السودان تنسحب من الوساطة.. هل يجرؤ السيسي على ضرب السد ردًا على الاستكبار الإثيوبي؟

- ‎فيتقارير

فى تحدٍّ جديد لدولة العسكر بقيادة الانقلابي عبد الفتاح السيسي، أعلنت إثيوبيا عن البدء في ملء بحيرة سد النهضة الخريف القادم، رغم عدم التوصل إلى اتفاق مع العسكر، بعد الانسحاب من مفاوضات واشنطن.

يأتى هذا الإعلان بالتزامن مع تراجع الحكومة السودانية عن الوساطة بين مصر وإثيوبيا لإنهاء أزمة السد، وإغلاقها هذا الملف يمثل ضربة جديدة توجهها إثيوبيا لدولة العسكر التى فشلت حتى الآن فى الدفاع عن حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل، وترفض القيام بأى عمل عسكري أو توجيه ضربة للسد، ما يزيد من الأطماع الإثيوبية .

كان مجلس وزراء العسكر قد حاول إقناع السودان بالوقوف إلى جانبه ضد إثيوبيا من خلال الإغراءات، حيث أعلن المجلس عن بدء التشغيل الفعلي لخط الربط الكهربائي بين مصر والسودان جهد 220 ك.ف، تلبية لرغبة الجانب السوداني .

وقالت وزارة الكهرباء بحكومة الانقلاب، إنّه تم الانتهاء من أعمال إنشاء الخط الكهربائي لربط البلدين في أبريل 2019، ويبلغ طوله بالجانب المصرى 100 كم، وبالجانب السوداني 70 كم، مشيرة إلى أن المرحلة الأولى من الربط تهدف إلى إمداد الجانب السوداني بقدرات على مدار الساعة تصل إلى 70 ميجاوات.

وأوضحت أنه بإنهاء المرحلة الثانية من الربط، سيتم إمداد السودان بقدرة تصل إلى 300 ميجاوات.

ويرى الخبراء أن الإعلان الإثيوبي بمثابة تحد صريح لدولة العسكر، مؤكدين أن إثيوبيا ضربت بكل الاتفاقيات والمفاوضات عرض الحائط، وتتصرف فى مياه النيل دون اعتبار لدولتى المصب خاصة مصر .

وقالوا إن إثيوبيا نجحت فى تحييد السودان بجانب كسب كل دول حوض النيل فى صفها، موضحين أنه فى المقابل لم تحقق دولة العسكر أى نجاح، لا فى المفاوضات ولا فى غيرها، ولا فى العلاقات مع دول الحوض.

وأشار الخبراء إلى أن اعتماد العسكر على السودان لإحداث تأثير إيجابي على إثيوبيا ليس فى محله؛ لأن السودان يؤمن بأن الفوائد التى ستعود عليه من سد النهضة أكبر بكثير مما سيحصل عليه من دولة العسكر.

وطالبوا بتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة، وإلا ستعانى مصر من العطش من الآن فصاعدا، خاصة بعد فشل الوساطة والتفاوض والجهود الدبلوماسية .

السد وكورونا

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بمناسبة الذكرى التاسعة لبدء إنشاء السد في أبريل 2011: “رغم كون وباء كورونا أصبح الآن تحديا، فإننا نتوقع أن نرى عملية بدء تخزين المياه في سد النهضة بداية الخريف” .

وأضاف: “إذا عمل الإثيوبيون بيد واحدة معا، فسوف يتصدون لفيروس كورونا وينهون بناء سد النهضة في وقت واحد” .وقال وزير الري الإثيوبي سليشي بقلي: إن بلاده أنهت 72.4%  من أعمال البناء في السد.

وأوضح أن بلاده تهدف من بناء السد إلى الاستفادة من حقها الطبيعي على نهر النيل، مؤكدا أن إثيوبيا ليست لها أية نية لإلحاق الضرر بدول المصب.

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية، عن «زريهون آبي» أحد أعضاء فريق التفاوض الإثيوبي، أن مصر كانت تهدف من خلال المفاوضات إلى إحياء الاتفاقية الاستعمارية لعام 1959.

وأضاف زريهون: مصر كانت تحاول ممارسة تكتيكات عقيمة لإحياء رغبتها الاستعمارية، إنهم (المصريون) يعتقدون أن بإمكانهم فرض رغباتهم الاستعمارية على دول المنبع، ويريدون جعل إثيوبيا ودول المنبع الأخرى مستعمرات تحت سيطرتهم .

وأوضح أن السبيل الوحيد للخروج من هذا الأمر هو التفاوض بجدية وروح التعاون مع دول الحوض الأخرى .

ولفت إلى أن المشكلة تتعلق بتقاسم وتوزيع المياه، مؤكدا أنه يجب أن تكون الدول مستعدة لتقديم تنازلات، حيث إنه من المهم للغاية تحقيق التنمية المستدامة والسلام في المنطقة .

