بين الحيرة والشكوك يعيش الرأي العام المصري لحظات فاصلة على وقع الأزمات الخارجية وأحداثها المتلاحقة، بعدما وجد الإعلام في مصر نفسه مضطرًا وبأمرٍ سيادي للقيام باستدارة سريعة للتعامل مع الأزمة الليبية وحدها، وغض الطرف عن التحدي الإثيوبي للحقوق المصرية المهدرة في مشروع السد.
ليس الإعلام وحده من أُجبر على هذه الاستدارة، حيث أظهرت الساعات الماضية استغلال المؤسسات الدينية في دعم وتأييد خطاب السيسي ضمن حملة التحشيد للتدخل المباشر والمعلن في الصراع العسكري الليبي لدعم قوات حفتر في مواجهة قوات الحكومة الليبية المدعومة شرعيا.
المهندس أحمد مولانا، الباحث في الشئون السياسية والأمنية، قال إن من يتحدث عن الأمن القومي لا بد أن يفرق بين الأمن القومي للدولة والأمن القومي للنظام، مضيفا أنه في الدول الاستبدادية عادة ما يحرص النظام على التماهي مع الدولة ويعتبر نفسه هو الدولة.
وأضاف مولانا، في حواره مع برنامج “قصة اليوم” على قناة “مكملين”، أن النظام العسكري له محددات وثوابت ينطلق منها ويعتبرها تعبر عن أمنه، وتخطى الخطوط الحمراء في هذه القضية يعتبرها تهديدا لوجوده، وهناك قضايا أخرى تهدد الدولة لكنه لا يعتبرها تهديدا للنظام واستقراره، وبالتالي يتعامل معها بنوع من التراخي وعدم الجدية حتى لو كانت تهدد الأمن القومي المصري.
وأوضح أنه من ثوابت الدولة المصرية في القرن العشرين هو عدم السماح للدول الأجنبية بممارسة نشاط عسكري في الداخل المصري، لكن ديفيد كيلك باتريك كشف في 2018 أن الكيان الصهيوني نفذ أكثر من 100 غارة جوية في سيناء على المجموعات المسلحة، واعترف السيسي صراحة بهذا الأمر في عدد من لقاءاته مع الصحف الأجنبية.
وأشار مولانا إلى أن من أهم ثوابت النظام الحالي بقاءه في الحكم، وفي مقابل ذلك قد يسمح للكيان الصهيوني بممارسة عمليات أمنية وعسكرية في سيناء، كما أنه يعتبر تركيا وقطر من الدول المعادية له؛ لموقفها من الانقلاب العسكري في 2013.
بدوره قال الدكتور محمد الصغير، وكيل اللجنة الدينية في برلمان 2012، إن النظام العسكري عندما قام بالانقلاب كان من أحد أبرز اللافتات التي يرفعها أن الإسلاميين وجماعة الإخوان يقحمون الدين في السياسة، ثم فوجئنا بالنظام العسكري يقحم الدين في السياسة وفي كل شيء، ويتمسّح في الدين بكل طريقة وفي كل مناسبة.
وأضاف الصغير- في حواره مع برنامج “قصة اليوم” على قناة “مكملين”- أن المؤسسات الرسمية تسارع في هوى النظام لأنها جزء منه لا ينفك عنه وتأتيهم التعليمات ولا يستطيعون معارضتها، وتساءل: هل تدخُّل الأزهر والإفتاء والكنيسة في هذه الأمور من ناحية سياسية أم من ناحية شرعية؟
وأوضح الصغير أنه إذا كان هذا التدخل من الناحية السياسية فهذا يتعارض مع دور هذه المؤسسات، وإذا كان التدخل من الناحية الدينية فهو مشروع لكن لا بد أن ينطلق من منطلقات الدين من خلال التركيز على أمرين: أولهما أن المشهد الداخلي الليبي يتضمن حكومة شرعية خرج عليها خارج عسكري متمرد، ووفقا لقول الله عز وجل “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله”.
وأشار الصغير إلى أن خليفة حفتر بلغة الشرع خارج على حدود الشريعة والنظام الدولي، لكن المجتمع الدولي يغض الطرف عنه لأنه عسكري ويمثل امتدادا لنظام القذافي، مضيفا أن النظام المصري ارتهن قراره إلى الخارج وأصبح له كفيل، ولم يعد السيسي يدافع عن الأمن القومي المصري بل يدافع عن مشروع محمد بن زايد الذي بدأ يتفكك في ليبيا.
ولفت إلى أن حديث هذه المؤسسات الدينية في الشأن العام والقضايا السياسية الكبرى يلزمها أنه من باب فقه الأولويات والمصالح والمفاسد أن تتحدث عن سد النهضة، وأنه أشد خطرا على المصريين، وأن تصدر دار الإفتاء فتوى بشأن التوقيع على اتفاقية المبادئ التي وقعها السيسي وضيع حقوق مصر التاريخية في مياه النيل.