دراسة ترصد 3 سيناريوهات للمشهد الليبي في ظل محاولات توريط الجيش المصري

- ‎فيتقارير

انتهت دراسة نشرها "الشارع السياسي" إلى رصد 3 سيناريوهات للمشهد الليبي بعد توقيع مذكرتي التفاهم بين الحكومتين التركية والوفاق الليبية في 27 نوفمبر 2019م.

وبحسب الدراسة التي جاءت بعنوان "سيناريوهات الأزمة في ليبيا.. هل تقف المنطقة على أعتاب حرب إقليمية؟"، فإن الاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق أفضى إلى خلط الأوراق في المشهد الليبي وإعادته إلى صدارة المشهد من جديد، وسط تداعيات جيوسياسية على عدة مستويات سياسيا واقتصاديا وإقليميا، وأدى ذلك إلى تصعيد المواقف من جانب الكيان الصهيوني واليونان وقبرص اليونانية من جهة تتعلق بالصراع على ثروات الغاز الهائلة في شرق المتوسط والتي سيطر على معظمها هذه الدول التي تسعى لعزلة تركيا واقتسام ثروات الغاز بعيدا عنها.

بينما أفزع الاتفاق تحالف الثورات المضادة الداعم للجنرال الدموي خليفة حفتر وعلى رأسه مصر والإمارات والسعودية وفرنسا. وأمام ارتباك الموقف الأمريكي وعجز الأوروبيين يبقى المشهد الليبي مفتوحا على عدة احتمالات:

الأول: التدخل التركي لدعم حكومة الوفاق من جهة، والتدخل المصري الإماراتي الفرنسي السعودي لدعم الجنرال الدموي حفتر إضافة إلى الدور الروسي الداعم للجنرال حفتر عبر مرتزقة شركة "فاجنر" الروسية يمكن أن يفضي إلى دحرجة الموقف الليبي إلى سيناريو المشهد السوري وتصعيد الصدام؛ وذلك كفيل بتواصل الصراع المسلح مع عدم قدرة أي فريق على الحسم وهو ما يعني مزيدا من الاستنزاف لليبيا وشعبها.

أما إذا تغلب معسكر حفتر؛ فإن ذلك من شأنه أن يفضي إلى موجة لاجئين ضخمة على غرار ما جرى في سوريا تكون أوروبا أكبر ضحاياها، إضافة إلى أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى حرب إقليمية، خصوصا بعد إعلان الجزائر دعمها لحكومة الوفاق ووصف ما يقوم به حفتر باعتباره عدوانا يجب توقفه فورا لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

الثاني: أن يؤدي التدخل التركي إلى لجم مواقف الطامعين في ليبيا وحكومة الوفاق وإقناع جميع الأطراف بضرورة التوجه نحو حل سياسي، وهو ما يعني أن التدخل التركي دفع الجميع نحو الحل والتسوية وتعزيز فرص نجاح مؤتمر برلين المرتقب والذي لم يتم تحديد موعد له حتى اليوم وإعادة مسار العملية السياسية للخروج من الأزمة.

الثالث: هو تراجع تحالف الثورات المضادة أمام الإصرار التركي، وإجبار حفتر على العودة إلى وضعية القوات قبل العدوان السافر وهو ما أشارت إليه تصريحات مسئولين تركيين رهنوا عدم إرسال قوات إلى طرابلس بوقف عدوان حفتر على العاصمة.

وتستبعد الدراسة نسبيًا نشوب حرب إقليمية في ليبيا وترجح إزاء المعطيات القائمة السيناريو الثاني، وهو عودة جميع الأطراف إلى ما كانت عليه قبل عدوان حفتر إبريل 2019م، وفق مؤشرات ودلائل وإن كان الجميع يتظاهر بالتصعيد، ويبقى احتمال ضعيف لنجاح السيناريو الثاني، وهو التوصل إلى تسوية سياسية شاملة؛ لاعتبارات تتعلق بطبيعة قادة تحالف الثورات المضادة وأطماع حفتر في السيطرة على السلطة والثروة وكل شيء في ليبيا دون شريك مدني، إضافة إلى أن قرار حفتر ليس بيده بقدر ما تحركه عواصم تحالف الثورات المضادة وهم إقصائيون إلى أبعد مدى ممكن.

دوافع تركيا

وبحسب الدراسة فإن الدوافع التركية تقوم على حماية حقوقها في ثروات الغاز الهائلة شرق المتوسط والتي تصل إلى حوالي 700 مليار دولار وفقًا لتقديرات علمية. ومواجهة الأطماع الإسرائيلية واليونانية التي تستهدف إقصاء تركيا وعزلها. عبر إقامة تحالفات إقليمية مثل "منتدى غاز شرق المتوسط" مع كل من مصر واليونان والاحتلال الإسرائيلي وقبرص اليونانية.

