عنصرية البوركيني.. أعراض كارثية لمجتمع يعاني من فاشية العسكر

- ‎فيتقارير

العنصرية ضد نساء البوركيني هو امتداد لعنصرية وطبقية مقيتة أسس لها الانقلاب العسكري، ورسخها من خلال تعميق الانقسام المجتمعي بين مكونات الشعب المصري، وتنفجر الأزمة بعيدا عن الحلال والحرام حتى أنها أصبحت في الظواهر السلبية والأعراض الكارثية؛ لمجتمع يعاني من أمراض خلفها الحكم العسكري.

يكفينا أن نشاهد الأفلام التي أنتجتها سينما العسكر في السبعينيات والثمانينات؛ لنرى أشكالا كثيرة من العنصرية ضد المحجبات وغير المحجبات، صراع يدل على الفشل في بناء الدولة الحديثة، وتغوّل قبيلة العسكر.

شكله وحش
وفى إحدى قرى الساحل الشمالي وقعت أزمة بين نزلاء الشاليهات، اعتراضا من البعض على نزول سيدة من إحدى الملاك، لحمام السباحة، بالمايوه الشرعى، تسببت فى وصول الخلاف إلى الأمن، بزعم أن المايوه الشرعى "شكله وحش"!

وقال الدكتور هاني الناظر رئيس مركز القومي للبحوث، إن ارتداء المايوه الشرعي أو البوركينى، لا يؤدي إلى الإصابة بالأمراض الجلدية مثلما يقال من قبل البعض، وذلك تعقيبًا على واقعة منع فتاة من النزول لحمام السباحة لارتدائها البوركيني.

وأكدت السباحة سهير فرج صاحبة أول أكاديمية تعليم سباحة للسيدات فقط بمصر أن المايوه البوركيني ليس من الملابس الممنوعة في السباحة ولا توجد أي قوانين أو قاعدة أن البوركيني ممنوع في المسبح.
وأشارت سهير إلى أن بداية ظهور البوركيني كان في فرنسا وأستراليا منذ 2004 وذلك لإعطاء الحرية للمحجبة في ارتداء ملابس سباحة مناسبة لها وليس لسلب الحرية منها كما نرى الآن.

ويرى مراقبون أن الانقسام المجتمعي حول البوركيني هو امتداد للعنصرية والفاشية التي أرساها العسكر بمصر، ومنها قول المطبلاتي أحمد موسى إن: "الإخوان لا يجب أن نعالجهم من كورونا.. لا هم ولا عائلاتهم.. هؤلاء ليسوا بشرا بل كلاب وحيوانات"، هكذا طالب أحد أبواق إعلام الانقلاب!

وقال "موسى"، خلال برنامجه "على مسئوليتي" بفضائية "صدى البلد": "المواطن الشريف بس اللي يتعالج، إنما الإخواني بعالجك وأعاملك كبني آدم، وإنت مش بني آدم"، وأضاف: "الإخوان لا يستحقون أن يعيشوا في مصر، ولا يستحقون أن يتعالجوا من فيروس كورونا، لما فعلوه من تخريب في البلد"!!

الطغمة العسكرية
وابتليت المنطقة العربية بالفاشية العسكرية، التي سطت واغتصبت الحكم في عدة بلدان عربية قبل عقود، والكارثة التي لا تخفى على كل بصير هي أسلوب الحكم الفاشي والقمعي، الذي يتبعه الحكام العسكريون منذ اعتلائهم العروش، واعتلائهم رقاب وظهور شعوبهم وقهرهم، والنموذج الأوضح والأقبح في مصر وسوريا.

في مصر صنعت الطغمة العسكرية مع مرور الوقت حول نفسها هالة من القدسية الدينية، فصارت الجيوش وقادتها محاطين بهالة دينية، وتابوهات شرعية مصطنعة ومفتعلة وكاذبة، عبر وسائل إعلام مأجورة تتحرك بتعليمات الشؤون المعنوية ومديري مكاتب القادة العسكريين.
وبالاستعانة بمشايخ وعمائم السلطة الذين تفننوا عبر عقود في فرض هذه الهالة المقدسة المزعومة، بتوظيف أو ليّ أعناق الأدلة الشرعة لترويج الحديث الضعيف "خير أجناد الأرض" الذي حكم عليه علماء الحديث بأنه باطل أو لا أصل له، واقتصرت الأحاديث الصحيحة على التوصية بأهل مصر وقبط مصر وعدم ظلمهم أو الجور عليهم.

ترويج الحديث الضعيف "خير أجناد الأرض" كان لتجريم ولتحريم انتقاد أو مجرد الاختلاف مع قادة العسكر، وإلصاق تهم الخيانة والعمالة بمن ينتقد أو حتى يختلف مع هؤلاء القادة، وتطور الأمر إلى ما يشبه الثيوقراطية، لكنها ليست دينية، بل عسكرية.

استراتيجية العسكر في السيطرة على الحكم واحدة، وتعتمد على خلق الضرورة لوجودهم في السلطة، من خلال صناعة أحداث تهدد استقرار البلاد وأمن الناس، وهذا يفسر عدم مرور مصر بفترة استقرار أمني واقتصادي طوال حكم العسكر، فلو حدث هذا الاستقرار زال المبرر لوجود حكم العسكر.
ولهذا إن لم يكن هناك مخاطر طبيعية لتبرير وجود العسكر واستمرارهم في الحكم؛ فمن الطبيعي أن يلجأ أصحاب المصلحة من الجنرالات إلى تخليق مخاطر صناعية، حتى لو راح ضحيتها الآلاف من المصريين.

