صعّدت باريس، الداعمة بقوة للواء الإرهابي خليفة حفتر، موقفها تجاه الدعم الذي تقدمه تركيا إلى حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في ليبيا، واصفة إياه بـ"غير المقبول"، ومؤكدة أنّ "فرنسا لا يمكنها السماح بذلك"، وفق ما صدر عن الإليزيه.
حيث تدعم تركيا حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا وقواتها المسلحة الشرعية بموجب اتفاقية نوفمبر 2019، وحددت الحكومة التركية مجموعة أصلية من الأهداف والغايات في ذلك الوقت، وهذه الأهداف تتجدد منذ ذلك الحين في ضوء التطورات على أرض الواقع، فما هدف تركيا الجديد في ليبيا؟
في مستهل التدخل التركي في نوفمبر الذي غيَّر موازين القوى في ليبيا، أعطت أنقرة الأولوية لمنع سقوط طرابلس؛ ومن ثم حماية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقَّعتها مع حكومة الوفاق الوطني في ذلك الشهر، ومع ذلك ظهرت رسالتان رئيستان من اجتماع سراج وأردوغان هما: رفض مشاركة حفتر في المفاوضات المرتقبة، والتصميم على الاستيلاء على جميع الأراضي التي يسيطر عليها.
سنواصل نضالنا
ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حفتر بأنه "انقلابي" يفتقر إلى "القدرة التمثيلية للجلوس على طاولة المفاوضات". من جانبه، قال رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج: "سنواصل نضالنا حتى نقضي على هذا العدو بالكامل، على الرغم من بعض الضغوط للجلوس على طاولة المفاوضات مع مجرم الحرب هذا، فلن نسمح له أبداً بفرصة للتفاوض".
وأشار الاثنان أيضا إلى المكاسب الاقتصادية التي تحققت؛ مما عكس ثقتهما في الفوز بالحرب، وقال أردوغان: إنَّ التعاون في مجال التنقيب والحفر سيستمر من أجل الاستفادة من الثروات الطبيعية في المياه قبالة سواحل ليبيا، بينما قال السراج إنَّ الشركات التركية ستكون موضع ترحيب في إعادة الإعمار في ليبيا بعد الحرب.
في غضون ذلك، حذر مصدر دبلوماسي فرنسي من المساعدة التي تقدمها تركيا إلى ليبيا، مشيرا إلى أن الخطر الذي تمثله التدخلات التركية بات على أبواب أوروبا، وقال إن أوروبا تشعر بالقلق جراء التفاهمات التركية الروسية في ليبيا، مشيرا إلى أن هذه التفاهمات لا تصب في صالح استقرار أوروبا.
وزعمت فرنسا، التي تكثف منذ أشهر مساعدتها للإرهابي حفتر، إنّها "سياسة أكثر عدوانية وتصلبا من قبل تركيا مع نشر سبع سفن قبالة ليبيا وانتهاك الحظر المفروض على التسليح".
وأضافت الرئاسة الفرنسية أنّ "الأتراك يتصرفون بطريقة غير مقبولة عبر استغلال حلف شمال الأطلسي، ولا يمكن لفرنسا السماح بذلك"، وأوضحت أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون تباحث بهذا الشأن مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب، "وستجري مباحثات، خصوصا خلال الأسابيع المقبلة مع شركاء حلف شمال الأطلسي المنخرطين ميدانيا".
من جهته يقول الناشط الليبي إبراهيم قصودة: "الرئاسة الفرنسية: تدخلات تركيا في ليبيا غير مقبولة ولا يمكن السماح بها.. من أنتم يا كلاب لكي تسمحوا أو لا تسمحوا؟".
وبالتزامن مع اتصال هاتفي جرى بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، أصدر الأخير تصريحات متتالية عن استعداد الحلف لدعم حكومة الوفاق الليبية “الشرعية”، وبينما تحدثت العديد من الصحف الغربية والتقارير الأممية عن خطر انتشار مليشيات فاغنر الروسية في ليبيا، حذر السفير الأمريكي في ليبيا من مخاطر التمدد الروسي هناك.
هذه المواقف والتطورات المتلاحقة والتي تزامنت مع الانتصارات العسكرية الكبيرة التي حققتها حكومة الوفاق في الأسابيع الأخيرة ضد مليشيات خليفة حفتر المدعومة من روسيا، أثارت الكثير من التكهنات حول مدى نجاح تركيا في إقناع الحلف والإدارة الأمريكية بشكل خاص بضرورة التعاون في دعم حكومة الوفاق لضمان عدم سقوط ليبيا في يد روسيا.