وأكد زيريهون أنه في حالة حدوث جفاف، يتعين على مصر وإثيوبيا مواجهته معا باعتباره ظاهرة طبيعية، مضيفا أن إثيوبيا لن تتحمل الألم وحدها لتزدهر مصر .

كانت الإدارة الأمريكية قد تدخلت كوسيط بين مصر وإثيوبيا والسودان في مسعى لاحتواء التوتر المتصاعد بين الدول الثلاث بشأن ملف سد النهضة، واستضافت جولات مكوكية للمفاوضات أحدثت زخما كبيرا أدى إلى بلورة مسودة اتفاق نهائي، كان من المنتظر توقعيها بحضور البنك الدولي.

وتعثرت الوساطة الأمريكية بعد إعلان أديس أبابا، اعتراضها على مسودة الاتفاق النهائي بشأن أزمة سد «النهضة»، وتقديم الخرطوم ملاحظات للفريق الأمريكي حول المسودة، فيما وقعت دولة العسكر وحدها بالأحرف الأولى على الاتفاق.

ومثل الانسحاب الإثيوبي من المشاركة في التوقيع النهائي بعد اعتراضها على مسودة الاتفاق، ضربة قوية للمفاوضات، ما جعل الغموض يسود مستقبلها بعدما كان من المنتظر التوقيع على الاتفاق النهائي نهاية فبراير الماضي، بعد سنوات من المفاوضات.

المياه النقية

وكشفت أبحاث حديثة عن أن الوضع المائي فى مصر سيتحول إلى الأسوأ؛ متوقعة أن تعاني مصر من أزمة في نقص الماء النقية والطعام بحلول عام 2025؛ بسبب سد النهضة وانخفاض مستويات الارتفاع في دلتا النيل وارتفاع منسوب مياه البحار المالحة .

وقال موقع “كلير تكنيكا”، نقلا عن دراسات استمرت سنوات من باحثين بجامعة سميثسونيان: إن التزايد السكاني يمكن أن يلعب دورًا في هذه الأزمة، ولكن من الصعب معرفة إذا كان تزايد الأزمات الاجتماعية والجيوسياسية المصرية سيحد من هذه الأزمة أم لا.

وتوقع امتلاء سد النهضة الإثيوبي خلال فترة من سنتين إلى خمس سنوات، وبالتالى سيقل تدفق المياه الى مصر والسودان. مشيرا إلى أن هذا الوضع يمكن أن يقود إلى صراع كبير؛ حيث يعد نصيب مصر السنوي من المياه من أقل دول العالم، ويصل نصيب الفرد إلى 660 مترًا مكعبًا.

وأضاف موقع “كلير تكنيكا” أنه وفقًا للتاريخ، تطورت أرض الدلتا الغنية لأسباب طبيعية تتضمن تدفق المياه النقية من النيل، والرواسب المنقولة من إثيوبيا، مرورًا بالسودان ومصر إلى البحر المتوسط.

ولفت إلى أن حوالي 70% من المياه المتدفقة التي تصل إلى مصر تأتي من مصادر إثيوبية، وخلال المائتي سنة الماضية سبَّبَ تزايد أنشطة الإنسان في تغيير ظروف تدفق مياه النيل؛ مثل بناء السد المنخفض في أسوان في 1902، ثم السد العالي في 1965، ومنذ ذلك الحين تغير تدفق المياه وتوزيع التربة الغنية في الدلتا، وزاد التعداد السكاني بشكل سريع ليصل إلى 100 مليون يعيش معظمهم قرب النيل والدلتا، وهذه المناطق تمثل 3.5% من مساحة مصر.

وأوضح أنه بسبب تأثير الإنسان القوي لم تعد الدلتا تعمل بشكل طبيعي؛ حيث يصل أقل من 10% من مياه النيل إلى البحر، ومعظم الرواسب المغذية أصبحت محاصرة في الدلتا من خلال نظام الري الكثيف، مشيرا إلى أن سهل الدلتا مرتفع عن البحر بحوالي متر، وبمرور الوقت ينحدر السهل وترتفع المياه؛ مما سيؤدي إلى سوء الوضع في النهاية بشأن ملوحة المياه. ويثير هذا الأمر تساؤلات: إلى أين سيذهب 100 مليون مصري؟ وماذا سيفعلون عندما يبدأ نقص المياه والطعام أكثر مما هو عليه الآن؟.

ضربة مستحيلة

من جانبه أكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أن توجيه ضربة عسكرية لسد النهضة مستحيلة، مشيرا إلى أن إثيوبيا باتت دولة ذات علاقات دولية داخل وخارج إفريقيا، ويمكنها أن تجمع كل الدول المتحالفة معها ضد مصر.

