هذا الملف، ولا نسمح أبدًا بأن يهدد أمننا مائيًا أو غير ذلك، وإن نقصت مياهه قطرة واحدة فان دماءنا هي البديل”.

وبحسب بركات “كانت إثيوبيا في موقف قانوني ودولي ضعيف بعد خروج تقرير اللجنة الدولية للعلن وإقرارها بما ورد فيه من إدانات، ولم تتهم مرسي بإعلان الحرب، ولم تلجأ إلى الإتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة للاعتراض على خطاب مرسي، واكتفت بإطلاق تطمينات لمصر بعدم الضرر، لعلمها أن القانون الدولي لا يعطيها الحق في بناء السد دون موافقة مصر”.

ويشيد الكاتب كذلك بمواقف الرؤساء السابقين أنور السادات وحسني مبارك، موضحا أنها لم تكن المرة الأولى التي يهدد فيها رئيس مصري باستخدام القوة للدفاع عن حقوق مصر المائية. ففي 1970 هدد الرئيس الراحل، أنور السادات، بشن حرب لمنع أي تدخل في تدفق المياه إلى نهر النيل، وقال: “العبث بحقوق الأمة في المياه هو العبث بحياتها، وإن قرار خوض الحرب لهذه الأسباب أمر لا جدال فيه في المجتمع الدولي”.

خيارات كثيرة

ويشير الكاتب إلى أن مصر في عهد الرئيس مرسي كانت تملك خيارات متعددة  للحفاظ على حقوقها المائية قبل اللجوء للقوة، منها إجبار إثيوبيا على وقف بناء السد في مراحله الأولى لحين إتمام الدراسات الفنية، استنادًا إلى معاهدات 1902، و1959، التي تعطي مصر حق الفيتو والاعتراض على المشاريع التي تهدد أمنها المائي، واستنادا إلى الاتفاقية المعنية بمياه الأنهار الدولية التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة عام 1997.

ومن الخيارات رفع القضية إلى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومحكمة العدل الدولية، والإتحاد الإفريقي لاستصدار قرار يلزم إثيوبيا بوقف أعمال البناء في السد حتى لا تؤدي الأزمة إلى اشتعال الصراع بين الدول الثلاث وتهديد السلم والأمن الدوليين، وهو المطلب الذي أشار إليه السيسي على استحياء في الأمم المتحدة، ولكنه جاء متأخرًا عن موعده ست سنوات كاملة، وقد جرت في النهر مياه كثيرة، وقارب السد على الاكتمال ووقوع الكارثة.

وكان من الممكن التمسك بتخفيض حجم السد إلى حجمه الأول، والذي أعلنت عنه إثيوبيا وهو 14 مليار متر مكعب بدلًا من 75 مليار.

وكان من المتاح التفاوض على عدد سنوات الملء الأول لخزان السد بما لا يضر بمصر ضررًا ذي شأن، وذلك وفق اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، الأمم المتحدة 1997. المطالبة بالمشاركة في إدارة وتشغيل السد، كما أوصت بذلك اللجنة الدولية، لضمان تنسيق عمليات التشغيل بين سد النهضة والسد العالي.

تفريط السيسي

وحول تفريط رئيس الانقلاب، كشف الخبير الاقتصادي عن أنه في الخامس من يوليو 2013، وبسبب الانقلاب العسكري والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، قطع الجنرال السيسي الطريق على مصر في استخدام الخيارات السابقة، وحرمها من امكانية وقف بناء السد في مراحله الأولى.

وعلق مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي عضوية مصر في الاتحاد الذي يضم 54 دولة، بسبب “انتزاع السلطة بشكل غير دستوري”، وهو الاجراء الذي استخدمته إثيوبيا لاحقًا في مساومة السيسي ليعترف بالسد في مقابل الاعتراف بشرعية دولية وعودة مصر لعضوية الإتحاد.

ومن دلائل الخيانة كذلك، في يناير 2014، تنازل السيسي عن وجود الخبراء الدوليين ضمن اللجنة، بعد إلحاح إثيوبي؛ حيث وجدت في وجودهم خطورة على موقفها.  وبدلًا من تمسك مصر بوجود الخبراء الدوليين ضمن اللجنة والاستفادة من موقفهم المحايد والذي يدين إثيوبيا أمام المؤسسات الدولية، تنازل الجنرال السيسي عن شرط وجود هؤلاء الخبراء، واتفق السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي على استئناف المفاوضات بدون خبراء أجانب في يونيو 2014؛ ما أحال اللجنة إلى حلبة للصراع بين الدول الثلاث دون وجود الرأي الحيادي الفاصل في النزاعات.

حالة النجاح الوحيدة للسيسي كانت في 23 أبريل 2014؛ حيث تم استصدار قرار بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والبنك الدولي، يقضي بوقف التمويل الأجنبي لسد النهضة، وكذلك وقف القروض التي كانت ستحصل عليها إثيوبيا والمخصصة لإقامة سدود أخرى على النيل الأزرق من كل من الصين وإيطاليا وغيرها من الدول، وهو ما يعني عرقلة التمويل الأجنبي للسد وتأجيله إنجازه عدة سنوات إضافية.

لكن الخيانة الكبرى جرت بعد ذلك وعصفت بهذا المكتسب المؤقت؛ حيث فاجأ السيسي الجميع، ووقع اتفاق المبادئ المثير للجدل في مارس 2015 مع إثيوبيا والسودان، والذي بمقتضاه تنازل السيسي عن حصة مصر القانونية والتاريخية في مياه النيل، والأخطر من ذلك أنه أعطى شرعية للسد كان محرومًا منها، وفي المقابل حرم مصر من اللجوء إلى الأمم المتحدة لوقف بناء السد إلا بموافقة إثيوبيا، وهي بالتأكيد لن تفعل.

ورغم خرق إثيوبيا بنود الاتفاق عدة مرات، واعتراف رئيس الوزراء، آبي أحمد، بارتكاب أخطاء في الدراسات وفساد في تنفيذ الإنشاءات، اكتفى السيسي بطلب القسم من أحمد بألا يسبب ضررا لمياه مصر في مؤتمر فوضوي ساذج.