الإستروكس والفودو يتنافسان على تدمير الشباب.. والأمن مشغول بتأمين النظام

- ‎فيتقارير

بعد سنواتٍ تربَّع فيها الحشيش والترامادول على عرش مملكة (الدماغ) في مصر، جاء الأوان ليدخل على الخط منافس جديد شرس يسمى “الإستروكس”، وهو اسمٌ ذو وقعٍ غريب على الأذن، وكذلك على العقل الذي لا يستطيع أن يتبيَّن مُسمًى محددًا له، لكن أبرز ما نعرفه عنه أن بدأ ينتشر كالنار في الهشيم، خاصة في ضواحي القاهرة ومناطقها الشعبية.

على عكس معظم المخدرات والعقاقير المعروفة، والتي نعرف مكوناتها وموادها الفعالة، وبالتالي يكون التعامل معها على أرضية أكثر صلابة، فالإستروكس من المخدرات الصناعية، والتي تختلف كثيرًا في المكونات التي تضاف عليها، ولا توجد تركيبة معينة قاطعة لها، وهذا يضاعف الخطورة إلى مقادير لا نعرف مداها.

وبحسب إحصاءات رسمية فإن 10% من المصريين مدمنون، بما يعني أن هناك 10 ملايين مصري يعانون من خطورة المخدرات في ظل إهمال جسيم من جانب النظام المشغول بتأمين نفسه على حساب أمن المواطنين، فانتشرت المخدرات بشكل مرعب، ما يؤكد أن من يقف وراء التهريب حيتان كبيرة داخل النظام نفسه، وتتمتع بحماية كبيرة ضد الضبط والرقابة والمحاكمة.

جرائم بالجملة

أقدم شاب مدمن بأسوان على سكب مادة البنزين في منزل والدته وإضرام النار فيه، ما أدى إلى وفاة شقيقتيه حرقا، انتقامًا من والدته التي رفضت إعطاءه النقود لشراء المواد المخدرة.

وسبق ذلك عشرات جرائم القتل التي شهدتها محافظات مصر خلال العام الجاري 2019، من بينها قتل شاب والده الموظّف ذبحًا بالسكين في مدينة نصر شرق القاهرة. وتبين من التحريات أن سبب الجريمة هو إدمان المتهم لمخدر “الإستروكس” الذي جعله يفقد الوعي في أحيان كثيرة.

ومن أفظع الجرائم التي ارتُكبت بحق الأم، هي طلب الابن المدمن المال منها لشراء المخدرات من أحد شوارع حي الهرم في محافظة الجيزة، فكان جزاؤها الطعن بالسكين مرات عدة حتى الوفاة بسبب رفضها.

ويكشف باحث في المجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، رفض الكشف عن اسمه، أن تجارة المخدرات تنتعش في محافظات مصر قبل حلول رأس السنة، حيث إن مدمني المواد المخدرة ينتظرون هذه الأيام التي تتحول إلى “مهرجان لتعاطي المخدرات”، ويقدم التجار عروضًا وتخفيضات لزيادة حركة البيع. ويضيف المصدر أن تقارير المجلس أكدت أن تناول المخدرات مسئول عن 79 في المائة من الجرائم في مصر، ما يؤكد وجود مؤشر قوي على العلاقة الوثيقة بين التعاطي والجرائم.

ويرى أستاذ علم النفس والاجتماع في جامعة “أكتوبر”، إبراهيم عز الدين، أن تعاطي المخدرات يسلب الإنسان إرادته وذهنه ليصبح بعد ذلك غير قادر على السيطرة على تصرفاته، مؤكدًا أن 95 في المائة من جرائم الاغتصاب والقتل يكون المتهم فيها شخص مدمن على المخدرات.

ويشير إلى أنَّ أسباب الإدمان اقتصادية واجتماعية، ما أدى إلى ارتفاع نسب الجرائم، في ظل غياب دور مؤسسات الدولة ومراكز العلاج، وغياب دور المدارس والجامعات والمسجد والكنيسة، وعدم التحدث عن أضرار التعاطي. ويقول إن الجرائم الأسرية زادت حدتها خلال السنوات الأخيرة بسبب تعاطي المواد المخدرة، ويضيف أن “المدمن يستهين بسلوك الجريمة ولا يقدر حجم الكارثة التي يفعلها؛ لأن العقل مغيّب بسبب المخدرات”.