وكشف نور الدين، فى تصريحات صحفية، عن أن الفترة منذ 2011 حتى 2014 كانت فرصة زمنية كبيرة لـ«إثيوبيا» نجحت خلالها فى استغلال الاضطرابات السياسية في مصر آنذاك، حتى أصبح التعامل مع القضية على أنها أمر واقع، وبالتالي يصعب التعامل من نفس النقطة التي كان يقف فيها المخلوع حسنى مبارك.

وقال اللواء محمد علي بلال، نائب رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، إن ضرب مصر لسد النهضة أمر مستحيل، موضحا أن إثيوبيا ليست وحدها فهناك شركات هولندية وإسرائيلية وعربية لها مصالح مع السلطات الإثيوبية، كما أن الصين وفرنسا لهما استثمارات هناك كلفتها مليارات الدولارات.

وأضاف بلال، في تصريحات صحفية، أنه في حالة ضرب سد النهضة دون اتفاق دولي مسبق، وذلك أمر مستبعد، فسنعلن الحرب على أنفسنا، ولا نعلم مدى عواقب هذه الضربة فيما بعد.

وأشار إلى أن دولة العسكر حتى الآن في حرب داخلية، فتوجيه حرب خارجية سيكلفنا ما لا طاقة لنا به.

قواعد عسكرية

وأوضح اللواء عادل سليمان، الخبير العسكري، أنه في كل الحالات فإن مصر عسكريا لا تمتلك قواعد عسكرية في إفريقيا خاصة دول حوض النيل لشن عملية جوية لقصف السد وجعله ركاما، لافتا إلى أن الحل العسكري هو عملية برية سرية لا يظهر تورط مصر فيها بشكل مباشر .

وأكد سليمان، في تصريحات صحفية، أن مثل هذه العمليات تحتاج لمجال جوي سواء مباشرة من مصر إلى هناك، أو مجال متغير من دولة إلى أخرى، مشيرا إلى أن إفريقيا بلاد حرب لا نملك فيها سوى سفارات لا شأن لها بهذا الأمر.

أوراق مصر

وأوضح الدكتور بدر شافعي، خبير الشئون الإفريقية، أن السيسي أخطأ بتوقيع اتفاق سد النهضة، الذي لم ينص للمرة الأولى على حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل، مشيرا إلى أن سعيه الآن لتدويل المفاوضات ونقل القضية للأمم المتحدة لن يفيد مصر.

وقال شافعي، في تصريحات صحفية: إن أوراق مصر للضغط كانت تتمثل في: التحكيم وهو ما ترفضه إثيوبيا، والخيار العسكري وهو ما لن يلجأ إليه السيسي.

وأشار إلى أن أوراق مصر الأخرى، التي كانت تتمثل في إريتريا وجبهة تحرير الأورومو، سقطت بعد نجاح رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” في تحييد الطرفين بالمصالحة معهما.

التحكيم الدولي

وكشف مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الضغط على أديس أبابا بالوسائل التقليدية لن يحقق نتيجة، مطالبا بضرورة اللجوء إلى المعالجة العسكرية ما دام طريق التفاوض قد انتهى بالفشل.

وتساءل غباشي في تصريحات صحفية: إذا كانت المفاوضات قد فشلت فما هو المطروح الآن من جانب العسكر للحفاظ على حقوق مصر فى مياه النيل؟ مشددا على أن المسألة صعبة خاصة مع اكتمال السد وآليات بنائه، والذى من المؤكد أنه سيتسبب في ضرر بالغ لمصر.

وقلل من تأثير إمكانية لجوء مصر للتحكيم الدولي مضيفًا: بعيدًا عن اللجوء للمحاكم الدولية ومثل هذه السيناريوهات، فالتفاوض مآله فشل ونجاحه الأكبر أصبح في تقليل الضرر في وقت البناء أو تغيير مسار النيل.

وتابع غباشي أن الجانب الإثيوبي يذكرني في تفاوضه مع مصر بشأن سد النهضة، بتفاوض إسرائيل مع الفلسطينيين في مسألة الدولة الفلسطينية، فهو يماطل ويماطل بلا فائدة.

وحول الحلول البديلة لعملية التفاوض، قال: لا أستطيع أن أحسم خيار توجيه ضربة عسكرية للسد، لكني أتصور أنه من المفترض أن تكون كل الخيارات مفتوحة لأن الموضوع مرتبط بحياة أو موت بحسب التصريحات المحسوبة على السيسي .

وحذر غباشي من أن السيسي ربما يمهد بهذه الخطوة، إلى القرار الأخطر، وهو السماح بنقل مياه النيل إلى الاحتلال الإسرائيلي، مستبعدا فكرة التحركات المخابراتية المصرية لدعم حركات التمرد في إثيوبيا .