بعد ضياع النيل.. ماذا تبقى من الأمن القومي للشعب المصري؟

- ‎فيتقارير

وافق مجلس الدواب -النواب سابقًا- خلال جلسة سرية على تفويض السفاح عبدالفتاح السيسي، في اتخاذ جميع الإجراءات للحفاظ على الأمن القومي المصري، وكانت آخر مرة أرسلت فيها مصر قوات برية إلى الخارج للقتال عام 1991 في الكويت، في إطار تحالف قادته الولايات المتحدة لطرد القوات العراقية.

تدخل السفيه السيسي عسكريا في ليبيا لا يهدف إلى حفظ الأمن القومي المصري، إنما يهدف إلى حفظ عصابة الانقلاب بمصر، وتشير مناورات حسم الأخيرة التي كانت أشبه بمحاكاة الحرب على استعداد بل ورغبة السفيه السيسي إلى جرّ المصريين إلى المستنقع الليبي.

وتدعم عصابة الانقلاب بمصر ودول عربية أخرى وغربية مليشيات الجنرال الإرهابي خليفة حفتر، الذي ينازع الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا على الشرعية والسلطة في البلد الغني بالنفط.

الجنرال الإرهابي
ويتأهب الجيش الليبي لتحرير مدينة سرت والتي تبعد نحو450 كم شرق العاصمة طرابلس من مليشيا حفتر، بعد أن تمكن من تطهير كامل المنطقة الغربية تقريبًا من هذه المليشيا ومرتزقة أفارقة وروس وعرب يقاتلون بجانبها.
وفي الوقت الذي شهدت فيه الأيام الماضية، تصعيدا متبادلا بين جنرالات القاهرة وحكومة أنقرة، بشأن الموضوع الليبي، تتزايد التكهنات باقتراب معركة وشيكة، حول منطقتي سرت والجفرة الليبيتين، اللتين ما تزالان تحت سيطرة قوات شرق ليبيا، التي يتزعمها الجنرال الإرهابي خليفة حفتر.

وعلى عكس الوضع حين كانت مليشيات الإرهابي حفتر تستولي على مدن ليبية، تتصاعد تحركات وضغوط لوقف القتال واستئناف العملية السياسية، في ظل تحقيق الجيش الليبي سلسلة انتصارات، وأعلن برلمان الدواب بمصر في بيان أنه وافق: "بإجماع آراء النواب الحاضرين على إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية للدفاع عن الأمن القومي المصري في الاتجاه الإستراتيجي الغربي ضد أعمال المليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية"، على حد قوله.

وصوّت مجلس الدواب الذي يشكل مؤيدو السفاح عبد الفتاح السيسي أغلبيته الساحقة على هذا القرار في جلسة مغلقة، ناقش الدواب فيها "التهديدات التي تواجهها الدولة" من الجهة الغربية.

وبينما تتوارد أنباء عن حشد حكومة الوفاق الوطني الليبية، لمئات من قوات الجيش حول سرت، استعدادا لمعركة حاسمة، لاستعادة السيطرة عليها من ميلشيات الإرهابي حفتر، تشير أنباء أخرى إلى استعدادات متواصلة في صفوف ميلشيات حفتر، في ظل حديث عن إمدادات عسكرية إماراتية ومصرية له، وطائرات روسية هبطت في سرت خلال الأيام الماضية.

ويتفق كثير من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، على أن معركة سرت في حال وقوعها، لن تكون مجرد معركة، بين كل من قوات حكومة الوفاق الليبية في طرابلس من جانب، وقوات الجنرال الإرهابي حفتر من جانب آخر، لكنها ستكون مواجهة عسكرية بين كل من جنرالات الانقلاب بالقاهرة وتركيا.

سرت والجفرة
جنرالات الانقلاب بمصر يرون نيابة عن حلفائهم الإمارات والسعودية والصهاينة أن الوضع في ليبيا يمثل تهديدا لأمنهم القومي، وقد أكدت عصابة الانقلاب على لسان سفيهها السيسي قبل ذلك، على أن كلا من سرت والجفرة الليبيتين، تمثلان خطا أحمر بالنسبة لمصر.
أما تركيا فترى أنها تدعم حكومة ليبيا الشرعية، وتساعدها على بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي، وتعتبر أن السفيه السيسي يدعم طرفا غير مشروع، من وجهة نظر المجتمع الدولي في ليبيا.

وتتسارع التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بالأزمة الليبية، وسط ترقب شديد لمآلات الوضع في سرت والجفرة، بعد تأكيد قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا أن اقتحام سرت "أمر محسوم وقريب جدا".
وحذر السفيه السيسي في 20 يونيو الماضي من أن تقدم قوات الوفاق المدعومة من تركيا نحو الشرق الليبي سيدفع مصر إلى التدخل العسكري المباشر في ليبيا، وهو ما اعتبرته حكومة الوفاق "إعلان حرب".

اعتبر الرئيس السابق للجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان 2012، رضا فهمي، أن "تحركات السيسي لا تهدف أبدا للحفاظ على وحدة ليبيا وإنما على اقتسام جزء من الأراضي الليبية، خاصة المنطقة الغنية بالنفط في المنطقة الشرقية".
لكنه أكد أن "السيسي يتوهم أن دخول ليبيا من السهولة بمكان، ولكن واقع الأمر غير ذلك، فالأزمة الليبية تشعباتها لا تقف عند مصر وحدها، ولا عند دولة أخرى بعينها، إنما تمتد لأطراف دولية كبرى مهيمنة ومسيرة، ولا تُحسم الأمور بغيرها".