مصالح سياسية
وعلى الرغم من وجود انقسامات في الموقف الغربي من الأزمة الليبية، لا سيما وجود دول تتزعمها فرنسا تدعم حفتر سياسيا وعسكريا من أجل السيطرة على طرابلس، وذلك انطلاقا من مصالح سياسية واقتصادية، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن قيادة الحلف بدأت بالتعامل مع ملف الأزمة الليبية بشكل أكثر جدية وتنطلق في ذلك من مبادئ الحلف الأساسية القائمة على الحد من النفوذ الروسي ووقف تمدده في المنطقة.
كما أن الموقف الأمريكي والذي يعتبر الأهم داخل الحلف، بدأ يتوضح تدريجيا بعدما كان غامضا لفترة طويلة، حيث كانت أنقرة تعتقد منذ فترة طويلة أن تدخلها العسكري في ليبيا يحظى برضى أمريكي ضمني وذلك من أجل رفع تكلفة الدعم الروسي لحفتر وتصعيب مهمة موسكو في حسم المعركة عسكرياً لصالحه، لكن واشنطن كانت ترفض الإفصاح عن ذلك علناً لا سيما وأنها غير ممتنة كثيرا؛ لأن يتعاظم النفوذ التركي في المنطقة في حال نجحت أنقرة في حسم المعركة لصالح السراج، في تدخل حساس بالموقف الأمريكي جعل المشهد أكثر تعقيداً.
وعلى الرغم من مواقف أمين عام الناتو والسفير الأمريكي والموقف الإيطالي الداعم للسراج بقوة، إلا أن الانقسامات الأوروبية والغربية المكون الأوسع داخل حلف الناتو تعيق أي توافق داخل أطر الحلف لدعم حكومة السراج بشكل كامل، بحسب التقديرات التركية التي تعتقد بإمكانية الحصول على بعض الدعم يساعد أنقرة في استمرار دعمها للوفاق لكي تحقق مزيدا من الانتصارات ضد مليشيات حفتر وداعميه.
ومنذ توقيع مذكرة التفاهم العسكرية بين تركيا وحكومة الوفاق وبدء أنقرة بتقديم دعم استشاري ولوجستي عسكري لطرابلس، انقلبت موازين القوى لصالح حكومة الوفاق بعدما كاد حفتر أن يسيطر على العاصمة بدعم من مرتزقة شركة فاغنر الروسية التي تراجع نفوذها في ليبيا، كما تكبد داعمو حفتر خسائر متتالية كان آخرها، السبت، تدمير الطائرات المسيرة التركية منظومتي بانتسر للدفاع الجوي روسية الصنع في قاعدة الوطية الجوية قرب طرابلس يتم تأمينها لمليشيات حفتر بالتعاون بين الإمارات وروسيا.
الأمر الواقع
قال تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن تركيا قضت على حلم خليفة حفتر بالسيطرة على ليبيا، داعيا الدول الأوربية الداعمة له، وعلى رأسها فرنسا واليونان، إلى الاعتراف بالأمر الواقع والهروب من سفينة حفتر الغارقة .
وجاء في التقرير المطول الذي نشر على موقع المجلس، أن الأيام الأخيرة شهدت لحظة تحول كبير في ليبيا بعد أن دفع الدعم العسكري التركي حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة إلى تحقيق انتصارات كاسحة أدت إلى مقتل آمال المشير خليفة حفتر في غزوطرابلس.
وأضاف أن تصميم تركيا الجديد هو نتيجة مباشرة لفشل مؤتمر برلين الذي عقد في يناير؛ لأن المبادرة الألمانية لم تفعل الكثير لردع الإمارات العربية المتحدة عن تقديم دعم عسكري هائل لحفتر. وفي المقابل أظهرت أنقرة الآن عزمًا حازمًا على طرد قوات حفتر من طرابلس وضواحيها.
ويدلل التقرير على تعزيز تركيا نفوذها في ليبيا ببيان حكومة الوفاق الذي حمل الدول الأوروبية مسئولية الانحياز لحفتر في عملية إيريني البحرية لفرض حظر الأسلحة في ليبيا.
كما أن من المحتمل أن يكون قرار مالطة المفاجئ باستخدام حق النقض (الفيتو) في الاعتراض على تخصيص أموال الاتحاد الأوروبي للعملية ناتجًا عن التأثير التركي ووعد بمزيد من الضوابط على الهجرة من ليبيا.
ووفقا للتقرير، فإن النكسات التي يواجهها حفتر تمتد إلى ما وراء المجال العسكري، مما يشير إلى أن عملية إعادة تنظيم أعمق قد تكون جارية، وأوضح إن إخفاقاته العسكرية في الغرب تسببت في حدوث شرخ ملحوظ داخل معسكره في الجنوب والشرق، مما أدى إلى تفاقم السخط على حربه التي استمرت لمدة عام، وتكاليفها الباهظة، وافتقارها العام إلى الاتجاه.