لماذا الإستروكس؟

نجح الإستروكس في إثبات نفسه في حلبة الصراع من أجل السيطرة على الأدمغة؛ لأنه حقق هدفين بارزين؛ فبالنسبة للمتعاطين يمنحهم «دماغًا» جديدًا، وغير معروف السقف، مقارنة بالمخدرات الشعبية المعروفة كالحشيش مثلًا، والذي اعتاد الكثير منهم عليه.

أما بالنسبة لتجار الموت، فخليط صناعي مثل الإستروكس، يحتوي على عدة مركبات تُعتبر أدوية شرعية ونباتات ليست مُجرَّمة في ذاتها، ما يُصعّب كثيرًا على السلطات المعنية ضبطه، ويصعب على المشرِّعين وضعه على طاولة التجريم.

ما هي مكونات الإستروكس؟

أوائل سبتمبر 2018، أكد د. نبيل عبد المقصود، مدير مركز السموم بقصر العيني الفرنساوي، أنه حتى الآن لم ننجح سوى في تجريم 18 مركبًا من التي تضاف إلى المخدرات الصناعية كالإستروكس، بينما يظل على الأقل 150 مركبًا خارج قبضة القانون.

الإستروكس هو خلطة صناعية، عبارة عن بعض أوراق الأعشاب والنباتات العطرية (أغلبها ليس نباتات مخدرة في ذاتها)، يتم خلطها ببعض المواد الكيميائية القادرة على التأثير على الجهاز العصبي – وغيره – لا نستطيع الإحاطة بها جميعًا، إذ ليسَ للإستروكس «كاتالوج» معين يلتزم به كل منتجيه، إنما يطلق كل منهم العنان لنفسه في طبخ الخلطة.

لكن عمومًا أشهر المواد استخدامًا هي الأتروبين، والهيوسين، والهيوسيامين، وكذلك الكيتامين، وبعض القنَّبيات (شبيهة بالمادة الفعالة في الحشيش، والذي يسمى بنبات القنَّب). ويتم تعاطيه عن طريق التدخين مثل السجائر.

الفودو ينافس الإستروكس

وللإستروكس منافسوه أيضًا، فالحشيش أخطر 10 مرات من البانجو، والفودو أخطر من الحشيش 100 مرة!.

ومن أشهر منافسي الإستروكس الآن في عالم المخدرات الصناعية، وكذلك في الضجة الإعلامية، وإثارة الجدل، مخدر الفودو. هو أيضًا عبارة عن خلطة من الأعشاب، يضاف إليها مواد كيمائية مخدرة، لكنها في حالة الفودو تكون بالأساس من مشتقات المواد الفعالة في الحشيش، أو مواد مصنعة شبيهة بعملها، وتكون بتركيزات كبيرة للغاية، ولذلك فالفودو أكثر تأثيرًا وخطورة بمراحل مقارنة بالحشيش.

جدير بالذكر أن القنَّبيات تستخدم طبيًا في علاج بعض حالات الألم الشديد المزمن، وفي السيطرة على أعراض القيء لدى مرضى السرطانات المتقدمة. لكن بالطبع بجرعات من المادة الفعالة أقل كثيرًا من نظائرها المستخدمة في الفودو.

يدخل الفودو إلى السوق المصرية عبر التهريب، وغالبًا ما يكون مصدره شرق آسيا في أكياس ملونة، تحمل بعض الأسماء التجارية التي تدعي أنها تسبب القوة والسعادة، مثل King kong.

ويسبب تعاطي الفودو أعراضًا شديدة تشبه أعراض التسمم الحاد بالمايجوانا أو الحشيش، مثل: الاضطراب، واختلال درجة الوعي، والهذيان، والإصابة بنوبات الهلع، وفرط الحركة، والحركات اللاإرادية للأطراف، وعدم القدرة على التحكم جيدًا في الحركة، واضطراب في الإحساس بالمسافات والزمن– تأثيرها كارثي على السائقين– وارتفاع ضربات القلب وضغط الدم. وقد يصل الأمر في الحالات الشديدة إلى الغيبوبة التامة، وهبوط الدورة الدموية، والوفاة.

يحتاج علاج إدمان الإستروكس إلى مصحات متخصصة في علاج الإدمان، وتغيير كبير في طريقة تفكير المتعاطي، وفي البيئة من حوله، وإلا سيعود مجددًا إلى التعاطي. وفي حالة التسمم الحاد، لا بد من النقل الفوري إلى أقرب خدمة للطوارئ قادر على التعامل بكفاءة مع حالات السموم؛ لأن المتعاطي قد يكون بحاجة لعناية طبية فائقة، ودعمًا للتنفس وللدورة الدموية.