نفس مخطط الانقلاب بمصر يجري الآن بتونس.. ثورتكم في خطر

- ‎فيتقارير

ربما لا تكفي تهديدات الرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارته لإحدى الثكنات العسكرية ومقر وزارة الداخلية، مَن وصفهم بالعملاء والمتآمرين على تونس لإدخالها في الفوضى، كما لا تكفي رسائل التخدير التي تم تجربتها في مصر وأحرقت الثورة، والقول بجاهزية الجيش لأي محاولة للانقلاب على الشرعية.

تصريحات رئيس الجمهورية التي تتزامن بحسب مراقبين مع وضع سياسي متأزم ودعوات للانقلاب على الشرعية البرلمانية تقوده رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، لم تزد التونسيين إلا حيرة حول ما يحاك لتونس وللتجربة الديمقراطية برمتها، في ظل اتهامات صريحة من قيادات سياسية وحزبية لقوى خارجية تتزعمها الإمارات بتدبير مخطط لبث الفوضى عبر أذرعها السياسية والإعلامية.

تقول الناشطة السياسية التونسية أميرة سيادي: "لم أصوّت يوما لحركة النهضة التونسية عندهم جمهورهم وأصواتهم ليسوا في حاجة لي.. لكني وفي إعدادي لرسالة تخرجي قابلت الشيخ راشد.. رجل رصين كما وصفه أبي لي، سياسي محنك وشيخ مُلمّ بالتاريخ وما فيه، اليوم أسانده ضد سرطان تونس عبير موسى".

السرطان
وبات حديث التونسيين هذه الأيام، عن "حملة إعلامية سيساوية إماراتية ممنهجة ومكشوفة لبث الفتنة والفوضى" بتونس تستهدف أساسا البرلمان، مع دعوات للانقلاب وحل البرلمان، والزج بقيادات حركة النهضة بالسجن واعتبارها "تنظيما إخوانيا إرهابيا".

إعادة الانتخابات وإسقاط الحكومة باتت مطالب اعلام السفيه السيسي خادم الإمارات المناهض للثورة التونسية؛ تحريض على الفوضى وتمرير تقارير على كامل اليوم تدعو إلى التفرقة تحت مسمى "حراك 14 يونيو".

وتجسد "عبير موسى" النسخة الأكثر قذارة من القاضية المصرية "تهاني الجبالي" وقاحة الفلول في تونس، حيث كانت أنظار التونسيين موجهة لمجلس نواب الشعب، فقد كانت الجلسة العامة للبرلمان مخصصة لانتخاب بقية أعضاء المحكمة الدستورية، التي طال انتظارها وأجلت الخلافات السياسية ولادتها وهي التي كان من المفروض أن تبدأ أعمالها منذ سنوات.

تسمّر التونسيون أمام التليفزيون لمتابعة أطوار الجلسة الحدث وقدم النواب للقيام بواجبهم لاختيار أعضاء المحكمة الثلاث الموكل للبرلمان انتخابهم، لكن حدث ما كان متوقعًا، فقد اعتلى نواب "الدستوري الحر" تقودهم عبير موسى المنصة المخصصة لرئيس البرلمان ونائبيه، لمنع انعقاد الجلسة العامة.

مُنع رئيس البرلمان راشد الغنوشي من إلقاء كلمته الافتتاحية، وأمام تواصل احتلال المنصة المخصصة للرئيس رُفعت الجلسة إلى موعد لاحق، فخسر التونسيون مجددًا فرصة أخرى لاستكمال تشكيل المحكمة الدستورية التي تعتبر بمثابة الثغرة الكبيرة التي تشوب المسار الديمقراطي وتمسّ نجاح التجربة السياسية في البلاد.

هذا التعطيل لأعمال البرلمان الذي تسببت فيه سليلة نظام بن علي الديكتاتوري عبير موسى، ليس الأول من نوعه، فمنذ أول جلسة للبرلمان التي خصّصت لانتخاب رئيس له، بدأ التعطيل حيث رفضت عبير موسى حينها أداء اليمين الدستورية بشكل جماعي.

تكرر التعطيل مرات أخرى، ففي كلّ جلسة تختلق عبير موسى التي كانت تشغل منصب أمين عام مساعد لحزب التجمع المنحل (حزب بن علي) قبل الثورة مشكلة وتبدأ بالصياح، إلى أن وصل بها الأمر حدّ الاعتصام بمقر مجلس النواب، معتبرة أن الدولة التونسية افتكت منهم والمؤسسات التونسية اغتصبت، على حد تعبيرها.

وتمتهن عبير موسى سب وشتم رئيس البرلمان راشد الغنوشي ونواب كتلة حركة النهضة بالبرلمان، فضلًا عن نواب كتلة ائتلاف الكرامة التي يقودها المحامي سيف الدين مخلوف، كما طالت شتائمها أعضاء في الكتلة الديمقراطية وكتلة حزب قلب تونس.