تكفير المدنيين
حكم العسكر لا يعترف بأدوات الديمقراطية، ويكره الوعي السياسي والمشاركة الجماهيرية، ويعتمد على قيادة البلاد بمنطق القائد والتابع وتقديس الأوامر، واعتبار الحاكم إلها ومعارضته دربا من دروب الكفر.!

وبعد ثورة 25 يناير في 2011، استطاع النظام العسكري من خلال اللعب بطريقته التقليدية ذاتها، أن يستوعب الحركات المدنية وتطويعها والتآمر عليها، ثم القضاء عليها، مستندًا في الأساس على العقدة القديمة الراسخة في جذور المجتمع، التي تدور حول اليقين بأن القوى الوحيدة القادرة على التغيير والإدارة وتوفير الأمن والأمان هم العسكر، حتى لو انتقصوا من مساحة الحرية والعدالة الاجتماعية..!
لتصبح الأزمة في مصر ليست أزمة الضعف أو الانهيار أمام الفاشية والطغيان وقوى البطش، بقدر ما هي أزمة وعي شعبي ومفاهيم فاسدة خاطئة متقيحة ضاربة في جذور المجتمع يجب علاجه منها والقضاء عليها من خلال خطوة أولية وهى مواجهة الأوهام الأسطورية المؤسسة للنظرية العسكرية، ووضعها في مكانها الطبيعي ضمن مؤسسات الدولة وليس في مقدمتها.

في حقبة حكم جنرال الستينيات تعرضت الجماعات السياسية في مصر لحملات اعتقال وتعذيب بشعة وخاصة الشيوعيين والإخوان المسلمين، وكانت معظمها حملات موسعة تشمل حتى المتعاطفين مع هذه الجماعات، وكان من نتائج ذلك هو اعتقال العديد ممن ليس لهم علاقة بالعمل السياسي أصلا، دون الاهتمام بالتحريات والمعلومات، وحدث أن تعرض أحد المسيحيين، بسبب أو بغير سبب، للاعتقال وضمه لصفوف الإخوان المسلمين، وممارسة أبشع أنواع التعذيب عليه للاعتراف بانتمائه لجماعة الإخوان وموقعة التنظيمي.
صمد الرجل رافضا الكلام إلا أمام وكيل النيابة، وكاد يفقد حياته، وأمام وكيل النيابة فجر المفاجأة بأنه مسيحي ولا يمكن أن يكون عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وبدلا من أن يطلق وكيل النيابة سراحه، أمر بضمه إلى إحدى القضايا الشيوعية، ولم يهتم وكيل النيابة ولا رجال الشرطة والنظام بمنطقية الأحداث بقدر ما كان غرضهم خلق حالة من التوتر والانكسار والخوف تسهل مهمة الحكم والحاكم وتمكينه من السيطرة دون معارضة تذكر.

وما أن انقلب الجنرال السفيه السيسي على سلفه ورئيسه حتى ظهرت خيوط النصر المؤقت للثورة المضادة في العالم العربي وما هي إلا فترة وجيزة حتى بدأ المال الخليجي والسعودي يتدفق على نظام الجنرال المنتشئ بالنصر العسكري الأول في حياته وهذا النصر ليس على الأعداء لا بل على الشعب المصري الذي أشعل ثورة 25 يناير2011 من أجل التخلص من دكتاتور.

وإذ به بعد فترة وجيزه يقبع في قفص دكتاتور آخر، مُحاط بقوة عسكرية وآلة إعلامية فاقدة لكل المعايير الإعلامية والوطنية والأخلاقية، لا بل إنها آلة إعلامية تضليلية وتدميرية، فاقت في كذبها وفُجرها أضعاف الأضعاف آلة إعلام المخلوع حسني مبارك.

ولا يجب أن تكون إخوانيا حتى تكون مع الحق ضد الباطل، أو في عملية تقييم نظام عسكري فاشي بدأ بدموية رابعة العدوية، واستمر في قمع كل حركة سياسية معارضة له، وأحرق بالدبابات والطائرات قرى مصرية في سيناء، ومن ثم ارتكب ويرتكب جريمة هدم مدينة رفح التاريخية والمصرية، بحجة الأمن ومحاربة الإرهاب.
وعن حصار قطاع غزة وإغلاق معبر رفح فحدث بلا حرج، والمخزي في الأمر أن آلة إعلامية فاشية وفاجرة تقوم بتبرير وتمرير جرائم السفيه السيسي بحق الشعب المصري.

أول هذه الجرائم هو العدوان الفاشي المتواصل على جماعة الإخوان المسلمين، وحبس واعتقال وقتل وتشريد الآلاف المؤلفة من هذه الجماعة المصرية الموجودة على الساحة السياسية المصرية منذ عقود من الزمن.

وأيا كان النقد الموجه لجماعة الإخوان؛ فهذا لا يشرعن بأي حال من الأحوال وجود نظام عسكري فاشي كبديل للديمقراطية، ولا يعطي بأي حال من الأحوال شرعيه قانونية لجنرال مغتصب للسلطة في مصر.

الجاري في مصر منذ انقلاب 30 يونيو 2013، هو تشكُل وتطور كلاسيكي لنظام عسكري قمعي وفاشي، يختبئ داخل لباس مدني ويسوق نفسه في خطاب ديماغوغي كمنقذ لمصر من جماعة الإخوان، وهي بالمناسبة ليست جماعة إرهابية، كما يسوقها إعلام السفيه السيسي وحليفه السعودي والإماراتي.