كما أن القرار التركي شديد الصلة أيضًا بصراع المحاور الذي تشهده المنطقة منذ سنوات على خلفية الانتكاسة التي منيت بها معظم الثورات العربية في أعقاب انقلاب 30 يونيو 2013م على المسار الديمقراطي في مصر وتحقيق تحالف الثورات المضادة نجاحات متتالية بدأت تنحسر وتتراجع في عدة دول ومناطق مع الموجة الثانية للربيع العربي في 2019م.

أما التداعيات الأوسع بحسب الدراسة فإنها تضع تضع تركيا على مسار تصادمي مع اليونان وقبرص اليونانية، كما تزيد الاتفاقية من التوترات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي؛ ما يزيد من النزاعات المستمرة حول سياسة الهجرة والأسئلة الأوسع حول دور تركيا في حلف شمال الأطلسي.

كما أن الاتفاقية تثير المخاطر مع نظام العسكر في مصر والذي تحكمه علاقة متوترة بأنقرة من انقلاب 30 يونيو 2013م ضد حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي. إضافة إلى أن نظام السيسي يتعاون في ليبيا بشكل وثيق مع حفتر، وهذا يعني أن القاهرة وأنقرة على طرفي نقيض بشأن الصفقة البحرية.

وكانت "إسرائيل" أكثر تحفظا بشأن الخطوة التركية الليبية. ويشير المحللون إلى أن من بين أسباب هذا الموقف هو أنه إذا أصبح خط الأنابيب بين إسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا غير قابل للحياة، فقد يتعين على "إسرائيل" استكشاف طرق لتصدير الغاز عبر تركيا.

أما روسيا فهي قطعة أخرى في اللغز. ففي حين أنها على خلاف مع تركيا بشأن سوريا، فهي تنسق معها بشأن سياسة الطاقة، وموسكو حريصة على أن تكون تركيا محطة عبور للغاز الروسي.

لكن الصفقة التركية الليبية تضعها على طرفي نقيض في ليبيا؛ حيث تميل روسيا نحو حفتر. ستناقش روسيا وتركيا الدعم العسكري الليبي في القمة المرتقبة في يناير الجاري بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ارتباك الموقف الأمريكي والأوروبي

بالنسبة للموقف الأمريكي، فإن الارتباك والترقب هما سيد الموقف؛ وخلال الخمس سنوات الماضية، ومنذ اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا، اكتفت واشنطن بمراقبة الصراع الدائر بالوكالة بين حلفائها حول ليبيا، لكن المستجدات التي طرأت أخيرا على الأرض أيقظت واشنطن على واقع جديد، أربكها، إذ دخلت روسيا على خط الصراع في محاولة لتكرار السيناريو السوري، من خلال إرسال قوات غير رسمية (مرتزقة فاغنر) لحسم الصراع لصالح حفتر.

أما الموقف الأوروبي، فقد تحول من دور اللاعب الخجول إلى المتفرج المتردد بحسب توصيف الوكالة الألمانية دويتشه فيله. والتزمت العواصم الغربية بدور المتفرج على العدوان الذي يشنه حفتر منذ أبريل 2019م على العاصمة طرابلس وحكومة الوفاق، بل إنها لم تعلن حتى عن إدانة هذا العدوان والاكتفاء بدعوة جميع الأطراف لوقف إطلاق النار".

وقد شوش على الموقف الأوروبي التنافس وصدام المصالح بين فرنسا وإيطاليا. وتعتبر روما ليبيا منطقة نفوذ لها؛ نظرًا لقربها الجغرافي وماضيها كقوة مستعمرة لليبيا. ومن هنا كانت تنظر دائمًا للتدخل الفرنسي، الذي كان عراب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، بعين الريبة. ويغذي التنافس الفرنسي الإيطالي سعي شركات النفط، وخاصة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، للفوز بعقود استثمار الذهب الأسود.

أهداف تركيا

وحول أهداف تركيا من الاتفاق مع حكومة الوفاق ودعمها فإن توقيع مذكرتي التفاهم والتعجيل بتصديق البرلمان التركي تستهدف من خلاله أنقرة تحقيق عدة أهداف:

1) أولا: دفع العواصم الأوروبية المعنية عن قرب بالملف الليبي (فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا) إلى قبول تفاهماتها مع طرابلس. وإشراك تونس والجزائر وقطر في قمة برلين التي ستدعمها في حال كان على جدول أعمالها وقف العملية العسكرية التي تشن ضد الحكومة الشرعية، والإعلان عن هدنةٍ عسكريةٍ حقيقية، برعاية وإشراف إقليميين، ومناقشة خريطة حل سياسي في ليبيا، يحمي استقلالية القرار والسيادة ووحدة البلاد.