وترى الباحثة، وأستاذة علوم الإعلام والاتصال، بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس، إيمان الهنشيري أن "الإمارات تسعى إلى رسم خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة هدفها إعادة التموضع وبناء مصالح مغايرة عبر سلطة الإعلام، متجاوزة حدود اليمن وإيران وقطر وليبيا لتصل إلى تونس، صراع تجسد في محاولة التدخل في استقرار البلاد ومسار بناء ديمقراطيتها الناشئة عبر إعلام موجه ومدعوم إماراتيا".

وأضافت الباحثة: "في تونس مثلا صرنا اليوم أمام ما بات يعرف بإعلام القطيع الممول إماراتيا، الذي يحرّض على الفوضى والتظاهر، مستعينا بما أسماه الإعلام المصري مؤخرا بأخونة الدولة والثورة على النظام، وغيرها من الشعارات الإعلامية المغرضة والحملات العدائية التي تكشف تدخلا واضحا في قضايا الشأن الوطني التونسي بطريقة متهورة وسافرة".

ولفتت الهنشيري إلى أن المتابع للإعلام الإماراتي "يلاحظ حشدا وتهويلا كبيرين، عند الحديث عن مسألة نجاح تجربة الحكم في تونس، حتى وإن كانت نسبية لتحول زاوية النظر، من حكم يتحسس أبجديات الديمقراطية، إلى زاوية نظر أخرى مغايرة تدعو إلى ضرب نتائج الصندوق وتغيير الحكم في تونس وانقلاب وشيك وإسقاط الحكومة ولوائح في البرلمان".

وقالت إن الحملة، تريد تصنيف حركة الإخوان "حركة إرهابية بتناول إعلامي يرصد المتناقضات دون التركيز مثلا على نجاحات القطاع الصحي، في مواجهة جائحة كورونا، أو ما حققته البلاد في مجال الحريات الخاصة والعامة.

ولفتت إلى أنه "لا يمكن غض الطرف عن الوثيقة المسربة، التي كشفت في السنوات الماضية، والمنسوبة إلى مركز الإمارات للسياسات، تحت عنوان (الاستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس)، لخلق بيئة موالية لها وتعزيز نفوذها، ليس فقط بدعم شخصيات سياسية تونسية وإنما أيضا بصنع إعلام خارجي وداخلي موال لسياسات الإمارات وتوجهاتها، وهو ما جعل منها مشتبها به في محاولة التأثير على مسار الانتقال الديمقراطي في تونس".

ورأت الهنشيري أن "المطمئن في الأمر هو أن المواطن التونسي والتركيبة المجتمعية، تتميز عن غيرها من الشعوب العربية الأخرى برغبة جامحة نحو الاستقرار، ورفض أشكال التقسيم والفتن، ومجرد المراهنة على وتر التفرقة والانقسامات، هو كمثل من يقف في الجهة الخطأ لأن تونس بشعبها ومجتمعها المدني وأحزابها وتشريعاتها، ستكون أول ديمقراطية ناشئة في المنطقة العربية، وهي منارة لبداية رحلة جديدة".

تهاني الجبالي
وتتسم عبير موسى بكونها شخصية أقرب لنموذج "تهاني الجبالي" نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق في مصر، وهى أبعد ما تكون عن نماذج التيار العلماني النخبوية على غرار الرئيس السابق قايد السبسي ورئيس الحكومة السابق يوسف شاهد.

وهي لا تكتفي برفضها للربيع التونسي وإعلان تأييدها للمخلوع الراحل علي زين العابدين على استبداده، بل تهاجم الرئيس الراحل قايد السبسي، أبرز الرموز العلمانية في تونس، لأنه لم يطح بالربيع التونسي، وكأنها تريد العودة للاستبداد، فهي لا تريد هزيمة الإسلاميين عبر صندوق الانتخابات، بل عبر القتل والدم والمجازر، كما حدث في مصر.

والنائبة عبير موسى هي محامية من مواليد العام 1975، وهي رئيسة الحزب الدستوري الحر الذي يستحوذ على كتلة صغيرة داخل البرلمان، وهو الحزب الذي يضم عدداً من أنصار المخلوع زين العابدين بن علي الذي حكم تونس بالحديد والنار، حتى تمت الإطاحة به بواسطة الثورة الشعبية عام 2011.

وعبير موسى كانت من أبرز مناهضي ثورة الياسمين التي قام بها الشعب التونسي في العام 2011، وكانت تقود منذ ذلك التاريخ حراكاً مناهضاً للثورة، ومؤيداً لبقاء المخلوع زين العابدين بن علي في السلطة.

وهناك فيديو مسجل يعود إلى الأيام الأولى من ثورة 2011، تظهر فيه موسى وهي تقود مظاهرة نسائية تهتف لابن علي وترفع صوره، حيث تهتف السيدات: (التجمع حزبنا.. ابن علي رئيسنا) والعديد من الهتافات الأخرى التي تمجد بن علي وتدعو لبقاء نظامه.