لماذا لا يقتنص السيسي فرصة “كورونا” لإطلاق المعتقلين؟

- ‎فيتقارير

قال موقع “حبر” المنصة الصحفية الأردنية المحجوبة في مصر: إن اللحظة الآنية المرتبطة بجائحة كورونا، فارقة. ويمكن أن يستفيد منها النظام في مصر بالإفراج عن المعتقلين ليحقق انتصار فعلي للجميع، وفرصة مثالية ليتخلص النظام من عقدة أنه أتى في لحظة التفويض ضد العملية الانتخابية الوحيدة في مصر ويجب أن يظل أسيرها حتى النهاية ليحتفظ بشرعيته، لكنه استدرك قائلاً: “في كل الأحوال، لا حديث عن إخلاءات سبيل قريبة للسجناء السياسيين لحل الأزمة”.

وأضاف الموقع في مقال بعنوان “الكورونا في السجون المصرية: لا نملك ما نقايض النظام به سوى الخوف” أن لدى النظام “فرصة مثالية لأنه يمكن أن يفرج عن المعتقلين، دون أن يكون ذلك نتيجة لتنازل خطابي مباشر يعلن فيه خطأ نهجه السابق، بل بخطاب يعلن فيه تعاليه على خصومته السياسية السابقة للصالح العام، وسيستفيد منه كما سيستفيد الآخرون، دون أن ينسينا كل ذلك، أن الإفراج أولوية صحية بالأساس”.

كسر دعاية النظام

وقال المقال إن النظام المصري خائف من كسر استثنائيته، فهو الذي يحكم سيطرته على البلاد مستخدمًا خطاب محاربة الإرهاب والخطر المحدق بالبلد في كل لحظة، لا يمكن أن يوافق بسهولة على أن يجعل استثنائية كورونا تعلو على استثنائية شرعيته الخاصة.

وأشار إلى أنه لم يقدم على الإفراج الوقائي كالذي حدث لعشرات الآلاف من المساجين مثل إيران وتونس والمغرب والأردن والسودان وإثيوبيا والعراق وأفغانستان، مبينًا أنه مصر على ذات الخطاب في التعامل مع أن المظاهرة العدمية ضد كورونا تظل مظاهرة، والوقفة الإنسانية للمساجين تظل وقفة تحاكم بقانون التجمهر.

وفي تفسيره لذلك قال إنه “ربما يفكر أن خطوة الإفراج عن أعداد كبيرة لتخفيف تكدس السجون، ستشكل سابقة اعتراف بعدم جدية تهمهم الأصلية، التي هي شروط تشكّل النظام الطارئ بدءًا، واعتراف أن الكثير من المحبوسين مجرد معارضين سياسيين لا يشكلون خطرًا حقيقيًا على البلد حال الإفراج عنهم”.

وأشار المقال التحليلي أن “الاعتراف من النظام إن حدث، ربما لن يمكنه أن يعيد صياغة خطاب الاستثناء والحرب على الإرهاب بنفس القوة والتماسك مرة أخرى”.

منطق السطوة

وقال التقرير إن “النظام يفضل تماسك منطق سطوته، على الصالح العام المباشر الذي يمكنه أن ينقذ أعدادًا كبيرة من المرض، سجّانين ومسجونين معًا”.

وعلى ذات المنحى، أوضح أنه لذلك السبب يقدر دور الجيش والشرطة ولا يفعل نفس الشئ مع الأطباء، فقال: “ربما يفسر هذا سبب الاهتمام الواضح جدًأ من النظام لتعظيم دور القوات المسلحة والأمن في محاربة الكورونا، وهو دور حقيقي، بينما أصحاب الدور الأكبر، من أطباء وممرضين وعاملين في المنظومة الصحية، يبقون على الهامش، يتم ذكرهم دائمًا في النهاية كجيش أبيض، بينما يبقى الفاعل الأساسي، والذي ينسب إليه الفضل كله، هو الجيش بألف لام التعريف”.

وأضاف أن خطوة بحجم الإفراج عن المعتقلين، ستكسر فعلًا صلابة خطاب النظام وهويته كمعادٍ للقوى السياسية حتى النهاية، لكنها ستفتح من جانب آخر، طريقًا لخطاب جديد، عن انتصار أوسع وأكثر رحابة، نهاية لسيطرة عهد الاستثناء الكبير دون هزيمة، وتعويض للنظام عن الصفعة التي تلقاها من استجابة المظاهرات لمحمد علي في أحداث 20 سبتمبر.

وقال التقرير إن النظام يريد لعالمه القديم – الذي درج عليه قبل كورونا – أن يستمر، دون حدث كبير يعكر صفو خطابة معركته ضد الإرهاب، وهو مشكلة حقيقية، لكنه يضم للمصطلح كل المعارضين السلميين بأطيافهم.

واستدرك بأن المشكلة أن أزمة كورونا استثنائية بالفعل، وتعلو في أولوياتها على حالة الاستثناء الدائم في مصر منذ الانقلاب في 2013، ونداءات الإفراج عن المسجونين ضرورية للحفاظ على صحة عشرات الآلاف من كل الأطراف لأن الخطر وطني فعلًا هذا المرة.

