نشرت صحيفة “ديلي صباح” التركية مقالًا للمحلل السياسي يحيى بوسطن، سلط خلاله الضوء على مدى قدرة مصر على استعادة حقوقها الاقتصادية في البحر المتوسط.
وقال المقال- الذي ترجمته “الحرية والعدالة”- إن البحر الأبيض المتوسط هو واحد من أهم أحواض العالم، ويمر به ثلث التجارة العالمية عبر المنطقة التي تجمع آسيا وأوروبا وإفريقيا، ويجذب البحر الأبيض المتوسط، الذي أصبح أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية منذ فتح قناة السويس للملاحة، الدول الساحلية واللاعبين العالميين بفضل احتياطياته الهائلة من النفط والغاز الطبيعي، التي تم اكتشافها في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
وأضاف المقال أن عدد القواعد العسكرية في شرق البحر الأبيض المتوسط وحده يدل على أهمية المنطقة، فبريطانيا لها قاعدتان في قبرص، حيث سمحت الإدارة القبرصية اليونانية لفرنسا مؤخرا باستخدام مطاراتها لأغراض عسكرية. في حين أن الولايات المتحدة لديها قاعدة عسكرية في كريت، وتسيطر روسيا على العديد من المنشآت في سوريا، وفي الوقت نفسه، تسعى موسكو إلى أن تصبح أكثر تأثيرا في البحر الأبيض المتوسط من خلال لعب دور أكثر بروزا في ليبيا، كما أن تركيا لديها قاعدة عسكرية في قبرص.
وأوضح الكاتب أن الجاذبية المتزايدة للبحر الأبيض المتوسط شجعت الدول الساحلية على تعيين ولاياتها القضائية البحرية، وتجري جميع الدول تقريبا محادثات دبلوماسية مع جيرانها بشأن تعيين حدود ولاياتها القضائية البحرية، أي المناطق الاقتصادية الخالصة.
وأشار الكاتب إلى أن الاتفاق التركي مع ليبيا في نوفمبر 2019 كان مهما بشكل خاص، وفي الوقت نفسه، ما فتئت اليونان والقبارصة اليونانيون يبرمون اتفاقات مماثلة مع الدول المشاطئة، بيد أن هذه المعاهدات تنطوي على مشاكل كبيرة، ومن المحتمل أن تؤدي إلى تصعيد التوترات على المدى الطويل.
وقد وقع القبارصة اليونانيون اتفاقات مع سوريا ولبنان وإسرائيل ومصر، ووفقا للمصادر، فإن هذه المعاهدات لا تتفق مع السوابق القانونية الدولية وتخدم مصالح القبارصة اليونانيين على حساب الموقعين، موضحا أن الاتفاق بين مصر والإدارة القبرصية اليونانية أفقد مصر بعض أراضيها ذات السيادة في البحر الأبيض المتوسط.
ويوضح علماء القانون البحري الدولي أن تعيين حدود الولاية القضائية البحرية يخضع لعدة معايير وبناء على ذلك، يفرض القانون البحري رسم الحدود البحرية على أساس الأرض واستنادا إلى السوابق القانونية، فإن تأثير الجزر على الحدود البحرية محدود جدا، وفي الوقت نفسه يجب أن يراعي تعيين الحدود مبدأ العدل والإنصاف، ويرسم خط الوسط على أساس السواحل لكل من الطرفين. وبعبارة أخرى، يحق للبلدان ذات السواحل الأطول أن تكون لها مناطق اقتصادية حصرية أكبر.
يبلغ خط الساحل الذي تهتف به الإدارة القبرصية اليونانية على طول البحر الأبيض المتوسط 000 197 ميل بحري، وتسيطر مصر بدورها على 400 ألف ميل بحري من سواحل البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم فإن مصر تتمتع بما يقرب من ضعف ما يحق للقبارصة اليونانيين من التمتع بالولاية البحرية بموجب القانون البحري، ولكن بموجب اتفاقهما الثنائي، قسمت مصر والإدارة القبرصية اليونانية الولاية البحرية بينهما على قدم المساواة، وهذا يعني في الواقع أن ذلك يشكل انتهاكا للمصالح المصرية.
والواقع أن القبارصة اليونانيين اعترفوا بهذه الحقيقة علنا، وعند إبرام المعاهدة أوضح وزير الصناعة والسياحة القبرصي اليوناني نيكوس رولانديس أن ترسيم الحدود البحرية على طول الخط المتوسط إنجاز عظيم بالنسبة لهم، وأعلن أن القبارصة اليونانيين بدأوا في السيطرة أربع مرات لتسيطر على الأراضي التي يستحقونها.
ولا تقتصر خسائر مصر على الأراضي، ولو أبرمت القاهرة اتفاقا مع تركيا، بدلاً من القبارصة اليونانيين، لكان الخط الوسيط قد تم تحديد موقعه شمالاً ولحصلت مصر على 21500 كيلومتر مربع إضافية (8301 ميل مربع) من الولاية القضائية.
وتساءل الكاتب: ألا توجد طريقة لعكس هذا الاتفاق الذي انتهك بوضوح حقوق الشعب المصري بموجب القانون الدولي؟ الجواب بالإيجاب وهناك سوابق قانونية، فعلى سبيل المثال، وقعت اليونان وألبانيا اتفاقا في عام 2009، وشرع برلمانا البلدين في التصديق عليه، إلا أن المحكمة الدستورية في ألبانيا ألغت المعاهدة، مشيرة إلى انتهاك حقوق البلاد بموجب القانون البحري – حيث تم تسليم 225 كلم من الولاية البحرية بشكل غير قانوني إلى اليونان. وبعبارة أخرى، يمكن لمصر، مثل غيرها من البلدان، أن تعلق اتفاقها مع القبارصة اليونانيين وأن تستعيد الولاية البحرية التي يحق للشعب المصري التمتع بها.
هناك أمر آخر: إذا أبرمت مصر اتفاقا مع اليونان، بدلاً من تركيا، فإنها ستخسر 15 ألف كيلومتر مربع إضافية من الولاية البحرية.
رابط المقال: