رفع العقوبات الأمريكية هو ثمن “تطبيع” البرهان ونتنياهو برعاية إماراتية

- ‎فيتقارير

“الإمارات رتبت للقاء نتنياهو والبرهان في أوغندا، بحجة أن ذلك سيساعد في إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب ورفع العقوبات الأمريكية”، هكذا لخصت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية سر اللقاء المفاجئ بين رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان.

وقالت الوكالة الأمريكية، “إن الإمارات لعبت دورا في ترتيب اللقاء الذي جمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، حيث اتفقا على بدء تطبيع العلاقات بينهما”.

هذا السبب، وهو رغبة الخرطوم في رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ 1997، هو السر وراء اللقاء الذي لم تعلم به حتى حكومة الخرطوم.

وقد لخص نتنياهو سر قبول رئيس المجلس العسكري في السودان لقائه، بقوله على تويتر: “يريد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان مساعدة دولته في الدخول في عملية حداثة، وذلك من خلال إخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم”.

لهذا لم يكن غريبًا أن يتصل نتنياهو بوزير خارجية أمريكا عقب اللقاء ويعطيه الضوء الأخضر للرضا عن الخرطوم، ورفع السودان من قائمة العقوبات حتى يقيموا علاقات دبلوماسية رسمية.

أيضا قالت صفحة” إسرائيل بالعربي“، المعبرة عن الخارجية الصهيونية، “يؤمن رئيس الوزراء نتنياهو بأن السودان تسير في اتجاه جديد وإيجابي، ويريد البرهان إخراج دولته من العزلة”.

وأدرجت واشنطن السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1993، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية تشمل حظر التعامل التجاري والمالي منذ العام 1997، ما أدى إلى تضرر الاقتصاد السوداني بشدة، وظهور الأزمات الاقتصادية المتتالية، وآخرها أزمة تعويم الجنيه التي كان لانفصال الجنوب بالنفط السوداني أثر فيها أيضًا.

ورفعت الإدارة الأمريكية العقوبات الاقتصادية والحظر التجاري عن السودان في السادس من أكتوبر الماضي 2017، ولكنها أبقت على اسمها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما حرمها من الاستفادة من القروض، بعدما أثرت العقوبات الأحادية على كل نواحي الحياة في ذلك البلد الغني بالموارد المنهك بالأزمات.

وتسعى الحكومة السودانية إلى شطب اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر 2017، عقوبات اقتصادية وحظرا تجاريا كان مفروضا على السودان منذ 1997، لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، منذ عام 1993، لاستضافتها الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

هل هو تطبيع مجاني؟

يشير موقع «تايمز أوف إسرائيل» إلى أن المسئولين الإسرائيليين يسعون منذ فترة طويلة إلى تحسين العلاقات مع الخرطوم، مشيرين إلى أهميتها في المنطقة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي، في ظل السعي الصهيوني للعودة بقوة إلى إفريقيا والاستفادة من التطبيع معها اقتصاديا وأمنيًّا.

كما تريد إسرائيل الحصول على إذن يسمح لطائراتها بعبور سماء السودان لاختصار المسافات، وقال مسئول إسرائيلي كبير: إنه “من المتوقع أن توافق السودان على هذا الأمر في أقرب وقت ممكن هذا الأسبوع، كجزء من عملية التطبيع”!.

والغريب أن هذا يأتي في وقت يجمع فيه الشعب السودانى على رفض التطبيع، والأغرب أن مجلس الوزراء السوداني قال: لم يتم إخطارنا أو التشاور معنا في مجلس الوزراء بشأن هذا اللقاء، وسننتظر التوضيحات بعد عودة السيد رئيس مجلس السيادة!!، وتلقينا عبر وسائل الإعلام خبر لقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتبي بأوغندا.

أيضا قالت وزيرة الخارجية السودانية، “لا نعلم بلقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا، وسمعت من وسائل التواصل الاجتماعي.

ليست المرة الأولى

قبل أن ينهار نظام البشير، تم الكشف عن ضغوط أمريكية وإماراتية للتطبيع بين الخرطوم وإسرائيل، كثمن لرفع العقوبات الأمريكية، خصوصًا أن جنوب السودان المستقل يقيم علاقات قوية مع الصهاينة.

ففي مارس 2019 كشف موقع Middle East Eye” -عين الشرق الأوسط الإخباري اللندني، عن أن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، يوسي كوهين، اجتمع سرا برئيس جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، صلاح قوش، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عُقد الشهر الماضي

وقد رجح معلق صحيفة “معاريف” العبرية، يوسي ميلمان، حينئذ أن الاجتماع تم تنظيمه من قِبل مصر بدعم من المملكة العربية السعودية، هدفَ إلى بحث إمكانية إقامة علاقات بين البلدين، وأشار ميلمان إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وضمن جهوده لإقامة علاقات مع دول سنّية، حاول ترتيب زيارة له للخرطوم، أو إقناع السودان بالسماح لطائرات شركة “إل عال” الوطنية الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي.