2) ثانيا: استباق عدة لقاءات هامة مثل زيارة كل من وزير خارجية فرنسا وإيطاليا وألمانيا إلى طرابلس والمفترض أن تحصل في 7 يناير2020، وقد وصل بالفعل إخطار رسمي لبعض الشخصيات الليبية الرفيعة المستوى بهذه الزيارة. ومحاولة تحقيق تقدم ميداني مؤثر قبلها لتفويت الفرصة على الدول الثلاث باتجاه ممارسة ضغط على المجلس الرئاسي الليبي والقوى المنضوية تحته لانتزاع موقف ما أو تنازل منه قد يربك تطبيق الخطة التركية في ليبيا. إضافة إلى اللقاء الثلاثي اليوناني الإسرائيلي والقبرصي اليوناني الذي انعقد الخميس 2 يناير في أثينا، لبحث خطط نقل الطاقة، ثم اللقاء الثلاثي المنتظر السبت 4 يناير في القاهرة، والذي سيجمع مصر وفرنسا واليونان، لبحث استراتيجية التعامل مع الاتفاقيات التركية الليبية، ثم زيارة الرئيس الروسي بوتين لتركيا في الثامن من شهر يناير، لبحث تطورات الملف الليبي، والتي تريد أنقرة أن تأخذ منحىً جديدا، على ضوء الاتفاقيات الموقعة أخيرا مع طرابلس، وحسم موضوع إرسال قوات تركية إلى ليبيا.

3) ثالثا: إفشال تحركات نظام السيسي ومن خلفه ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، والذي بدأ بالمطالبة باجتماع طارئ للجامعة العربية انعقد بالقاهرة الثلاثاء وسط ترتيبات أخرى تستهدف دعم ميليشيات حفتر.

4) رابعا: تريد أنقرة وضع الجميع أمام الواقع الجديد، وإفراغ أي تحرّك استراتيجي أوروبي روسي عربي ضدها وضد حكومة الوفاق من مضمونه. وتريد أيضا أن ينتقل النقاش من محاولات إبطال (وعرقلة) مذكرتي التفاهم البحري والأمني مع طرابلس إلى نقاشٍ آخر، يتعلق بإنتاج حلٍّ سياسيٍّ في إطار مؤتمر إقليمي لإنهاء الأزمة الليبية قد يضع مؤتمر برلين "الذي لم يتم تحديد موعد له حتى اليوم" نواته.

وهو ما بدأ يتحقق من خلال تصريحات رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي يرى أن على بلاده وتركيا بحث خلافاتهما بشأن المناطق البحرية في إيجة وشرق المتوسط، على المستويين، السياسي والدبلوماسي، وإنه في حال عدم تمكّنهما من التوصل إلى حل، عليهما أن تتفقا على أن الخلاف يجب أن يتم البت فيه لدى هيئة دولية، مثل محكمة العدل الدولية في لاهاي؟ رسالة قد تقوي موقف تركيا، وتخيّب آمال من يراهن على التصعيد اليوناني، والذهاب إلى الحرب من أجل إسقاط المعادلة الجديدة التي فرضتها أنقرة في شرق المتوسط.

5) تذهب تفسيرات رصينة إلى أن إرسال أنقرة قواتها إلى ليبيا ليس هدفا بحد ذاته بقدر ما هو ورقة ضغط يمسك بها الرئيس التركي في مواجهة حفتر وداعميه من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، والروس من جهة ثالثة؛ بهدف دفع الغرب إلى التدخل لإجبار حفتر على القبول بالحل السياسي في ظل عناده وإصراره على مواصلة العدوان على طرابلس مدعوما من القاهرة وأبو ظبي وباريس والرياض.

 ويعزز هذه الفرضية عدة شواهد، منها تصريحات نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، الأربعاء غرة يناير 2020م، التي أكد فيها أن بلاده ربما تحجم عن إرسال قوات إلى ليبيا في حال أوقفت قوات اللواء حفتر عدوانها على حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في طرابلس وانسحبت إلى مواقعها السابقة قبل إبريل 2019م، وأضاف أوقطاي أن أنقرة تأمل أن يبعث مشروع القانون التركي برسالة ردع للأطراف المتحاربة.

 أيضا فإن حكومة الوفاق لا تحتاج إلى قوات نظامية بقدر ما تحتاج إلى دعم عسكري وأسلحة متطورة مثل الطائرات المسيرة وأسلحة دفاع جوي تكون قادرة على التصدي لطائرات حفتر المعتدية.

 المؤشر الثالث هو تغير نبرة الجانب المصري بشأن مؤتمر "برلين" الذي لم تكن متحمسة له من قبل حيث أكد بيان لخارجية السيسي مساء الجمعة 3 يناير 2020 ترحيبها لأول مرة بالمؤتمر باعتباره مدخلا لحل الأزمة سياسيا. وذلك خلال اتصالات شكري هاتفيا مع كل من سكرتير عام الأمم المتحدة، ومستشار الأمن القومي الألماني، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. المؤشر الرابع أن ثمة تسريبات دبلوماسية تؤكد أن القاهرة باتت منفتحة على حل سياسي للأزمة وأنها أرسلت عبر وسطاء أوروبيين لتركيا طلبات بالتهدئة على أن يتم إلزام حفتر بالتراجع عن هجومه على العاصمة طرابلس وعودة قواته إلى تمركزها على ما كانت عليه قبل إبريل 2019 مقابل عدم إرسال تركيا قوات إلى ليبيا.