بالأرقام| فصام العسكر.. السيسي يستجدي تركيا وأذرعه الإعلامية تهاجمها!

- ‎فيتقارير

لا يترك عبد الفتاح السيسي مناسبة تمر دون أن يروج للمؤامرات التي تحاك لتقويض دولة العسكر، وهي الأوهام التي مرر قائد الانقلاب استيلاءه على السلطة في مصر عبر نفقها المظلم، مُتحجّجًا بالحرب على الإرهاب، ومواجهة التحالف القطري التركي الداعم لثورات الربيع العربي.

إلا أن السيسي الذي يتقزّم كلما حلّ وارتحل أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذا تعلق الأمر بندية التعامل مع القوى العظمى واستقلالية القرار وحفاوة الاستقبال والدفاع عن مصالح بلاده، يجاهر بالعداء أمام عدسات الإعلام الفاشي فقط، بينما يتسول في السر فتات الاستثمارات القطرية التركية، من أجل ضخ قليل من الدماء في الاقتصاد المنتهي إكلينيكيا.

فصام العسكر

وفي الوقت الذي يتشدّق السيسي بعداء من يصفهم بـ”أهل الشر”، وفك أطواق إعلام الانقلاب لينهش في قطر وتركيا، من أجل إرضاء عراب الخراب محمد بن زايد، وترسيخ تلك الأكاذيب في أذهان المنبطحين، اكتفى بداية بالمشاركة في حصار قطر دون أن يلتزم بإجراءات ثالوث الخليج العقابية، ليكشف عن هشاشة نظام الانقلاب، وحنجوريته الجوفاء التي يتوارثها العسكر منذ أكثر من نصف قرن.

السيسي قرر مقاطعة قطر بأوامر إماراتية، قبل قرابة 3 سنوات، إلا أنه لم يجرؤ منذ هذا التاريخ على سحب مواطنيه من البلد الخليجي، ولم يتحرك نحو تجميد الاستثمارات القطرية في مصر، واستجدى تحويلات المصريين من الدوحة لإنعاش الخزانة الخاوية، مكتفيا بالمكايدات السياسية التي يفضلها أذناب البيادة.

لذا يمكن أن تفرد المساحات أمام التطاول على الأمير تميم بن حمد، والنيل من قناة الجزيرة، أو كيل الاتهامات لسياسات الدوحة، بينما يتجاهل إعلام العسكر التوقف أمام تدفق المال القطري في شرايين الاقتصاد المصري، رغم اتهام المال ذاته بأنه يمول الإرهاب.

ولم يكن إعلان شركة “قطر للبترول”، عن نجاح تشغيل مشروع مصفاة لتكرير النفط في مصر، الذي يعد “أكبر استثمار” لها في دولة عربية بل وفي قارة إفريقيا، أمرا مستغربا لمتتبع حالة الفصام المسيطرة على العسكر، والتي دفعت متحدث وزارة البترول في حكومة العسكر، حمدي عبد العزيز، للإعلان صراحة عن أن “التوترات السياسية لم توقف استثمارات الأخيرة في القاهرة”، ضاربًا المثل بنشاط بنك قطر الوطني.

استجداء أنقرة

فصام العسكر في التعامل مع الملف القطري، وحاجة الانقلاب للحفاظ على بقاء الاستثمارات، يتجلى بشكل أكثر دهشة فيما يتعلق بالمال التركي، خاصة بعدما كشف أتيللا أتاسيفين، رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك المصريين “تومياد”، عن أن «الاستثمارات التركية في مصر تسهم في زيادة الصادرات المصرية وأعمالها تتضاعف سنويا، وتوفر عملة صعبة لمصر”.

تصريحات أتاسيفين، على هامش الإعلان عن تنظيم الجمعية لمؤتمرها الثاني، الشهر الجاري في إسطنبول، لم تلفت نظر إعلام العسكر، الذي يغذي أذناب الانقلاب على كراهية تركيا، بينما في خلفية المشهد يحافظ السيسي على تبادل تجاري بقيمة 5 مليارات و200 مليون دولار في عام 2018.