بعدما تأكد لقاء صلاح قوش، مدير المخابرات السودانية، بمدير المخابرات الإسرائيلية سرا في مؤتمر ميونخ للأمن، في منتصف فبراير، بوساطة مصرية ودعم سعودي إماراتي، تأكد أن الهدف هو تحقيق مصالح إسرائيل.

وقد نفى جهاز الأمن والمخابرات السوداني، حينئذ، صحة لقاء صلاح قوش، رئيس “الموساد” الإسرائيلي، يوسي كوهين، على هامش مؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد الشهر الماضي.

هل التدخل الإماراتي حقيقي؟

كانت الإمارات تسعي إلى الاستفادة من حالة الزخم الشعبي السوداني المعارض لـ”البشير” واستغلالها للإطاحة به، شريطة أن يكون رئيس المخابرات “صلاح قوش” هو البديل القادم خاصة أن “قوش” توطدت علاقته بشكل لافت مع السعودية والإمارات، وجاء الانقلاب على البشير عقب المظاهرات الشعبية ليأتي بالبرهان الذي دعمته الإمارات.

والمشكلة أن الضغط الإماراتي للتطبيع السوداني مع إسرائيل سيؤدي إلى وجود حزام في منطقة القرن الإفريقي وشمال إفريقيا يوالي واشنطن، ويرتبط بعلاقات جيدة مع إسرائيل، ويشمل ذلك الحزام المدعوم إماراتيا كلا من مصر وليبيا (اللواء خليفة حفتر) بالإضافة إلى السودان.

ولذلك كان ملفتا قول صحيفة تايمز اوف إسرائيل نقلا عن مسئول صهيوني، إن أبو ظبي هي من تسعى لتقديم السودان على طبق من ذهب لإسرائيل، وهي من رتبت لقاء البرهان نتنياهو، ورئس مجلس السيادة في السودان، وأن مصر والسعودية كانوا على علم بذلك!.

أيضا قال مسئول عسكري سوداني رفيع المستوى، إن الاجتماع نُظم من قبل دولة الإمارات وكان يهدف إلى المساعدة في إزالة السودان من قائمة الإرهاب التي تعود إلى التسعينيات، عندما استضاف السودان لفترة وجيزة أسامة بن لادن وغيره من المطلوبين.

وقال المسئول العسكري السوداني لوكالة أسوشيتدبرس: إن دولة الإمارات هي التي رتبت اللقاء بين البرهان ونتنياهو، كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست أيضا أن لقاء البرهان مع نتنياهو “رتبت له الإمارات بعلم مصر والسعودية”.

ويتردد أن لقاء نتنياهو وعبد الفتاح البرهان لا يعبر عن التقاء مصالح مشتركة بين الجانبين، وإنما يعكس المصالح المشتركة بين إسرائيل والأطراف الإقليمية الراعية لمجلس البرهان، فلإسرائيل وهذه الأطراف مصلحة في توظيف السودان في دعم “حفتر”، سيما بعد الاتفاق الليبي التركي، الذي يهدد المصالح الصهيونية في المنطقة.

هل يتم إلغاء العقوبات الأمريكية؟

قد يكون شكر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، على مبادرته لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتوجيه دعوة له لزيارة واشنطن هي المكافأة التي انتظرها البرهان، وقد يكون وَعَدَ بها قبل أن يلتقي نتنياهو.

فقبل لقاء البرهان نتنياهو، وجهت هذه الدعوة من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لرئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان لزيارة أمريكا، ويبدو أن الهدف هو ربط رفع العقوبات عن السودان بالتطبيع، وهو ما طرح في عهد البشير الذي رفض.

فرغم الوعود الأمريكية المتكررة برفع العقوبات عن الخرطوم حال قبولها انفصال الجنوب عن الشمال، بغرض تفتيت قوة السودان الإقليمية وتأثير هذا بالتبعية على مصر التي يجري تركيعها عبر التدخل في قضية مياه النيل وضرب السودان كامتداد إقليمي لمصر، وكذا قبولها التعاون الاستخباري والعسكري، فقد قامت واشنطن بملاعبة الخرطوم بهذه العقوبات للحصول على مزيد من التنازلات وإضعاف الدور السوداني في إفريقيا والبحر الأحمر لصالح الدور الصهيوني وفرض التطبيع عليها.