رغم إعلان إثيوبيا التحدى ورفضها لكل مطالب دولتى المصب مصر والسودان وانتهائها من المرحلة الأولى لملء خزانات سد النهضة، شارك نظام الانقلاب بقيادة عبد الفتاح السيسي اليوم فى جولة مفاوضات جديدة حول سد النهضة بعد فشل جولات سابقة، في حين شهدت إثيوبيا احتفالات وتبرعات بمليارات الدولارات لهذا المشروع العملاق على نهر النيل الأزرق.
الخبراء انتقدوا مشاركة نظام الانقلاب فى المفاوضات رغم فشله فى تحقيق أى نتيجة طوال عشر سنوات وتلاعب إثيوبيا بمسئولى الانقلاب من أجل تضييع الوقت واستنزاف الجهود حتى اتمام بناء السد وملأه وتشغيله.
وطالب الخبراء نظام الانقلاب الدموى بتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة حفاظا على حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل وإنقاذ الشعب المصرى من العطش وتبوير ملايين الأفدنة من الأراضى الزراعية. وقالوا ان نظام العسكر مشغول بمحاربة التيار الإسلامى إرضاء لأمريكا ولضمان بقائه على الكرسى أطول فترة ممكنة، مشيرين إلى أن هذا التوجه تسبب فى ضياع ثروات مصر وأراضيها وحقوقها سواء لصالح الصهاينة عبر صفقة القرن أو السعودية كما حدث فى التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير والآن لصالح إثيوبيا من خلال سد النهضة.
مفاوضات ثلاثية
كانت وزارة الري بحكومة الانقلاب قد أعلنت في بيان لها الأحد، عن جولة مفاوضات ثلاثية جديدة بمشاركة وزراء الري والمياه في الدول الثلاث برعاية الاتحاد الإفريقي، الذي رعى مؤخرا قمة إثيوبية مصرية سودانية لم تسفر عن أي تقدم باتجاه حل الأزمة، في ظل رفض أديس أبابا التوقيع على اتفاق ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة.
وقال البيان إن الجولة ستستمر لمدة أسبوعين، وتبحث التوافق حول نقاط قانونية عالقة، والتوصل إلى تفاق ملزم حول قواعد تعبئة وتشغيل سد النهضة وفق تعبيره. وأشار إلى أن اللقاء يعقد عن بعد بمشاركة وزراء الري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا مع مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
مظاهرات واحتفالات
فى المقابل أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 22 يوليو الماضي اكتمال أول عملية ملء لخزان السد بفعل الأمطار. وعقب الإعلان خرجت مظاهرات حاشدة في جميع مدن إثيوبيا احتفالا بتدشين الحملة الشعبية لدعم السد وجمع التبرعات.
وقالت وكالة أسوشيتد برس إن عشرات الآلاف جابوا شوارع العاصمة أديس أبابا حاملين الأعلام الوطنية ولافتات تشيد بمشروع السد الذي تبلغ كلفته 4.6 مليارات دولار، ويأمل المسئولون الإثيوبيون أن يصل إلى كامل قدرته على توليد الطاقة الكهربائية عام 2023.
وأسفرت حملة التبرعات داخل إثيوبيا وخارجها لدعم مشروع السد عبر السندات والهبات عن جمع أكثر من 3.7 مليارات دولار.
واعتبر دمقي مكونن، نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، أن المرحلة الأولى من ملء سد النهضة بداية لتجسيد فعلي لأحد مشاريع إثيوبيا القومية. وأكد مكونن خلال حفل إطلاق الحملة الوطنية الكبرى لجمع التبرعات لسد النهضة إصرار أديس ابابا على استكمال تشييد سد النهضة مهما كانت التحديات.
إعلان حرب
واعتبر الدكتور أيمن شبانة، مدير مركز البحوث الإفريقية بجامعة القاهرة، أن إقدام أديس أبابا على ملء السد بمثابة إعلان الحرب على مصر لأنه سبب في تهديد حياة المصريين.
وقال شبانة فى تصريحات صحفية: إن كل البدائل يجب أن تكون مفتوحة أمام مصر بدءا من البدائل السلمية حتى البدائل القسرية الإكراهية ومنها الحرب وتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة.
