تقرير للبنك الدولي يحذر السيسي: الشباب غاضب من الفساد والاستبداد وبيزنس الجيش

- ‎فيتقارير

وجَّه تقرير للبنك الدولي رسائل تحذيرٍ مهمة لسلطة الانقلاب وباقي الأنظمة الديكتاتورية العربية، التي يتظاهر شبابها في الشوارع ويقبعون في السجون، تؤكد أن شباب الشرق الأوسط يائس وغاضب من فساد واستبداد وفشل أنظمته.

وأنَّ هذا الشباب، الذي هو عماد ثورات الربيع العربي، غاضب ويائس من احتكار الجيش ونخبة رجال الأعمال للبيزنس وتفرغه لجني الأرباح، وغاضب على تدمير الجيش للقطاع الخاص ولفرص الشباب واستدانة سلطة الانقلاب، وباقي الديكتاتوريين لديون ضخمة لمصالحهم الشخصية على حساب اقتصادها، وتعريض مستقبل شعوبهم للخطر، مؤكدة أن “هذا يجب أن يتوقف”.

ويؤكد تقرير البنك الدولي أنَّ الإصلاح لا يمكن فرضه من الخارج، وأن احتكار الجيش أو نخب رجال الأعمال ومشروعات الدولة على الأسواق سيدمر القطاع الخاص وفرص الشباب والنساء المتعلمين، وأن هذا يستحيل أن يستمر، ولا بديل سوى تفكيك هذه الاحتكارات المدمرة للاقتصاد.

وشدَّد التقرير على أنه لن تكون هناك استثمارات أجنبية بدون إصلاح اقتصادي، وهذا لن يحدث بدون انفتاح سياسي حقيقي وإصلاح سياسي حقيقي، وأن استمرار احتجاجات الشعوب يؤكد عدم ثقتهم في السلطة الحالية، والشباب محبط ويائس ويرى أن المستقبل أسود، وأنظمته فاشلة وفاسدة.

وأوضح التقرير أنّه بدون اقتصاد حر بمنافسة نزيهة وقضاء نزيه، وشفافية، ورقابة نزيهة، ودون محسوبية، سيستمر الفشل في تقديم الخدمات الأساسية، وستقدم بأسعار عالية، وهو ما سوف يزيد الديون ومعاناة الشعب الذي يرى تنامي فساد السلطة وحلفائها.

وأشار التقرير إلى أنَّ بعض قادة الدول النامية يفضلون الديون لتحقيق مكاسب شخصية، رغم ضررها بأعبائها، وتعريض مستقبل الأجيال الشابة للخطر، ما يزيد من إحباطهم وغضبهم، وأن شباب المنطقة يرفضون بشدة استمرار الوضع القائم، ويطالبون الحكومات بتغييره، وعليها استغلال الفرصة لبناء أسواق مفتوحة.

وفيما يلي ترجمة التقرير:

غياب الثقة يُذكي الاحتجاجات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

احتجاجات الشوارع تجتاح بلدان العالم النامية، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الجزائر ومصر والأردن والكويت ولبنان والعراق.

ورغم اختلاف شدة الاحتجاجات وعوامل إشعالها من بلد لآخر، فإن السبب الرئيسي في كل هذه البلدان هو تزايد مشاعر عدم اليقين والشكوك لدى الأفراد وغياب الثقة في الحكومات.

حيث إن الجيل الأصغر من الشباب في المنطقة يشعر بقتامة آفاق المستقبل، وتراوده شكوك حول قدرة الحكومات على تحسين ظروف معيشته.

وهذه المشاعر الكامنة بعدم الثقة في الحكومات تذكيها وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكنها الاستجابة بسرعة؛ ردا على الخطوات غير السديدة التي تتخذها في أحوال كثيرة حكومات تتعامل بسرية. علاوةً على ذلك، فإن عجز كثير من الحكومات عن توفير خدمات عامة جيدة بأسعار معقولة، وما يقترن به من تصورات الناس عن فساد المسئولين الذي يساعد على تفشِّي المحسوبية في القطاع الخاص، يؤدي إلى تفاقم مشاعر عدم الثقة.

وتتعاظم هذه التوترات والتجاذبات الداخلية في المنطقة مع اشتداد حالة عدم اليقين التي تكتنف أوضاع الاقتصاد العالمي. وفي الواقع، استمر تدهور آفاق النمو في المستقبل مع تراجع الاستثمارات في البلدان النامية. ومن بين العوامل التي تُنذِر بتراجع آفاق النمو الاقتصادي: التوترات التجارية وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وهناك مصدر قلق آخر هو تزايد مستويات الديون الحكومية التي تجعل من الصعب على البلدان النامية، ومنها بلدان المنطقة، التعامل مع التطورات الاقتصادية المناوئة، وتمويل الاستثمارات اللازمة لتعزيز النمو.

إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحاجة إلى استثمارات بمئات المليارات من الدولارات في مشروعات ذات نوعية جيدة، ونظرا لمحدودية الأموال العامة المتاحة، والحاجة إلى تعظيم الاستفادة من الموارد الإنمائية الشحيحة، يستخدم البنك الدولي وغيره من الشركاء الدوليين منصات قُطْرية جديدة لمساندة البلدان النامية على تطبيق الإصلاحات الأساسية اللازمة لاجتذاب الاستثمارات الخاصة. وأمام البلدان النامية فرصة حقيقية للاستفادة من تريليونات الدولارات من “الأصول المُجمَّدة” المستثمرة في أدوات ذات عائد منخفض بل حتى خاسرة في الاقتصادات المتقدمة.