وتوقع فهمي أن "يحاول السيسي لفت انتباه الداخل عن الأزمات المتتالية التي تعصف بالمصريين نتيجة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتي أضرت بملايين المواطنين، ومحاولة إسكات أي صوت يتحدث في اتجاه غير الوقوف وراء الدولة والجيش في الحرب ضد تهديدات الأمن القومي المصري، إضافة إلى أزمة سد النهضة التي وضعت النظام في موقف محرج".

وفي كلمة متلفزة أمام قادة وجنود عسكريين بمنطقة متاخمة للحدود مع ليبيا في 20 يونيو الماضي، ألمح السفيه السيسي إلى احتمال تنفيذ الجيش المصري "مهام عسكرية خارجية إذا تطلب الأمر ذلك"، معتبرًا أن أي "تدخل مباشر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية".

ويأتي تفويض برلمان الدواب بعد يوم من عقد السفيه السيسي اجتماعًا بمجلس الدفاع الوطني وهو أعلى هيئة معنية بشؤون الدفاع، لبحث الأوضاع في ليبيا.
كما يأتي عشية قمة إفريقية مصغرة حول ملف سد "النهضة" الإثيوبي، في ظل تعثر المفاوضات بشأن السد، الذي تسببت عصابة الانقلاب بمصر على انخفاض تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل.

التهديد الحقيقي
في المقابل، أكد "التحالف الوطني لدعم شرعية الشعب المصري ورفض الانقلاب"، رفضه إقحام السفيه السيسي "الجيش المصري في الوضع الليبي"، مطالبا "الجيش المصري بأن يعرف دوره ووظيفته في حماية حدود البلاد وأمنها القومي، لا في قهر الشعوب والتسلط عليها واغتيال ثوراتها، ويدعوه إن كانت به نخوة ووطنية إلى التوجه بغضبه وزمجرته إلى الجنوب، حيث يُخنق النيل العظيم من منابعه، فهناك التهديد الحقيقي لأمن مصر ولحياة شعبها".

ووفق بيان التحالف: "لم يكتف بهذه الجريمة الشنيعة حتى راح يدُسّ أنفه الدخيل في الشأن الليبي، ويُقحم جيشنا في معارك لا ناقة لنا فيها ولا جمل؛ ليموت الجنود والضباط من أبناء هذا الشعب بلا دِية ولا ثمن، وليتحمل هذا الشعب المثقل بالهموم أعباءَ تنوء بحملها الجبال".
وبيّن أن: "ما يقوم به الانقلابي عبد الفتاح السيسي ليس إلا دعما لانقلابي مثله، ولا علاقة له بحماية الأمن القومي لمصر كما يدعي، وأن الشعب المصري لا يُقدّم أبناءه وقودا للثورة المضادة، ولا حطبا يحترق في نار الفتنة التي يشعلها السيسي وحفتر وأمثالهما من جنرالات العمالة والنذالة".

وواصل: "إذا كنّا مع شعبنا المصري ندعم الشرعية ونرفض الانقلاب؛ فإن المبدأ لا يتجزأ؛ لذلك، ومن هذا المنطلق، ندين ونشجب خروج حفتر وانقلابه على حكومة الوفاق الشرعية المعترف بشرعيتها دوليا، ونرفض أن يستثمر السيسي جيش مصر وجنودها في اغتيال أحلام الشعوب ووأد ثوراتها، ولا نرضى أن يقتتل المسلمون من مصريين وليبيين ويخسرون آخرتهم ودنياهم من أجل أحقاد حفنة من الأوغاد".

كيف خان؟
ودعا التحالف في بيانه الجيش المصري لأن: "يعرف دوره ووظيفته في حماية حدود البلاد وأمنها القومي، لا في قهر الشعوب والتسلط عليها واغتيال ثوراتها، ويدعوه إن كانت به نخوة ووطنية إلى التوجه بغضبه وزمجرته إلى الجنوب، حيث يُخنق النيل العظيم من منابعه؛ فهناك التهديد الحقيقي لأمن مصر ولحياة شعبها".

وتوجه التحالف ببيان آخر للشعب المصري بالقول: "أين أنت من نيلك الكريم؟ أين أنت مما يُحاك له؟ ألم تر إلى السيسي كيف خان وكيف تآمر على مصدر عزك ومنبع رزقك ومعْقد سُؤددك ومجدك، وكيف ضيع وبدَّد حقك وحق الأجيال المصرية القادمة كلها؟".
وتابع: "أخطر ما قام به هذا الدخيل العميل هو تلك الاتفاقية التي وقع عليها بكامل إرادته ووعيه، تلك المسماة باتفاقية إعلان المبادئ عام 2015، والتي أعطت الحق لإثيوبيا للاستمرار في بناء السد والاستدرار للدعم والقروض من كل حدب وصوب، وألغت حق مصر في الاعتراض والمطالبة بوقف البناء أو عرقلة العمل فيه".

وأكد أن: "من حق الشعب المصري ومن واجبه كذلك أن يوقف هذه المهزلة، لا نعترف بهذا الهراء كله، على السيسي أن يرحل؛ فهو ليس كفوءا لهذا البلد ولا لائقا بهذا الشعب، وعلى إثيوبيا أن تلزم حدّها وتكف عن عبثها وتلاعبها بمصير الشعب المصري، فليس هذا الشعب بالذي يصبر على ضيم يراد به ويفرض عليه، وليس النيل بالشيء الذي يمكن أن نفرط فيه أو نتهاون بشأنه".