واقع مؤسف

مخطئ من يظن أن السيسي أقدم على قطع العلاقات الاقتصادية مع تركيا، في أعقاب الانقلاب العسكري، ولو من باب الرد على الإهانات التي يعنفه بها أردوغان في المحافل الدولية، بل كان حريصا على أن يذلل العقبات أمام المستثمرين الأتراك، لتوفير مناخ مثالي لا تخطئه عين، وحل الأزمات التي قد تؤرق مسار ضخ الأموال بين حين وآخر.

وكشفت هيئة الإحصاء التركية، عن أن الاستثمارات التركية في مصر حققت رقمًا قياسيًا تاريخيًا، في السنوات الأخيرة، بلغ 5.24 مليار دولار، حيث بلغت حجم الصادرات إلى القاهرة، 3.05 مليار دولار في 2018، أي بزيادة تقدر بنحو 29.4% مقارنة بعام 2017.

أما الواردات التركية من مصر، فقد وصل حجمها في 2018 إلى 2.19 مليار دولار، بزيادة وصلت نسبتها إلى 9.68% مقارنة بالعام السابق له، لتبقي لغة الأرقام وحدها هي المؤشر الواقعي على أن حنجورية السيسي لا تتجاوز كثيرا شاشات الانقلاب ولا تبرح حقائب المتنطعين، بينما يظل ما عداها في مأمن من التقلبات.

شوادر الإعلام

وربما يتذكر أنصار الانقلاب شوادر الإعلام التي نصبها العسكر على خلفية إلغاء “اتفاقية الرور” نهاية مارس 2015، إلا أن السيسي لم يتحمل توابع معاداة استثمارات الترك، فسارع وزير التجارة– آنذاك- طارق قابيل، بعد أيام قلائل لكسر حاجز الصمت، وتأكيد التمسك باتفاقية التجارة الحرة مع تركيا، “لأنها تصب في صالح مصر”.

وباتت تركيا في المركز الخامس أوروبيا من حيث حجم الاستثمار في مصر، خلف إيطاليا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا، وفقا لبيانات وزارة استثمار العسكر، فيما تذهب التقديرات إلى أن الاستثمارات التركية تتيح فرص عمل لنحو مليون مصري، بمختلف تخصصاتهم، وهو ما يعني إعالة أسر هؤلاء العاملين بالمصانع والشركات التركية بمصر، والتفريط في هذه العمالة يعني مشكلات اقتصادية واجتماعية بالنسبة لحكومة الانقلاب.

تذليل العقبات

وعلى ضوء الأرقام كافح العسكر لتذليل العقبات أمام الاستثمارات التركية، حيث أكد أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، أنه تم رصد جميع المعوقات التي تواجه المستثمرين الأتراك، وذلك للعمل على إزالتها في المستقبل، عن طريق الاجتماع بعدد من الوفود التركية خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها الالتقاء مع رئيس اتحاد الغرف التجارية التركية، وإعداد نموذج مصغر عن مدى رضا المستثمر التركي عن المناخ الاقتصادي في مصر‏. ‏

وأشار الوكيل إلى أن عدد المصانع التركية في مصر أكثر من 205 مصانع في مدن صناعية ومناطق متفرقة من الجمهورية في مختلف المجالات، بحجم استثمار بلغ 2.5 مليار دولار‏، بعدما زادت الاستثمارات التركية خلال العشر سنوات الماضية بنسبة تصل إلى ‏30%. ‏

وكشف تقرير الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات في مصر، عن ارتفاع حجم الصادرات المصرية إلى تركيا، بنسبة 9.7% في العام 2018، مقارنة بـ1.9 مليار دولار خلال العام 2017، فيما بلغت واردات مصر من تركيا 3.055 مليار دولار في العام ذاته، مقابل 2.359 مليار دولار في 2017، بنسبة نمو 29%، وشهد الميزان التجاري نموا بنسبة 20% بقيمة 5.246 مليار دولار في 2018، مقارنة بـ4.358 مليار دولار خلال العام 2017.

عداء السيسي الأجوف لا يتجاوز أبواق إعلامه ليصل إلى المتشدقين بشعارات العسكر، بينما الواقع يكشف بجلاء فشل قائد الانقلاب في كافة الملفات، بداية من سد النهضة، مرورا بالمشروعات الوهمية التي كبلت الاقتصاد، وانتهاء باتهام المال القطري التركي بتمويل الإرهاب، ثم تسول هذا المال لتجاوز الحضيض الاقتصادي.