من جانبه دعا الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، مصر والسودان إلى الاستعداد لحرب ضروس لتدمير كل السدود الإثيوبية على روافد النيل بدءا من السد الحالي لحماية حياة شعوبهما من الموت عطشا. وقال نور الدين فى تدوينة عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": أرى أنه لا أمل في أي اتفاق مع إثيوبيا حول احترام حقوق مصر والسودان من مياه النيل سواء من السد الحالي أو السدود القادمة، مشيرا إلى أن إثيوبيا أخذت قرارًا بحرمان مصر والسودان تماما من مياه النيل الازرق عبر أربعة سدود متتالية وضعتها على موقع وزارة المياه والطاقة الإثيوبية.
وأضاف: ليس أمام مصر والسودان إلا الاستعداد لحرب ضروس لتدمير كل السدود الإثيوبية على روافد النيل بدءًا من السد الحالي لحماية حياه شعوبها من الموت عطشا.
وأكد نور الدين أن الحرب قادمة لا محالة.. وعلينا التخطيط والاستعداد لها من الآن، لافتا إلى أن الكراهية وانعدام الإنسانية الإثيوبية فوق الاحتمال، خاصة من بلد عنده وفرة مائية تطمع في القليل من المياه الذي يذهب لبلدان الشح المائي.
وقال الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن لحظة مواجهة الحقيقة حانت لكل الأطراف المهتمة بأزمة سد النهضة، مشيرا إلى أن هذه الحقيقة كانت واضحة لبعض من تابعوا سلسلة الجهود للوصول إلى حل عادل ومنصف للنزاع حول مشروع بناء السد.
وأكد السيد فى تصريحات صحفية أن الحكومة الإثيوبية ليست على استعداد للتنازل عن موقفها المبدئى وهو أن بناء السد قضية إثيوبية، وأنه لن يعود بضرر جسيم على أى من السودان ومصر، وأن الخلاف حوله هو مجرد خلاف فنى لا يستدعى تدخل مؤسسات سياسية فى أى من الدول الثلاث، ولا أى أطراف خارجية.
وأضاف: مع وضوح هذه الحقيقة ما زال البعض يتعلل بأن من شأن الحوارات أن تقنع الحكومة الإثيوبية بعدالة مطالب الدولتين الأخريين، أو أن مشاركة أطراف أخرى كقوى أو مؤسسات إقليمية أو دولية يمكن أن تكون أكثر فعالية فى الوصول إلى هذا الهدف.
وأشار السيد إلى أن عرض قضية سد النهضة على مجلس الأمن لم ينته إلى أى قرار كما استمر التعثر فى جهود الاتحاد الإفريقى وهو ما يوحى بأن الدول الثلاث قاربت على استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية فى مناقشة هذا النزاع. وأعرب عن أسفه لأن البعض فى مصر يفترض أن لحظة مواجهة الحقيقة لم تحن بعد ويتمسك بوهم إمكان التوصل إلى حل مرض لكل الأطراف من خلال خطوات دبلوماسية أو قانونية، كأن يعقد مجلس الأمن اجتماعا آخر بعد فشل جهود الاتحاد الإفريقى أو بنقل القضية للتحكيم الدولى أو أمام محكمة العدل الدولية.
وحذر السيد من أن علاقات الدول لا تحكمها الأخلاق ولا قواعد القانون الدولى إلا إذا كانت خلفية هذه القواعد توازن القوة فى النظام الدولى. والنظام الدولى ليس مثل النظام الداخلى، فلا مجلس الأمن يمثل حكومة، ولا تلتزم الدول باللجوء إلى محكمة عليا هى محكمة العدل الدولية، ولا تملك المحكمة فرض أحكامها على حكومات لا ترضى عن هذه الأحكام، إن لم يقرر مجلس الأمن بإجماع الدول ذات المقاعد الدائمة فيه على إنفاذها، وهو شرط مستحيل. والأهم من ذلك، هو أنه فى ظل التنافس على قيادة العالم وعدم بلورة قواعد لهذه القيادة أصبحت شريعة الغاب هى التى تحكم العلاقات الدولية، ويكون الكسب فى هذه العلاقات لمن ينجح فى فرض إرادته على أطراف الصراع الأخرى بالقوة المسلحة.