إلا الخوف

ولفت التقرير إلى أن المطالبين بإطلاق المعتقلين لا يملكون من أدوات تمكنهم من الخروج سوى الخوف ليقايضوا النظام به، موضحا أنه “خوف النظام من انتشار العدوى بين صفوف العساكر والضباط وقيادات الجيش وصولًا لمكتب السيسي شخصيًا”.

وأشار إلى أن في إطار الخوف على أنفسهم، تم تعقيم بعض السجون بالكامل مرة في بداية ظهور حالات كورونا في مصر، وبعضها دخل إلى النزلاء فيها بعض أدوات التعقيم، وبعضها اتُخِذت فيها إجراءات وقاية للعاملين بمصلحة السجون، مضيفًا أن “الارتباك واضح على العاملين بالسجون الخائفين على أنفسهم على الأقل”.

محددات السطوة

وأوضح أن سبب ذلك هو أن النظام يضع مجموعة من المحددات ومنها أن هنالك قرارًا مركزيًا بالطريقة التي تتعامل فيها السجون فيما يخص جائحة كورونا.

وأن النظام يفترض أن نداءات الإفراج عن المسجونين السياسيين دومًا مغرضة، تستخدم أي حدث لتعيد طلبها القديم الجديد، ولم يختلف ذلك حتى مع أزمة بحجم وباء عالمي غيّر بالفعل نمط الحياة اليومية في العالم كله.

وأنه وفقًا للسببين استباق السيسي أي تحرك سياسي، فأصدر سريعًا القانون رقم 19 لسنة 2020 في 18 مارس والذي يلغي إمكانية الإفراج الشرطي عن المسجونين في عدة تهم منها تهم القانون 10 لسنة 1914 والمعروف بقانون التجمهر والتظاهر، والقانون 94 لسنة 2015 والمعروف بقانون الإرهاب الذي يحبس على الأغلبية الساحقة من المعارضين، بالإضافة للاستمرار في ملاحقة المطاردين مستغلين وجود الجميع في المنازل جراء الحجر الصحي.

ومن تحركه في الإطار نفسه أشار التقرير إلى أن “الحكومة” نفت في تصريحاتها وجود أي معتقل سياسي أو معتقل رأي في السجون؛ باعتبار أن جميع المعتقلين من كافة أطيافهم يدخلون تحت تهم الانضمام لجماعة إرهابية أو المشاركة في تحقيق أغراضها بشكل تلقائي، وعليه لم يصدر أي رقم رسمي من أي جهة حكومية عن أعداد المساجين، أو القدرة الاستيعابية لأماكن الاحتجاز، سوى تقرير أعده المجلس القومي لحقوق الإنسان في مايو 2015، قال إن نسبة التكدس في غرف الاحتجاز الأولية مراكز الشرطة تتجاوز 300%، وتصل في السجون إلى 160%.

الزيارات والفزع

وأشار التقرير إلى أن منع الزيارات للسجون بداية من مارس الماضي بدا أنه خطوة احترازية لحماية المساجين من خطر العدوى من الخارج، إلا أن هذا العزل ترافق معه حرمان كامل من التواصل مع العالم الخارجي، وبدون أي حملات منظمة داخل السجون للتوعية بطرق الوقاية وأعراض المرض وطرق التعامل معه، وبدون تواصل المعتقلين مع أسرهم؛ ما أدى لحالة فزع عامة في السجون، خاصة في أماكن احتجاز الأطفال، وعلم المساجين أن هناك أزمة كبيرة، لكنهم لا يفهمونها بالكامل ولا يعلمون حدودها، رغم أنهم متضرّرون منها بشكل مباشر.

وأضاف التقرير أن سجون مصر تحتوي على أكثر من 114 ألف سجين موزعين على 60 سجنًا تقريبًا، منهم ما بين 41 ألفًا إلى 60 ألف سجين سياسي.

وأوضح التقرير أنه وفقًا لشهادات كان المشترك بينها “شعور السجناء بسهولة التضحية بهم، وإن ظهور حالة إصابة واحدة سيؤدي لإغلاق العنابر حتى يموت الجميع”.

وقال: تتنوع السجون في مصر في مدى رداءتها، إلا أن الأغلبية الساحقة لسجون الرجال لا تحتوي على سرائر، ويصل التكدس فيها إلى الحد الذي تقسم فيه الزنازين بالشبر والأصابع والسنتيمترات، بحيث تحتوي الزنزانة على 30 شخصًا يكون نصيب الفرد منها 50 سنتيمترًا مثلًا، وينام الجميع على جانب واحد، أو يقسمون النوم على دفعات، دون تهوية أو إضاءة تذكر.

وخلص التقرير إلى أن أثر التكدس ملموس في مدى انتشار الأمراض المعدية والجلدية في السجون، ونرى خصومة النظام في تعمد إهمال الشكاوى الصحية ومنع دخول الأدوية.