ولاجتذاب هذه الأموال من الاقتصادات المتقدمة، يجب على البلدان النامية مثل بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تقوم بتطبيق إصلاحات قابلة للاستمرار تكفل قيام أسواق مفتوحة، بل والأهم، حكومات مفتوحة.

وقد أصدر البنك الدولي في الآونة الأخيرة تقريره المعنون “ممارسة أنشطة الأعمال 2020”. وكشف هذا التقرير عن تحقيق العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحسُّنا كبيرا في تصنيفاتها، ومنها السعودية، والأردن، والبحرين، والكويت. لكنه أظهر أيضا أن ثمة مجالا واسعا في المنطقة لمواصلة تبسيط القواعد أو تسريعها من أجل تيسير ممارسة الأعمال وتمكين ريادة الأعمال من الازدهار.

وإلى جانب إزالة حواجز مُعيَّنة لتيسير بيئة ممارسة الأعمال، يجب على كثير من بلدان المنطقة تطبيق إصلاحات أعمق وأكثر جرأة لتشجيع المنافسة النزيهة.

غير أن الإصلاح لا يمكن فرضه من الخارج. ويجب على بلدان المنطقة أن تُحقِّق توافقا داخليا في الآراء على أن الأسواق التي يسودها الاحتكار- سواء كانت خاضعة لهيمنة الجيش أو قلة من أصحاب النفوذ- تضعف آفاق المستقبل أمام الشباب والنساء الذين تتزايد في الغالب مستويات تعليمهم. وينبغي تفكيك هذه الاحتكارات لإفساح المجال والنطاق الواسع لازدهار رواد الأعمال الصادقين والمبدعين. وفي أغلب الأحيان توجد لدى البلدان من الناحية النظرية قوانين تنظم المنافسة، لكن المشروعات المملوكة للدولة، والجهات الفاعلة الأخرى ذات الامتيازات تستغل الاستثناءات، وتواصل أنشطتها التجارية الخاسرة. وبوجه عام، لا يجري تطبيق قوانين المنافسة في الكثير من البلدان النامية على نحو منهجي، وذلك في الغالب بسبب عدم استقلالية القضاء، وضعف استقلالية أجهزة تنظيم المنافسة وقدرتها على فرض جزاءات.

وفي نهاية المطاف، تؤدي عدم فعالية إنفاذ القوانين إلى تدني جودة الخدمات العامة المقدمة وارتفاع تكلفتها (مثل إمدادات المياه وإدارة النفايات الصلبة، والكهرباء، والاتصالات السلكية واللاسلكية)، ويحفز على تراكم الدين العام، ويذكي تصورات الناس عن الفساد.

وقد تساعد زيادة انفتاح الأسواق على إطلاق العنان لكامل قدرات الأفراد في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويتطلب تحقيق ذلك وجود حكومات مفتوحة. لكن الجهات الرقابية- حينما توجد- لا يمكنها أداء دورها بفاعلية والمساعدة على استعادة الثقة في النظام إلا إذا وُجِد ما يكفي من الشفافية وبيانات كافية تتيح تقييم السياسات العامة. إن غياب الشفافية يخلق صعوبات في إقراض مشروعات البنية التحتية، حيث لا يتم في أحوال كثيرة الإفصاح بالكامل عن الضمانات والامتيازات والشروط والبنود الخفية في العقود.

وقد تكون الديون الخفية جذابة لبعض قادة البلدان النامية الذين يستخدمونها لتحقيق مكاسب شخصية، لكن هذه الديون تزيد الأعباء الاقتصادية الحقيقية، وتعرض للخطر مستقبل الأجيال الشابة الذين يزداد استياؤهم وشعورهم بخيبة الأمل. وينبغي لحكومات البلدان المدينة والدائنة في أنحاء العالم أن تتصرف على نحو أكثر رشدًا وإدراكًا للعواقب، وأن تلتزم بشروط شفافة في قروض مشروعات البنية التحتية.

ومن الضروري أن يكون المواطنون على دراية تامة بالالتزامات الطارئة التي تقدمها الحكومات باسمهم.

وبالنظر الى تضخم دور الدولة في الكثير من اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن تعزيز القطاع الخاص من خلال أسواق مفتوحة يتطلب أن تضفي الحكومات مزيدا من الشفافية على المشتريات والتعاقدات الحكومية، وأن تعمل لجعل الائتمان متاحا على نطاق واسع. وستزيد زيادة شفافية المشتريات الحكومية من صعوبة حصول الشركات التي تحظى بامتيازات على تعاقدات مربحة من الحكومة، وهو ما يساعد على النهوض بقطاع خاص حقيقي. وتؤدي الامتيازات التي تتمتع بها المشروعات المملوكة للدولة في الحصول على الائتمان، لا سيما من البنوك العامة، إلى مزاحمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تجد صعوبة في الحصول على قروض.

ليس هذا فحسب، لكنها تلقى أيضا صعوبة في منافسة الشركات المملوكة للدولة التي يتيح لها ما تتمتع به من سهولة الحصول على الائتمان أن تعمل على نحو لا يتسم بالكفاءة أو حتى بخسارة. وذلك أمر لا يمكن استمراره.

إن الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يرفضون الوضع القائم ويطالبون أن تعمل الحكومات لتحقيق تغير إيجابي.

ويجب على تلك الحكومات أن تغتنم الفرصة التي تتيحها أسعار الفائدة المنخفضة للاستفادة من أسواق رأس المال العالمية من أجل التشجيع على بناء أسواق أكثر انفتاحا تقوم على المنافسة النزيهة وحكومات شفافة.

http://blogs.worldbank.org/ar/arabvoices/distrust-fuels-protests-middle-east-and-north-africa